بعد عدة أشهر من المظاهرات المناهضة للحكومة، تجري معركة معلومات عبر الإنترنت في الجزائر، حيث يحاول المتظاهرون سحق المتصيدين المزعجين الملقبين ب “الذباب الإلكتروني”.
أعلن الرئيس المؤقت للجزائر مؤخرًا أن الانتخابات ستجرى في ديسمبر، مما أحدث انتعاش للوضع السياسي في البلاد، بعد عام من الدراما السياسية التي بدأت في فبراير وأدت إلى استقالة عبد العزيز بوتفليقة، رئيس البلاد منذ فترة طويلة، في أبريل، إلا أن المحتجين الذين يريدون إصلاحات أخرى استمروا في الخروج إلى الشوارع، وكان الصراع من أجل مستقبل البلاد قاسيًا بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، التي غمرتها المعلومات الخاطئة والأخبار الكاذبة.
ماذا حدث في الجزائر؟
في 22 فبراير، احتج الآلاف من الجزائريين على قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية خامسة، والذي شغل منصبه منذ عام 1999، وأخذت المشاكل مجراها المخطط له على حين غرة، إذ قالت داليا غانم الباحثة المقيمة في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت “لم نشهد مثل هذه الأحداث منذ التسعينيات”.
في محاولة للسيطرة على نشر الأخبار المتعلقة بالاحتجاجات، تم تعطيل الوصول إلى الإنترنت في أجزاء كثيرة من البلاد، وفقًا لمنظمة “نت بلوكس”، التي تراقب حرية الإنترنت، ورغم ذلك استقال استقال أخيرًا تحت الضغط في أبريل، لكن هذا لم يكن كافيًا لتهدئة غضب المحتجين من “السلطة”؛ زمرة جنرالات الحزب ورجال الأعمال والسياسيين ممن أحاطوا بالرئيس لسنوات طويلة.
قال رؤوف فرح، أحد مؤسسي “جمعية الناشطين الشباب”، إحدى الحركات التي شاركت في الاحتجاجات “بعد ذلك، بدأت مرحلة ثانية من الحرب الإلكترونية”، حيث يدعي أن معارضي المتظاهرين ردوا “باستخدام المتصيدين للإنترنت، من خلال الأخبار كاذبة، والمعلومات كاذبة، والحسابات مزيفة”، كما يستخدم المتظاهرون مصطلح “الذباب الإلكتروني” لوصف ممن يبثون رسائل مؤيدة للحكومة.
يقول فرح، “سترى المتصيدين يقومون بتعليقات سلبية على صفحتنا وتلقين الحركة بكل الأسماء الممكنة”، ووفقًا له، فإن الحسابات التي يستخدمها “الذباب الإلكتروني” تشترك غالبًا في عدد من ميزات النشاط المنسق: تم إنشاؤها بعد بداية الأحداث، ولديها أقل من 100 صديق وتميل إلى تكرار نفس التعليقات على عدد من الرسائل.
الذباب الإلكتروني” يخلق التلوث
تقول كارولين لامبولي من بي بي سي مونيتور التي تحلل “الذباب الإلكتروني”، “إنهم يخلقون فقط هذه الضوضاء المزعجة ويحاولون تحويل النقاش”، كما حددت “بي بي سي ترندينغ” الحسابات التي تتلاءم مع هذا النمط من السلوك، لكن من غير الواضح ما إذا كان مديرو الحسابات يتصرفون بمبادرة منهم أم أنهم جزء من حملة منظمة.
يبدو أن التعليقات والمقالات التي نشرها “الذباب الإلكتروني” تركز على عدد صغير من الموضوعات، تهدف في المقام الأول إلى تقويض حركة الاحتجاج، حيث تقول لامبولي، أحدهم يتحدث عن “نظرية المؤامرة”، و “أن هناك رعاية أجنبية وراء المظاهرات، وأنه يمكن دفعها أو رعايتها بطريقة ما من قبل قوى خارجية”، وقالت “إن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للجزائر، غالبًا ما تكون “كبش فداء سهل”.
تشير العديد من التعليقات الأخرى التي نشرها “الذباب الإلكتروني” إلى أن السيد بوتفليقة والجيش ما زالا يتمتعان بدعم شعبي واسع، حيث تقول لامبولي “في بعض الأحيان يكون الأمر غريبًا حقًا، مثل “يحيا الجيش”، و “هذه الجملة يتم نسخها ولصقها اثني عشر مرة في رسالة واحدة، بحيث لا تبدو وكأنها سلوك بشري طبيعي”، بينما تلعب الرسائل الأخرى دور التوتر بين الجماعات العرقية المختلفة في الجزائر.
الأخبار الكاذبة لخلق الانقسامات بين المحتجين
في نفس الوقت الذي ظهر فيه “الذباب الإلكتروني”، ظهرت أخبار وهمية على الإنترنت وانتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال عمر الغازي، أستاذ مساعد في الإعلام والاتصال بكلية لندن للاقتصاد، “لقد أصبح منبرًا للصراع بين المحتجين والسلطات لأن الكثير من الجزائريين يعرفون بشكل أساسي الأخبار عبر الفيسبوك”.
وففي هذا المناخ من عدم اليقين السياسي، تم إنشاء صفحة على موقع “فيس بوك” لإزالة الغموض عن الأخبار المزيفة حول الجزائر، وسميت “الأخبار الكاذبة”، ويقول نسيم، أحد صانعي الصفحة، “عندما بدأت الاحتجاجات، رأيت أن هناك زيادة في عدد الأخبار المزيفة المنشورة”.
يذكر أن نسيم هو عالم كمبيوتر جزائري مقيم في باريس، وعلى الرغم من افتقاره إلى التدريب الصحفي، يقول إن إزالة الغموض عن الأنباء الكاذبة أثناء وقت فراغه يمكن أن يكون مهمة سهلة للغاية، وبنفس سهولة إجراء البحث على محرك البحث “جوجل”.
منذ بداية الصفحة في أبريل، تزعم صفحة “الأخبار الكاذبة”، أنها كشفت أكثر من 300 تقرير مزيف، حيث عارض الكثير منهم الاحتجاج، من بينهم، خبر يقول أن المظاهرة لم تعد ضرورية وأن الجزائر كانت على قدم وساق بعد رحيل الرئيس، كما يقول نسيم إن معظم الأخبار السياسية الخاطئة تأتي من الجانب المناهض للاحتجاج أو يبدو أنها مصممة “لخلق بعض الانقسامات بين المحتجين”.
الجيش والحكومة يرفضان التعليق
أدان عدد من السياسيين المعارضين استخدام الأخبار الكاذبة والذباب الإلكتروني ضد حركة الاحتجاج، مما يشير إلى أن المؤسسة السياسية يمكن أن تكون مسؤولة عن مثل هذه التكتيكات، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الحكومة أو الجيش يشاركان مباشرة في حملة تضليل، كما لم تستجب السفارة الجزائرية في المملكة المتحدة ولا وزارة الاتصالات الجزائرية لطلبات هيئة الإذاعة البريطانية للتعليق على هذا المقال، كما أنه أحيانًا ما يتهم السياسيون في الحزب الحاكم وسائل الإعلام الجزائرية “بمحاولات التضليل” الخاصة بهم.
تحتل الجزائر حاليًا المرتبة 141 في مؤشر حرية الصحافة العالمي، الذي تنشره مجموعة مراسلين بلا حدود كل عام، وقال متحدث باسم موقع “فيس بوك” لـ “بي بي سي ترندينغ”،” لا نريد أن يتم استخدام برنامجنا لتضليل الناس، ونحن نعمل بقوة لمكافحة انتشار المعلومات الخاطئة”، إذ أن الشركة تزيل الصفحات والملفات التعريفية المستخدمة بطريقة منسقة لنشر المعلومات الخاطئة، ففي خلال فترة ثلاثة أشهر في وقت سابق من هذا العام، تمت إزالة 2.2 مليار صورة مزيفة.
اضف تعليقا