العدسة – معتز أشرف
مع انطلاق منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، حاولت الإمارات إبراز صورة جميلة للأوضاع لديها واستشرافها للمستقبل، لكن خبراء بالأمم المتحدة ومراقبين، وجهوا رسالة مفتوحة إلى قادة المؤتمر والمتصدرين به، وفي مقدمتهم الإمارات، أكدوا فيها أهمية الانتباه لحقوق الإنسان، خاصة للعمال والفقراء، وهو ما لا تعرفه “أبو ظبي ” عمليا، حيث أخفت أبراجها الشاهقة الفقراء والمحتاجين، وقضت زنازينها علي أصوات المعارضين وأصحاب الراي، وأنهت أموالها القاسية علي حقوق العمال، بحسب تقارير حقوقية متواترة.
تحذير أممي
وبينما تنطلق الفاعليات، لمدة 5 أيام منذ أمس، بحضور قادة وزعماء 140 دولة حاولت الإمارات تصدر المشهد، بتدشين حملة ترويجية كبيرة لوجودها في المنتدى وأفكارها، أطلق مجموعة من خبراء الأمم المتحدة تحذيرا للمشاركين تحت عنوان: “ينبغي على دافوس معالجة المخاطر العالمية المتأصلة في انتهاكات حقوق الإنسان”، مؤكدين في بيان لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بجنيف، أنه مع تلاقي القادة العالميين في دافوس للمنتدى الاقتصادي العالمي، يجب الانتباه إلى الأهمية الحاسمة لحقوق الإنسان في هدف المنتدى، المتمثل في “إيجاد مستقبل مشترك في عالم ممزق”.
وقالت أنيتا راماساستري، التي ترأس فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان: “ما نشهده في العالم اليوم، هو التوق من الناحية الاقتصادية إلى نظام اقتصادي أكثر عدلا، ينشر مكاسب التنمية الاقتصادية للجميع، ولا بد من معرفة أن “إدراج أهداف حقوق الإنسان في القرارات السياسية والاقتصادية، أمر بالغ الأهمية إذا ما أريد للإصلاحات الاقتصادية أن تعالج الأسباب الجذرية للشعبوية والاضطرابات العالمية وتغير المناخ وعدم المساواة”.
وشدد الخبراء على كيفية قيام الحكومة وقادة الأعمال الذين يجتمعون في دافوس بالسلطة والنفوذ لإقامة العالم على طريق أكثر شمولا واستدامة، مشيرين إلى أن قادة العالم قد تعهدوا “بإعمال حقوق الإنسان للجميع”، و “عدم ترك أحد وراءهم”، باعتبارهم تطلعات أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول عام 2030، ودعوا قادة الأعمال إلى دعم هذا التعهد، مضيفين: ” أولا وقبل كل شيء، يجب على الحكومات والشركات أن تعمل وفقا لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية، بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، من خلال اتخاذ خطوات لاحترام حقوق العمال، عبر سلاسل التوريد وتجنب أن العمليات التجارية تسبب أو تسهم في الآثار السلبية لحقوق الإنسان”.
ورغم أن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2018، يتضمن جلسة عن “الآفاق العالمية لحقوق الإنسان” بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أن خبراء الأمم المتحدة أعربوا عن أسفهم لأن حقوق الإنسان لم تراعَ بشكل كافٍ في تقرير المخاطر العالمي لعام 2018، الذي أكد أن ” العالم علي حافة الهاوية”.
وقال الخبراء: “إننا ندعو الحكومات وقادة الأعمال في دافوس، إلى تذكير الأطراف الأخرى بأن حقوق الإنسان ليست قضية هامشية، ولكن في جوهر ما يتعين القيام به لمواجهة المخاطر العالمية الأكثر إلحاحا”.
وفي السياق ذاته أكدت منظمة الإغاثة العالمية «أوكسفام» في تقرير صادر بالتزامن مع بدء أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي، أن الاقتصاد العالمي يفيد بشكل متزايد الأغنياء، ويبقي المليارات من الأشخاص عالقين في دوامة الفقر، ووفقاً للتقرير، فإن 82 % من الزيادة في الثروة العالمية التي تحققت العام الماضي، تدفقت على أكثر سكان العالم ثراء، بينما لم تسجل أي زيادة في ثروة 3.7 مليار شخص يشكلون النصف الأفقر من السكان في العالم.
وفي حين شهد العمال العاديون زيادة في أجورهم بنسبة 2% في المتوسط سنوياً منذ عام 2010، نمت ثروة أصحاب المليارات بمعدل 13% في المتوسط سنويًّا، ففي العام الماضي، ارتفع عدد أصحاب المليارات أكثر من أي وقت مضى، وفقًا لبنك كريدي سويس السويسري ومجلة «فوربس» الأمريكية، وكلاهما يتتبع الأغنياء في العالم.
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة «أوكسفام» ويني بيانيما: «إن ارتفاع عدد أصحاب المليارات ليس علامة على اقتصاد مزدهر، ولكنها واحدة من أعراض فشل النظام الاقتصادي، فيما دعت القادة الذين سيجتمعون في دافوس، إلى القضاء على التهرب الضريبي، وضمان حد أدنى لائق من الأجور، والحد من عائدات المساهمين والمسؤولين التنفيذيين.
في وادٍ ثانٍ
والنداءات هكذا، وبينما يتحدث المعنيون عن الحقوق الأصيلة للفقراء والعمال، كانت الإمارت في واد ثان، تحاول تصدر الصورة الإعلامية للمنتدى الاقتصادي العالمي، بإطلاق تقرير تحت عنوان “استشراف المستقبل العالمي” الذي وصفته في وسائل إعلامها الرسمية بأنه “يعد الأول من نوعه في العالم”، بينما الواقع لا يزال -بحسب مراقبين وحقوقيين- يهدد مستقبلها، لكن الإمارات بررت التقرير بأنه تأكيد علي قطع “الإمارات شوطاً مهمًّا في استشراف المستقبل، وأنها أصبحت مصدرًا لتقديم المعرفة للعالم”، وبحسب وكالة أنباء الإمارات، تحدث محمد عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل في الإمارات، عن تقرير الإمارات بوصفه: ” سيكون مرجعاً لإلهام صناع القرار وكبار المسؤولين لصنع مستقبل أفضل”، في تجاهل واضح لمشاكل الإمارات الداخلية التي تضرب أي تطوير، خاصة فيما يتصل بمجال حقوق الإنسان وهو ما أطلق خبراء الأممم المتحدة نداءً بشأنه.
الفقر المدقع
وبينما يحاول الإماراتيون الحاكمون البحث عن المستقبل، كان الواقع صعبا، حيث تشير التقارير غير الرسمية الصادرة عن بعض المراكز البحثية أن معدلات الفقر في الإمارات بلغت خلال 2003 حوالي 19.5%، حسبما أشارت صحيفة “الرياض” السعودية حينها، وأن ما يقرب من نصف مليون مواطن إماراتي يعيشون تحت خط الفقر، وكان مجلس دبي الاقتصادي حدد خط الفقر عند 80 درهم شهريًّا، وهو ما أثار حفيظة أبو ظبي في ذلك الوقت، فيما يحتاج 27% من المواطنين إلى مساعدات دورية من الجمعيات الخيرية، التي تنشر كثيرا دعايات وتنويهات بنشاطها، أو حتي في تغطيات إعلامية رسمية حول تكافل شهر رمضان.
ورغم التعتيم على دراسات وإحصائيات معدلات الفقر بالإمارات، إلا أن آخر دراسات متاحة أعدها كبير الاقتصاديين في مجلس دبي الاقتصادي، الدكتور عبد الرزاق الفارس، ونشرتها جريدة “الإمارات اليوم “، أكدت أن «7.2٪ من المواطنين فقراء، بينما يبلغ معدل الفقراء من غير المواطنين نحو 13.9٪»، معتبرة «خط الفقر المكافئ تحت دخل 29.6 ألف درهم سنويًّا، أي ما يعادل 80 درهماً يوميًّا، و2400 درهم شهريًّا»، وهو ما ذهبت إليه دراسة قدمها الدكتور معاوية العوض، حيث شددت علي أن «الهوة بين الفقراء والأغنياء زادت، سواء كان ذلك للمواطنين أو الوافدين، كما ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل واضح خلال تلك الفترة”، وهو ما يتفق مع ما نشر مؤخرا في وسائل، عن تخصيص أبو ظبي 250 مليون دولار لمشاريع تتعلق بمكافحة الفقر.
في المقابل، لا تعترف حكومة الأبراج الشاهقة بوجود فقراء، مثلما تنفي تماما وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، وردًّا على ما أوردته “الرياض” أصدر المركز الوطني للإحصاء في الإمارات بيانًا زعم فيه عدم المعلومات الواردة بشأن معدلات الفقر التي نشرتها الصحيفة السعودية، مؤكدا فيه أن هذه النسبة ليست 19.5 %، بل هي 0.002 %، إلا أن آلاف الفقراء الذين تتزايد أعدادهم تنفي ذلك، خاصة وأنهم يعيشون على المساعدات والصدقات، التي يتلقونها من وزارة التنمية الاجتماعية، وصندوق الزكاة، وبعض الجمعيات الخيرية في الدولة.
ذبح العمال
الضربة الثانية التي تسقط ورقة التوت عن الإمارات في المنتدى الاقتصادي العالمي، الانتهاكات المستمرة ضد العمال خاصة، وحقوق الإنسان عامة، الذي عدها تقرير خبراء الأمم المتحدة تقويضا لأي تطوير اقتصادي مزعوم، وهو ما وثقته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي 2018، حيث أعلنت أن الإمارات تواصل انتهاكات العمل في الإمارات، حيث يواجه عمال البناء الوافدين استغلالا خطيرا، حيث اعتمدت الإمارات قانونا للعمالة في سبتمبر الماضي، لا يضمن حماية كاملة للعمال، وهو ما وثقه كذلك المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، منذ أكتوبر 2017، حيث أكد في تقرير له، أن السلطات الإماراتية تفرض قيودًا على العمالة الأجنبية وتعرضهم للاستغلال والمعاملة السيئة، من خلال تطبيقها لنظام الكفالة، مضيفا أن العمال في الإمارات يتقاضون أجورًا متدنية للغاية، مقارنة مع غلاء المعيشة وسوء أوضاع المساكن المخصصة لهم، بما يمثل شكلًا من أشكال العبودية الحديثة.
وبينما يحاول المنتدى الاقتصادي العالمي تلافي انتقادات سابقة، بأن المؤتمر يفتقر لتمثيل نسائي، بالسماح بترأس نساء المنتدى الاقتصادي لزعماء العالم ورؤساء الشركات لعام 2018، منهن مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، ورئيسة وزراء النرويج، إرنا سولبرج، كان التمييز ضد المرأة علي أشده في الإمارات، وهو ما تضمنه تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في مطلع العام، والذي صدر من 13 صحفة، عبر فيها عن قلقه من الوضع الحقوقي المتردي في الإمارات العربية المتحدة، لاسيما التمييز ضد المرأة، بجانب ظلم العمال الأجانب، وتعذيب السجناء، وقمع حرية التعبير.
اضف تعليقا