العدسة – معتز أشرف  

تدخلات سافرة من ولي العهد السعودي المتهور محمد بن سلمان في الشئون اللبنانية، تحت لافتات غير متصلة ببعضها البعض ولا علاقة لها بالواقع، حتى وصلت إلى محطة الانتخابات البرلمانية، بغرض إعادة رسم الأرض بحسب هوى الرياض، وبما يخدم  في الانتخابات على النحو الذي يسهم في تحجيم البعض وإعادة تحصين البعض الآخر، لتتحول أرض شجرة الأرز العتيقة إلى كتلة لهب مستمرة، وملعب لألعاب الأمير الطائش الذي يواصل هوايته المفضلة في الوصاية على دول المنطقة لحساب الكيان الصهيوني، بحسب معلومات متواترة.

غضب لبناني

القضاء اللبناني، سلط الضوء بقوة على التدخلات السعودية بقيادة “بن سلمان”، ووافق على النظر في شكوى مقدمة ضد وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في السعودية، ثامر السبهان، بتهمة “إثارة النعرات بين اللبنانيين ودعوتهم إلى الاقتتال، وتعكير علاقات لبنان بدولة أجنبية”، بعد شكوى قدمت من قبل المعتقل السابق في السجون الإسرائيلية، نبيه عواضة، وقرر قاضي التحقيق الأول في بيروت، غسان عويدات، قبولها على أن يحدد في وقت قريب موعدًا لاستجواب الوزير السعودي، واستند عواضة في شكواه إلى تغريدات سابقة “للسبهان” قال إنها مهدت لما جرى مع رئيس الحكومة سعد الحريري في العاصمة السعودية الرياض، “وإلزامه بتقديم استقالته”، فيما اعتبر “عواضة” في الدعوى التي قدمها للقضاء، أن تغريدات “السبهان” تمس سيادة لبنان وتثير النعرات الطائفية، خاصة أن  “السبهان” قد قال كذلك في أكتوبر الماضي، إن السعودية ستتعامل مع حكومة لبنان على أنها “حكومة إعلان حرب”؛ بسبب أعمال العدوان التي يقوم بها حزب الله تجاه المملكة.

القرار القضائي اعتبره مراقبون كاشفًا لحدة التدخل السعودي وحدة الغضب اللبناني، خاصة أنه جاء بعد ما حدث في نوفمبر  2017 ، من أزمة كبيرة جراء إعلان سعد الحريري من السعودية عزمه الاستقالة من منصب رئاسة الوزراء من الرياض، لتنتهي بعد ذلك الأزمة بعودته عن الاستقالة، وتأكيده على ضرورة العودة لخيار “النأي بالنفس” عن صراعات المنطقة، فضلا كذلك عن نشر موضوع في صحيفة “إيلاف” السعودية يتضمن تهديدات مباشرة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، نقلاً عن مصدر كبير أبلغ الموقع أن مسؤولا سعوديًّا اتصل بوزير لبناني أخيرًا، وأبلغه بأن ما وصفها بهرولة الحريري إلى تركيا ستكلفه ثمنًا باهظًا، كما نقلت صحيفة الأخبار عن مراجع رفيعة المستوى أن السعودية تخطط للتدخل في الانتخابات، على النحو الذي يسهم في إضعاف حزب الله، وإعادة تحصين قوى 14 آذار، استعدادًا لاستمرار المواجهة مستقبلاً، حيث تخطط السعودية لإعادة التأثير السعودي بعد الضربات التي تعرّض لها في السنوات الماضية، وبعد أزمة الرئيس سعد الحريري، وبحسب معلومات أحد المراجع اللبنانية، فإن السعودية تضع شروطًا على تحالفات الحريري في حال أراد الأخير أن يضمن الحصول على الدعم السعودي خصوصًا المالي.

هذه الاجراءات وغيرها فجرت غضبا في اوساط رفعت لواح الكفاح ضد التدخل السعودي بجلاء، حيث  أكد مستشار وزير الدولة لمكافحة الفساد، المحامي وديع عقل، “ان السعودية ورغم محاولاتها ستفشل في تجميع فتات 14 آذار وهذا الفشل سببه وجود رئيس الحكومة سعد الحريري، والذي يختلف عما كان عليه الحريري في 2009، لافتا إلى وجود المال الانتخابي القادم من السعودية، مشددًا: “إن اللواء أشرف ريفي، والتركيبة المحيطة به تسعى إلى الاستفادة من الدعم السعودي هذا”، كما كشف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، النائب وليد جنبلاط، أنه لن يزور السعودية في حال دُعي إليها، واصفا العلاقة مع الرياض بأنها جامدة، فيما قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم: ” أرادت السعودية أن تخرب لبنان المستقر والموحد؛ لأنه لا ينصاع إلى أوامرها، ولكن بحكمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والتفاف القيادات الوطنية حول الرئيس، انقلب السحر على الساحر، وانكسر المشروع العدواني السعودي على لبنان.

وأضاف بوضوح يحمل الكثير من الرسائل: لقد فشلت السعودية في خياراتها في المنطقة، والكل يعلم ذلك، ولكن لا يمكنها أن تعوض هذه الخسارة في لبنان، فلبنان صمد في مواجهة أصعب أزمات المنطقة، وواجه إسرائيل وحرر الأرض، وهو يشكل قدرة ردع حقيقية في مواجهتها، وفي خطوة مفاجئة، أعلن النائب عن الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين) عماد الحوت، في تصريح له، أنه ليس هناك قرار باستحالة التحالف مع حزب الله، خصم السعودية اللدود.

اعتراف سافر

وزير العدل السابق ومدير عام قوى الأمن الداخلي السابق، اللواء أشرف ريفي، قال: “كانت علاقتنا بالمملكة العربية السعودية علاقة احترام ومودة حقيقة، وفيما يخص الانتخابات، فلا شك أن الأمر يتعلق بالمملكة العربية السعودية وحدها، لكي تقرر طبيعة إستراتيجيتها تجاه لبنان، إلى الآن، نشعر أن موقف السعودية هو إلى جانب طرحنا، أما كيف يترجم هذا الدعم، فحقيقة لا أحد يعلم، نحن علينا أن نحضر انتخاباتنا ونكون جاهزين، وأن يكون لدينا خطة “باء” في حال دُعمنا، ونحن سبق وطرحنا على المملكة العربية السعودية أنه يوجد مشروع إيراني في المنطقة يجب أن يقابله مشروع عربي، نحن نتمنى على المملكة العربية السعودية، كما نتمنى على كل الدول العربية، والتي هي حريصة على إبعاد النفوذ الإيراني عن الساحات العربية، أن تقيم مشروعا عربيا في لبنان، لبنان هو أحد الساحات الهامة في هذا الصراع حقيقة.

وأكّدت كتلة المستقبل اللبنانية، أن تيار المستقبل حريص بكل هيئاته وتشكيلاته السياسية على العلاقات التي أسسها مع السعودية، وأرسى دعائمها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، زاعمة أن “هناك حملة للتشويه والتحريض، تتعرض لها علاقة تيار المستقبل بالسعودية”، وهو البيان الذي يتوافق مع ما قاله سعد الحريري، خلال مقابلة مع تليفزيون المستقبل مؤخرًا، إن علاقته بالأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ممتازة، لافتا إلى أن البعض يحسده على هذه العلاقة، وبحسب “القوات اللبنانية” فإن علاقة السعودية ولبنان تحكمها “رؤية المملكة 2030” التي باتت تحكم الآن، موضحة أن المملكة العربية السعودية تتابع باهتمام الانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في مايو  المقبل، مؤكدة أن العلاقة بين المملكة والحريري علاقة تاريخية وإستراتيجية وستستمر في المستقبل، فالحريري هو ابن المملكة مثلما هو ابن لبنان .

وكان وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد في تصريحات صحفية من واشنطن مؤخرًا أن ماحدث لقطر يحدث الآن بطريقة أخرى للبنان، مؤكدًا  أن هناك محاولات للتسلط على الدول الصغيرة من أجل إجبارها على التسليم، مشددًا على أن هناك أزمات بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، بسبب وجود نمط من القيادة المتهورة وغير المسؤولة في المنطقة، فيما حذر الاتحاد الأوروبي، بعد اعتقال الحريري، السعودية من التدخل في الشأن اللبناني، فيما دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، إلى عدم تدخل دول أخرى في الشأن اللبناني.

أبعاد المخطط 

وبحسب مراقبين، فإن العلاقات اللبنانية-السعودية، تأثرت بتوقيف السعودية للحريري واستقالته من الرياض، حيث أثارت استقالة الحريري التليفزيونية ردود فعل لبنانية ودولية، أجمعت على اعتبارها قرارًا سعوديًّا صنع أزمة كبرى بين بيروت والرياض، وبحسب د.زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في باريس فإن ولي العهد السعودي الذي قاد حملة الاعتقالات الداخلية واحتجز الحريري دافعًا إياه إلى الاستقالة، يعتبر أن في جنسية الحريري السعودية ما يُتيح له التعامل معه بوصفه مواطنًا في المملكة لِشَركته السابقة مشاكل مع الدولة لا يكفي إعلان الإفلاس لِحلها، كما أن موقع الحريري في المعادلة اللبنانية كممثل للطائفة السنية في السلطة يسمح بوضعه في مواجهة ممثلي الطائفة الشيعية فيها، لاسيما حزب الله حليف إيران، رفعًا للغطاء الذي يوفره ترؤسه لحكومة شراكة معهم، ومنعًا لاعتبار الدولة اللبنانية حاميًا لهم في أي تصعيد مقبل في المنطقة. ويرتبط الأمر هنا تحديدًا، بما كانت الرياض تتوقعه من تصعيد أمريكي ضد إيران، وعد مستشار الرئيس “ترامب” جاريد كوشنر، بالسير فيه خلال زيارة قام بها للمملكة في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017، بالتزامن مع تصاعد العمليات العسكرية في اليمن، وإطلاق صواريخ بالستية منه، وصل أحدها إلى مقربة من الرياض، على أن باريس القلقة من احتمالات تدهور الأوضاع في لبنان، والطامحة للعب أدوار شرق أوسطية، في ظل التلكؤ الأمريكي تجاه المنطقة، والساعية للبقاء على نفس المسافة من الأطراف الخليجية المتنازعة (السعودية والإمارات وقطر) من ناحية، وعلى تمتين علاقاتها الاقتصادية بالسعودية من دون المس باحتمالات تطورها المستقبلي مع إيران من ناحية ثانية، سارعت إلى التوسط في “أزمة الحريري” وإيجاد حل يحفظ ماء وجه جميع الفرقاء.

وأكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في باريس أنه من الواضح أن ثمة تردِّيًا في العلاقات اللبنانية-السعودية على الصعيد الرسمي، وعلى صعيد أكثرية القوى السياسية اللبنانية، ومن الواضح أيضًا، أن السياسة الخارجية التي يعتمدها “النظام الجديد” في الرياض تجاه لبنان، ترتبط حصرًا برغبته في مواجهة إيران المتمدد نفوذها في كامل المنطقة، عبر مواجهة حليفها المحلي “حزب الله”، ولما كانت المواجهة هذه متعذرةً من دون انفراط عقد الحُكم المشترَك بين الحزب والحريري في بيروت، ومن دون الرهان على تصعيد أمريكي شامل ضد طهران في المنطقة، فإن السعوديين أرغموا الحريري على الاستقالة، ورفعوا سقف خطابهم تجاه الإيرانيين، كما وسَّعوا رقعة العمليات العسكرية في اليمن؛ ردًّا على القصف الحوثي للمملكة الذي اتهموا طهران بالوقوف خلفه.

ويرى المراقب للشأن اللبناني، د. زياد ماجد، أن المناخ العام في لبنان اليوم، أقرب إلى مناخ التسويات وإعادة تشكيل مجلس نيابي من دون تبدلات كبرى،  وأن السعودية تنتظر تحول وعود التصعيد الأمريكي ضد إيران إلى سياسات ميدانية، فمن دون ذلك، لن يكون لأي تغيير تريده الرياض أملٌ كبير، خاصة وأنها تخوض معارك على جبهات متعددة فتحتها دفعة واحدة، وعلى نحو فيه الكثير من “المغامرة” والحسابات غير الدقيقة، مؤكدا أن الانتظار هو إذن سمة المرحلة لبنانيًّا وسعوديًّا؛ انتظار الانتخابات النيابية ونتائجها، وانتظار السياسة الأمريكية الجديدة وتداعياتها، وفي سياق هذا الانتظار، تبرز من جديد خشية لبنانية من تأزم اقتصادي مالي بسبب استمرار تراجع الاستثمارات وواردات الخزينة وتردي الخدمات وانحسار السياحة، كما يبقى وضع الجاليات اللبنانية في السعودية (والإمارات والبحرين) معلَّقًا ينتظر بدوره جلاء الأمور في المقبل من الأشهر.