العدسة – أحمد عبد العزيز

كلما تعرض أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، البالغ من العمر 88 عاما، إلى وعكة صحية، كلما تجدد الحديث عن نظام الحكم في ذلك البلد النفطي، وعن الإجراءات التي قد تشهدها إذا خلا منصب أمير البلاد، خاصة إذا ما علمنا أن “المرض” هو السبب الرئيسي في التغييرات السياسية داخل الكويت!.

إلا أن ما يجعل توقع سيناريوهات انتقال السلطة في الكويت ليس بهذه السهولة، هو أن ولي العهد نفسه، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، يبلغ من العمر 80 عاما ويعاني من كثير من الأمراض!.

نزلة برد

فقد أعلن الديوان الأميري بالكويت، عن دخول أمير البلاد إلى المستشفى لإجراء فحوصات طبية معتادة، إثر نزلة برد تعرض لها، داعيا له بموفور الصحة والعافية.

وبغض النظر عن صحة سبب دخوله إلى المستشفى، إلا أن السبب المعلن في حد ذاته، يثير الكثير من علامات الاستفهام حول صحة الرجل.

فإذا كانت مجرد نزلة برد كفيلة بإدخاله إلى المستشفى، فلابد للبلاد أن تستعد لتغيير سياسي كبير في رأس الدولة في أي لحظة، خاصة وأن الأمير على مشارف التسعين من العمر.

ملكية وراثية

ويعد نظام الحكم في الكويت، نظاما ملكيا دستوريا، كونها إمارة وراثية يحكمها أمير من ذرية الشيخ مبارك الصباح، الحاكم السابع في تاريخ الكويت، والمؤسس الفعلي لها، والذي يلقب داخل البلاد باسم “مبارك الكبير”.

وينص دستور الكويت الذي وضع في ستينات القرن الماضي، على ضرورة قيام الأمير، وبعد توليه مقاليد الحكم، بتسمية شخص من ذرية “مبارك الكبير” خلال سنة على أقصى تقدير، لتولي منصب ولاية العهد.

إلا أن اختيار الأمير لولي العهد، لا يعد كافيا في حد ذاته لإقرار الشخص المختار، بل يجب أن يعرض اسم المرشح على مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) للنظر في توافر الشروط الدستورية في هذا المرشح من عدمه، وفي حال توافرت الشروط، فيحتاج هذا الشخص إلى موافقة أغلبية أعضاء البرلمان لكي يتم إقراره بشكل نهائي.

أما في حالة عدم حصول ولي العهد المقترح من قبل الأمير على عدد الأصوات المطلوب من قبل أعضاء البرلمان، فيتعين على الأمير أن يقوم بتزكية ثلاثة أشخاص على الأقل من الممكن أن تنطبق عليهم الشروط الدستورية، ليقوم مجلس الأمة باختيار أحدهم ومبايعته وليا للعهد بأغلبية الأعضاء.

وتتمثل الشروط العامة في ولي العهد، بخلاف كونه من ذرية “مبارك الكبير”، أن يكون رشيدا وعاقلا، ومسلما وابنا شرعيا لأبوين مسلمين، وألا يقل عمره يوم مبايعته عن ثلاثين سنة ميلادية كاملة.

ولاية الضرورة

في عام 1978، كان يمكن للأمير الحالي، صباح الجابر الصباح، أن يصبح وليا للعهد، حيث كان واحدا من بين ثلاثة سوف يتم الاختيار منهم، إلا أن صباح الجابر تنازل لابن عمه، سعد العبد الله السالم الصباح، ونتيجة هذا التنازل، قامت أسرة الصباح بتزكية سعد وليا للعهد، وأصدر حاكم البلاد حينها جابر الأحمد الصباح مرسوما زكاه فيه رسميا للمنصب، وهو ما وافق عليه مجلس الوزراء ومن ثم البرلمان.

وفي عام 2006، أصبح سعد أميرا للكويت بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد الصباح، إلا أن ظروف سعد الصحية حالت دون توليه مقاليد الحكم بشكل فعلي، حيث كان يبلغ من العمر حينها 76 عاما ويعاني عددا خطيرا من الأمراض.

لذا قرر سعد أن يتنازل عن الحكم، وفي الوقت نفسه، كان مجلس الأمة قد استقر على ضرورة نقل السلطات الأميرية إلى مجلس الوزراء الذي كان يرأسه في ذلك الوقت صباح الأحمد الجابر الصباح، بعدما اطلع على التقارير الصحية التي تكشف حالة سعد.

وبعدها بأيام، اجتمع مجلس الوزراء، وقرر رسميا اختيار صباح الأحمد الجابر الصباح أميرا للبلاد، لتتم مبايعته بالإجماع من قبل مجلس الأمة، حيث أدى اليمين الدستورية أمام البرلمان.

عقب ذلك، قرر أمير الكويت تزكية شقيقه نواف الأحمد لمنصب ولي العهد، وقال في الأمر الأميري، إنه اختاره لأنه عهد فيه “الصلاح والجدارة والكفاءة التي تؤهله لولاية العهد، فضلا عن توافر الشروط المنصوص عليها في الدستور وقانون أحكام توارث الإمارة”.

وبعدها بقرابة 10 أيام، عرض مجلس الوزراء، الأمر الأميري بتزكية نواف الأحمد لولاية العهد، على مجلس الأمة، الذي وافق عليه بالإجماع، ليؤدي نواف اليمين الدستورية كولي للعهد أمام الأمير وأمام مجلس الأمة في اليوم ذاته.

ولي العهد المريض

ويعد نواف الأحمد الجابر الصباح، ولي العهد الحالي والمرشح لتولي الإمارة حال خلو المنصب تحت أي ظرف، الابن السادس لأمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، ومن مواليد عام 1937، أي يبلغ من العمر 80 عاما.

وسبق له أن تولى العديد من المناصب، منها محافظة حولي، ووزارة الداخلية، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، كما عين نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء.

وفي شهر يوليو الماضي، غادر نواف الأحمد الأراضي الكويتية متوجها إلى الولايات المتحدة في زيارة معلنة، قيل إنها “زيارة خاصة”.

إلا أنه بعد أيام، تسربت أنباء أن ولي العهد توجه لإجراء عمليات جراحية نتيجة معاناته من عدة أمراض، لتضطر وكالة الأنباء الكويتية إلى الخروج والإعلان صراحة، أن نواف الأحمد يجري بعض الفحوصات الطبية في أمريكا.

وبعد مرور قرابة شهر على العلاج في أمريكا، عاد مجددا إلى الكويت، بعدما تم الإعلان عن أن الفحوصات التي أجراها تكللت بالنجاح، وكان في استقباله بالمطار حينها أمير البلاد صباح الأحمد.

كما سبق لولي العهد، أن أجرى جراحة أخرى في ظهره بألمانيا، عام 2013، وهي الجراحة التي تكللت بالنجاح كذلك، وتم الإعلان عنها عبر الوكالة الرسمية.

الرجل الثالث

وأمام هذا الوضع المرتبك لصحة أمير الكويت وصحة ولي العهد، يبحث الكويتيون عن الشخص الثالث، الرجل التالي في ترتيب المناصب داخل البلاد، والذي قد يكون هو من يتولى مقاليد الحكم في أية لحظة.

إلا أنه وفقا لمحللين، فإنه ليس من الواضح من الذي يأتي ثالثا بعد ولي العهد في الأسرة الحاكمة في الكويت، خاصة وأن صحة قيادات الأسرة تعتبر أمرا حساسا ولا تتم مناقشته بشكل علني إلا نادرا.

ما يعني أيضا أن على الكويتيين الجلوس والانتظار لمتابعة عملية انتقال السلطة كما يراد لها أن تكون عبر شاشات التليفزيون، ومشاهدة ما قد يسفر عنه تطور الأحداث داخل الأسرة الحاكمة.