يمر ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حركتي “فتح” و”حماس” في أصعب مراحله المتوترة، في ظل تفاقم وتصاعد الخلافات القائمة بين الحركتين، وعدم مقدرة الوسيط المصري على إيجاد حلول عملية تُنهي الانقسام الذي سيدخل عامه الثاني عشر خلال أسابيع.
الفصائل الفلسطينية لم تُخفِ امتعاضها من الدور المصري في رعاية ملف المصالحة الشائك، والذي وصفته بأنه “ضعيف وغير جاد”، بل تجاوزت ذلك حين دعت صراحةً إلى البحث عن وسيط آخر يملك أوراق ضغط وتأثير أقوى على “فتح” و”حماس” لطي صفحة الانقسام السوداء.
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، أكد أن “مصر لن تكون راعية لملف المصالحة خلال الفترة المقبلة”، وقال خلال لقاء تلفزيوني على فضائية “الميادين”، في السابع من شهر مايو الجاري، بعد أيام من زيارته للقاهرة: إن “مصر لن تتابع موضوع المصالحة بين حركتي فتح وحماس بعد الآن”.
تصريحات النخالة توافقت مع معلومات حصل عليها مراسل “الخليج أونلاين”، بأن مصر فعلياً قد أبلغت الفصائل الفلسطينية خلال الاجتماع الأخير الذي عقد بداية شهر مايو الجاري في القاهرة (3 مايو)، بأنها “لم تعد ترغب في الاستمرار برعاية المصالحة، ويجب على الفلسطينيين البحث عن وسيط بديل أو داعم قوي لدورها لتحقيق تقدم جدي”.
مصر ترفع يدها بعد فشل 12 عاماً
قيادات فلسطينية مقربة من جولات الحوار الداخلي بين “فتح” و”حماس”، أكدت أن مصر خلال السنوات الثلاث عشر الماضية بذلت الكثير من الجهود، وقدمت الكثير من الأوراق من أجل استعادة اللُّحمة الفلسطينية الداخلية وتحقيق المصالحة، لكنها لم تنجح وبقي الانقسام قائماً، بل زاد حدة أكثر من قبل.
في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين” أوضحت أن النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي لا يولي اهتماماً كبيراً بملف المصالحة الفلسطينية، وتركه تحت تصرف جهاز المخابرات، والتدخل حسب متطلبات الحاجة، دون أي ضغط فعلي وجاد.
“كل اللقاءات السابقة التي جرت في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية وجهاز المخابرات كانت عامة، وتم التباحث في نقاط الخلاف بين الحركتين ومحاولة التهدئة وعدم تصاعدها، دون تقديم أي أوراق مقنعة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع”، تُضيف القيادات الفلسطينية.
وتابعت حديثها لـ”الخليج أونلاين”: “الطريقة التي تتبعها مصر في رعاية المصالحة الفلسطينية، غير جادة، ولو بقيت مصر 20 سنة مقبلة ترعى هذا الملف فلن يتحقق أي تقدم، لأن الطرفين (فتح وحماس) لا تمارس عليهما ضغوط كافية ومؤثرة، ومصر تلعب في هذا الملف على ورقة العلاقات سواء مع حماس أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس”.
وذكرت القيادات ذاتها أن اللقاء الأخير الذي جرى بين “الجهاد الإسلامي” و”حماس” و”فتح” في القاهرة مع المخابرات المصرية بداية الشهر الجاري، قد يكون الأخير، مضيفةً: “مصر لن تبقى وسيطاً بملف المصالحة، واللقاء الأخير كان وداعياً، وأُبلغ الفلسطينيون بضرورة البحث عن وسيط بديل آخر، يمكن أن يحقق أي تقدم جدي بهذا الملف الشائك”.
ولفتت إلى أن مصر ستتجاهل تماماً ملف المصالحة الفلسطينية في ظل الخلاف المتصاعد بين حركتي “فتح” و”حماس”، على خلفية العقوبات التي يفرضها عباس على القطاع، وتشكيل حكومة محمد اشتية دون توافق داخلي، وأن القاهرة ستركز مباحثاتها كوسيط بين “حماس” و”إسرائيل” بملف التهدئة في قطاع غزة.
البحث عن وسيط بديل
وفي ختام حديثها أكدت أن الفصائل بدأت فعلياً مرحلة البحث عن الوسيط البديل لرعاية ملف المصالحة، مؤكدةً أن كل المؤشرات تتجه نحو قطر لرعاية وحمل هذا الملف، خاصة بعد التقارب الإيجابي الأخير الذي جرى بين حركة “فتح” وقطر والمدح المتبادل بينهما.
وأشارت المصادر لـ”الخليج أونلاين” إلى وجود توافق مبدئي بين حركتي “فتح” و”حماس” على أن تكون الدوحة هي الراعي الجديد للمصالحة، في حال استمرت القاهرة في إغلاق أبوابها أمام الفلسطينيين ورفض تحريك مياه المصالحة الراكدة منذ أشهر طويلة.
الجدير ذكره أن مصر ترعى ملف المصالحة الفلسطينية منذ ميلاده الأول في العام 2007، بعد سيطرة حركة “حماس” على قطاع غزة، ومنذ ذلك التاريخ لم تحقق القاهرة أي تقدم رغم العديد من أوراق المصالحة والتفاهمات التي قدمت خلال تلك الفترة، إلا أن الفجوة بين “فتح” و”حماس” لا تزال كبيرة.
مرحلة ركود سلبية
عضو المجلس الثوري لحركة “فتح”، عبد الله عبد الله، أكد في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أن ملف المصالحة يمر بمرحلة ركود سلبية منذ عدة أشهر، معتبراً أن هذا الركود مؤشر سلبي ينم عن حالة عدم ثقة مسيطرة على الملف بأكمله.
وأوضح أنه رغم جولات الحوار الكثيرة التي جرت في عواصم عربية وأجنبية بين الفصائل الفلسطينية، فإن الملف لم يشهد أي تقدم إيجابي يذكر، بل زاد توتراً وتصاعداً، والأمور لا تزال معقدة، والفجوة كبيرة.
بدوره أكد الكاتب والمحلل السياسي، عبد الستار قاسم، أن مصر على قناعة بأن المصالحة بين “فتح” و”حماس” لن تتحقق، وأنها لم تعد قادرة على تقديم أي شيء جديد يساعد في ذلك، موضحاً أن الملف أكبر بكثير من الدور المصري الذي تتذمر منه الفصائل وتدعو صراحة لإنهائه لأنه “فاشل وضعيف”.
وقال لـ”الخليج أونلاين”: “خلال السنوات الـ12الماضية كانت القاهرة فقط تعجن الماء بالماء، ولم تسعَ بجدية لحل الأزمة الفلسطينية، بل في الكثير من المرات كانت تقوي طرفاً على حساب طرف آخر خدمة لعلاقتها ومصالحها، مما وضع شكوكاً حول دورها”.
وطالب قاسم الفصائل الفلسطينية بالبحث عن وسيط بديل أكثر قوة ونزاهة وتأثيراً من أجل تحقيق المصالحة، معتبراً أن بقاء هذا الملف في الحضن المصري لن يجني الفلسطينيون منه إلا المزيد من الفشل، ولن تتحقق أمنيتهم بمصالحة واقعية وعادلة.
ووقّعت الحركتان أحدث اتفاق للمصالحة بالقاهرة، في 12 أكتوبر 2017، لكنه لم يطبق، بسبب نشوب خلافات حول قضايا، منها: تمكين الحكومة في غزة، وملف موظفي غزة الذين عينتهم “حماس” أثناء حكمها للقطاع
اضف تعليقا