العدسة- معتز أشرف
تحرك جديد ضد احتلال السعودية لجزيرتي تيران وصنافير حيث قدم للمحكمة الدستورية العليا ومحكمة القضاء الإداري في توقيت متقارب، كل من السفير إبراهيم يسري رئيس الجمعية المصرية للتغيير والمرشح الرئاسي السابق خالد علي- دفوعًا جديدة وطعونًا قانونية قالوا إنها تعصف بآمال آل سعود في البقاء في الجزيرتين واستمرار الاحتلال، نستعرض التفاصيل كاملة ونسلط الضوء على الدفوع، وننتظر في قابل الأيام ما تسفر عنه المعركة.

معركة جديدة

السفير إبراهيم يسري بدأ الرحلة الجديدة في ٢١ مايو الجاري، بتقديم الطعن رقم (١ لسنة ٤٠ ق دستورية) بانعدام حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم ١٢ لسنة ٣٩ منازعات، الذي يقضي بسعودية تيران وصنافير، كاشفًا عن تفاصيل هذا التحرك الجديد، حيث صدر في 3 أبريل 2018 حكم صادم من المحكمة الدستورية، مؤداه فصل جزء من الإقليم المصري وإهدائه للمملكة السعودية، رغم أن المحكمة الإدارية العليا قد حكمت في القضيتين المرفوعتين من علي أيوب و خالد علي بمصرية الجزيرتين، ولم يفت ذلك في عزيمة من وصفهم بالكوكبة الوطنية المناضلة من المتدخلين في القضيتين، فصمموا على الطعن فيه بالانعدام، وتنفيذ واحترام حكم محكمة القضاء الإداري، وهم: الدكتور أحمد حسن إبراهيم الأهواني، وميرفت محمود عبدالحميد يوسف، وعزة طاهر مطر، وجميل إسماعيل بشندي، المتدخلون بالدعوى..
وعليه فقد كلفوا السفير إبراهيم يسري ببحث حيثيات وجوانب الحكم ورأيه القانوني في الحكم، وإمكانية الطعن فيه، رغم ما نص عليه قانون المحكمة من نهائية أحكامها وعدم قبولها للطعن، وببحث الموضوع تأكد له إمكانية الطعن في الحكم بالانعدام بإقامة دعوى بطلان أصلي لتضمن الحكم في رأيه عيوبًا جسيمة تؤدي بالحكم إلى انعدامه، وقد استبان ما يمكن أن يعتبر عيوبًا جسيمة من شأنها أن تصفه بالانعدام، وقد كشف أن هذا الحكم ليس له مثيل ويعتبر سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء المصري؛ بأن تقضي المحكمة الدستورية بعدم الاعتداد، وإلغاء جميع الأحكام المتناقضة المعروضة عليها في قضية معينة، وعدم تغليب أحدها على الآخر وفقًا للاختصاص الذي منحته لها الفقرة الثالثة من المادة 25 من قانون المحكمة.

11 دفعًا جديدًا

الخارطة القانونية التي انطلق فيها السفير إبراهيم يسري وحصل عليها (العدسة)، فيها 11 دفعًا جديدًا ينسف كل الألاعيب التي أطلقها نظام السيسي في الفترة الماضية لتسهيل احتلال السعودية للجزيرتين المصريتين، وفي مقدمتهم الدفع بالعيب الجسيم في صدور الحكم رغم استنفاذ ولاية المحكمة، حيث لم يلتزم الحكم بحكم الاختصاص الذي خولته للمحكمة وفقًا للمادة 25 في فقرتها الثالثة، والقاضي نصها الصريح، وهو الاختصاص الذي تبينه الفقرة الثالثة له بالنص الصريح، بالفصل في شأن التنازع بين حكمين نهائيين لمحكمتين مختلفتين، ولم يخول النص المحكمة بعدم الاعتداد بالحكمين معًا، وفي هذا تجاوز دستوري وقانوني لا يسانده نص دستوري أو قانوني، كما أنه يضع المحكمة في شكل جهة استئناف أعلى من المحكمة الإدارية العليا..
وهذا العيب الجسيم و الخطير يكفي وحده لانعدام الحكم، فبدلًا من احترام وتنفيذ نص الفقرة الثالثة من المادة 25 من قانون المحكمة الموقرة، انحرف عنها ملتفتًا عن قانون المحكمة وأحكام الدستور، و لجأ الحكم إلى تأويل خاطئ للمادة 151 من الدستور وحدها، فإنه ضرب صفحًا وتجاهل مواد أخرى من الدستور مما يفسد أسباب الحكم و يصيبها بالعوار، وبهذا يكون الحكم قد نكص عن البتّ في الموضوع، وبذلك تستنفذ ولايتها، وتخرج الخصومة من يدها، ولا يتصور في هذه الحالة أن يبقى هناك نزاع يراد فضة في شأن الاختصاص، كما أنه لا يكون هناك محل لوقف التنفيذ.
أما الدفع الثاني، فهو الخطأ الجسيم في توصيف المعاهدة، ما جعل مؤداها هو التنازل عن جزء من إقليم الدولة، ولا يمكن أن تعتبر ترسيمًا للحدود البحرية، وفقًا لأحكام اتفاقية قانون البحار سنة 1958، ولاتفاقية قانون البحار سنة 1982 فترسيم الحدود البحرية لا شأن له بالجزر التابعة للدولة، ولا يخصم أو يضيف إلى إقليمها، بل هو تقسيم لحدود المياه وليس لحدود الإقليم، والجزر تضيف من مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة، ولا تفصلها عن الدولة الساحلية، ولذلك فالقضية في حقيقتها وأغراضها ومحلها القانوني هو تنازل عن جزء من الإقليم، وليست لترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، ولو كان الأمر ترسيمًا للحدود البحرية لشمل ذلك كل مياه البحر الأحمر التي تشاطئ الدولتين على طول امتداده بينهما؛ وعليه تغدو الاتفاقية باطلة، وفقًا للأحكام الآمرة للقانون الدولي، كما يظهر ذلك سوء نوايا الدولتين الموقعتين عليها بإظهارها في مسمى تحديد حدود بحرية الذي ساد في ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي ابتدعتها اتفاقية قانون البحار سنة 1982.
ومن أبرز الدفوع الأخرى -بحسب مذكرة الطعن- العيب الجسيم بالالتفات عن الحكم بعدم اختصاص القضاء المستعجل، والخطأ الجسيم بالالتفات عن الطابع المؤقت لهذه الوثيقة التي أسمتها اتفاقية قانون البحار 1982 بترتيبات مؤقتة، والعيب الجسيم في التغاضي عن بطلان تنازل السلطة التنفيذية عن أي جزء من إقليم الدولة دستوريًّا، وهو ما لا تملكه السلطتان التنفيذية والتشريعية، بل يملكه الشعب، ويجب أن يستفتى فيه، وفقًا لقواعد آمرة في القانون الدولي، كما أن المعاهدات في القانون الدولي غير محصنة ضد البطلان، وتقدم اتفاقية فيينا أسباب البطلان، ومنها: ضرورة اتفاقها مع مبادئ القانون الدولي المقررة في ميثاق الأمم المتحدة، مثل: الحقوق المتساوية، والوحدة الإقليمية، وتقرير الشعوب لمصائرها، والمساواة في السيادة واستقلال جميع الدول، كما يجوز للدولة الاحتجاج بالغلط في المعاهدة كسبب لإبطال رضاها بالالتزام بها، إذا تعلق الغلط بواقعة أو حالة اعتقدت هذه الدولة بوجودها عند عقد المعاهدة وكانت سببًا أساسيًّا في رضاها بالالتزام بها، ويجوز للدولة التي عقدت المعاهدة بسلوك تدليسى لدولة متفاوضة أخرى أن تحتج بالتدليس كسبب لإبطال رضاها بالالتزام بالمعاهدة، فضلًا عن العيب الجسيم في أن الحكم يعطي المحكمة الدستورية سلطة أعلى من المحاكم العليا الأخرى، وهي محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، فتحكم بعدم جواز عدم الاعتداد بحكم بات من محكمة عليا أخرى بالمخالفة لأحكام السلطة القضائية الواردة في الدستور بقيام ثلاث محاكم عليا هي: النقض والإدارية العليا والدستورية العليا، ولا يجوز لأي منها المساس بحكم نهائي بات من محكمة منها، والخطأ الجسيم في الخلط بين اختصاصات وسلطات رئيس الدولة الواردة في الدستور، والعيب الجسيم في الخطأ في تأويل وتعيين أعمال السيادة في مصر.

معركة مجلس الدولة!

بالتزامن مع طعن السفير إبراهيم يسري، كانت المعركة القانونية تبدأ فصلًا جديدًا في مقر مجلس الدولة، وفيه قررت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، برئاسة المستشار بخيت إسماعيل الثلاثاء 22 مايو الجاري تأجيل 11 دعوى مقامة من المحامين، تطالب بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بإحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية بشأن تيران وصنافير إلى البرلمان للتصويت عليها، لجلسة 8 سبتمبر المقبل، وكان من بين المحامين المرشح الرئاسي السابق والمحامي خالد علي، والذي أكد في دعواه أن الدستور منع السلطة التنفيذية من التوقيع على معاهدات يترتب عليها النزول عن جزء من إقليم الدولة، حتى لا تقدم على هذا العمل تحت ضغوط أو ملاءمات سياسية، ذلك أن إقليم الدولة ليس ملكًا لها وإنما تلتزم فقط بحمايته وعدم التفريط فيه، كما منع مجلس النواب من الموافقة على أية اتفاقية من هذا النوع، لأن أعضاء البرلمان ينوبون عن الشعب، والشعب ممنوع بدوره من التنازل عن أرضه، وليس للنائب سلطة تزيد على سلطة الأصيل، ولم يجعل الدستور للشعب ممثلًا في هيئة الناخبين سلطة الموافقة على التخلي عن أي جزء من إقليم الدولة في استفتاء عام، لأن الدستور أوصد جميع الأبواب التي يمكن أن تؤدي إلى التنازل عن جزء من إقليم الدولة، وكل عمل حظره الدستور لا يجوز لسلطة أو لأحد أن يجيزه.
وأشار إلى أن الحكومة بادرت بهذا المسلك بعدما أوصى تقرير هيئة المفوضين برفض طعنها وتأييد حكم بطلان الاتفاقية، وذلك لمحاولة خلق نزاع وصدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لستر جريمتهم الفاضحة بالتنازل عن أرض مصرية، متجاهلين أن هذا القرار الطعين مخالف للدستور خاصة أن حكم القضاء الإداري لم يبطل الاتفاقية لتوقيعها من رئيس الوزراء، ولكنه أبطلها لكون الأرض مصرية، ولا يجوز لرئيس الجمهورية ولا رئيس مجلس الوزراء بكل حكومته، ولا رئيس مجلس النواب بكل أعضائه ولا حتى الاستفتاء الشعبي، التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، مؤكدًا أن القرار يهدر حجية أحكام القضاء الإداري، لأن الحماية القضائية للحقوق والحريات التي تكشف عنها أحكام القضاء تبقى عديمة الجدوى إذا لم توضع تلك الأحكام موضع التنفيذ لجريان آثارها في مواجهة الكافة، بلوغًا للغاية المبتغاة منها وصونًا للحقوق والحريات، وضمانًا للعدل والسلام الاجتماعي، وإعلاءً لسيادة القانون، واحترامًا للدستور.