العدسة – معتز أشرف:

جدل مبكر حول الولاية الخامسة للرئيس الجزائري المريض بعد تقديم أمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد، طلبًا لوزير الداخلية ليسلمه للرئيس للتقدم للولاية الخامسة، فيما ترفض المعارضة ذلك وتعلن استعدادها لمواجهته.. نسلط الضوء علي الأزمة السياسية والانتخابية ونضال المعارضة لمواجهة الإجراء المحتمل.

حملة منظمة!

في شبه حملة منظمة، أكد رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، أن ظهور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مؤخرًا أثبت أنه “ليس دمية مخفية”، موضحًا أنه سيكون سعيدًا لو استمر بوتفليقة في الحكم، وقال أويحيى في المؤتمر الصحفي الذي عُقِد لتقديم حصيلة ما حققه بوتفليقة في 2017: “إذا لم يظهر الرئيس الكل يسأل عنه وإذا ظهر تفسرون ذلك بأنه توديع أو طلب للولاية الخامسة.. ما يهمنا هو أن الشعب شاهد الرئيس وفرح به، وهذا يكذب من كان يقول إنّ الرئيس “دمية” أخفيناها، حتى قالوا إنّ الصور التي ظهر فيها مع زوار أجانب مفبركة، والرئيس بوتفليقة لا يتمتع بالصحية التي كان عليها في 2008 عندما غير الدستور حتى يتمكن من الترشح لولاية ثالثة، لكن الشعب الجزائري فرح برئيسه وما حققه له خلال ما يقارب 20 سنة”.

جاء ذلك بعد أن طالب “حزب جبهة التحرير الوطني” الذي يملك الأغلبية في البرلمان الجزائري، يوم السبت، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالترشح لولاية رئاسية خامسة، وتأكيد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، أنهم يساندون استمرارية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الرئاسة لعهدة خامسة، قائلًا خلال الاجتماع بالهيئة التنسيقية للحزب: “نطالب بالاستمرارية في مهمة الرئيس مثلما بدأها عام 1999، الكلمة الأخيرة له”، مضيفًا: “نحن في حزب جبهة التحرير الوطني بصفتي كأمين عام، أتحمل مسؤوليتي، وسأكون الناطق باسم كل المناضلين والمواطنين الذين عبروا عن رغبتهم وآمالهم لكي يواصل الرئيس مهمته مع الحزب العتيد، العمود الفقري للدولة وحزب جبهة التحرير لن يقبل بأي مرشح آخر غير الرئيس بوتفليقة، للاستحقاق الرئاسي المقبل، الذي يقام في الجزائر، بشهر مايو 2019” فيما  كشف أنّ اللجنة المركزية للحزب ستجتمع قبل شهر رمضان، من أجل صياغة بيان مطالبة الرئيس بوتفليقة بالترشح لولاية خامسة.

وفؤجي المراقبون بركوب اتحادالعمال الجزائريين قطار الولاية الخامسة مبكرًا، مؤكدًا ثقته بقدرة بوتفليقة على مواصلة عملية البناء والتشييد، وسلّم أمين الاتحاد مذكرة رسمية لوزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، خلال إشرافه على احتفالات عيد الشغل العالمي بذلك، وخلّفت دعوة اتحاد الشغل بترشيح بوتفليقة لولاية خامسة “رغم معاناته مع المرض” رفضا عارما علي منتديات التواصل الاجتماعي والاوساط المعارضة.

وفي خطاب قرأه نيابة عنه وزير الداخلية نور الدين بدوي، أثناء احتفالات عيد الشغل العالمي انتقد الرئيس الجزائري بوتفليقة عاصفة الانتقادات التي تطال 19 عامًا من تربعه على عرش الحكم، فيما تجاهل الأصوات التي تطالبه بالتنحّي جرّاء تدهور الوضع الاقتصادي، والاحتقان الشعبي، والحركات الاحتجاجية والمطلبية التي لم تشهدها الجزائر خلال السنوات الأولى لحكمه.

وكانت تصريحات فاروق قسنطيني، الرئيس السابق للجنة الاستشارية لحقوق الإنسان في الجزائر، التي أدلى بها في أواخر عام 2017  حول رغبة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الترشح لفترة خامسة أشعلت جدلًا في الأوساط السياسية في البلاد نفتها الرئاسة وحزبها إلا أنَّ العام الحالي شهد تحقيق كل فصولها التي ذكرها الرجل بوضوح، بالتزامن مع اجتماعي تشاوري مع الأحزاب هو الأول من نوعه من لجنة الانتخابات في الجزائر.

أسباب الترشح

3 أسباب ظهرت في حملات الرفض المعارضة وراء إصرار الرئيس المريض على ولاية جديدة، وهي حماية الفساد واستمرار مكاسب مراكز القوي أو العلبة السوداء كما يطلقون عليها في الجزائر، والخوف من انفلات الأمور في الجزائر جراء الغضب المتصاعد في ظل وجود فارغ في القيادة في حين تقدم بديل، وهو ما يؤكده جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد (معارض) حيث يشدد علي  أنَّ الرئيس ومن حوله ليس لديهم أية نية لمغادرة الحكم، ولا يريدون ترك الجزائر تدخل مرحلة دولة القانون، وأن النظام أغلق على نفسه ضمن خيار واحد، وذلك بسبب سياسة تصحير الساحة السياسية التي حرص عليها بوتفليقة، إلى درجة عدم وجود أي شخص يحقق الإجماع، حيث اختار النظام الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام من خلال التشبث بالسلطة حماية للمصالح والمكاسب.

ووفق الأوضاع الحالية فإنّ هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة، بحسب مراقبين ستحسم في النصف الثاني من العام الجاري حين تبدأ إجراءات السباق الرئاسي، والسيناريو الأول يختصر بترشّح الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، إلى ولاية خامسة كما بدأت الحملة الحالية، وفي السيناريو الثاني، قد يحسم الجيش المسألة ويختار خليفةً لبوتفليقة، في حال قرر الأخير عدم الترشح إلى ولاية خامسة أو في حال لم تسنح له حالته الصحية بذلك، وهو سيناريو غير راجح لدى البعض، لكن هناك سيناريو جاء في إشاعات انتشرت في آخر مدة تقول: إن بوتفليقة قد يسلّم الحكم إلى شقيقه ومستشاره، سعيد بوتفليقة، الذي يقول البعض إنه ممسك بزمام الأمور في البلاد حاليًا.

وبحسب صحيفة دي دويتشه فيله تواجه الجزائر بالتوازي مع حملات الولاية الخامسة ” وضعًا أمنيًا صعبًا في محيطها المباشر يشمل هشاشة الأوضاع في مالي والنيجر وليبيا وتونس، إضافة إلى التوتر المزمن للعلاقات مع الجار الغربي المغرب بسبب قضية الصحراء، كما أنّ الدول الأوروبية تخشى من تدفق غير مسبوق للاجئين في حال تطورت الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه. لذلك، وعكس سيناريوهات المؤامرة التي يُروج لها أقطاب النظام فلا أحد من مصلحته انهيار الجزائر”.

للمعارضة كلمة

من جانبه اعتبر رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، حملة اتحاد العمال “خروجًا عن السياق الذي جاءت فيه ذكرى عيد الشغل، والجزائر تعيش وضعًا متأزّمًا”، مندّدًا بــ”استمرار تجاهل نظام بوتفليقة لمطالب الجبهة الشعبية والسياسية، وأبرزها ضرورة التغيير والتنحّي”، مؤكدًا أن “أحزاب السلطة والتنظيمات الموالية لم يعد لها ما تواجه به الشارع المتضرّر من فشل السياسات الحكومية خلال عقدين، سوى قرع طبول الانتخابات، حتى يُقال لنا إنّنا هنا”.

كما هاجم رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس اصرار بوتفليقة علي الحكم وتمهيد أنصاره للولاية الخامسة، وقال في كلمته الافتتاحية لمؤتمر الشباب “التقدمي”: “في الأسابيع الأخيرة، كانت الموضة في تمجيد حصيلة بوتفليقة، وإن حصيلة العشرين سنة من الحكم الاستبدادي في نظر الجزائريين والجزائريات، لا تحتاج إلى تعريف أو إشهار. فهم يعيشونها يوميًا، لعل حالة الهلع التي استبدت بالوزير الأول لرابع مرة أمام دولة عاجزة على دفع أجور موظفيها دون اللجوء إلى طباعة الأوراق النقدية، وهي في الواقع أوراق مزيفة لأنّ ليس لديها أي مقابل في الإنتاج، خير شاهد على هذه الحصيلة، وإن الجزائر بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى رئيس، رئيس يحدد المسار ويفتح آفاق، وليس إلى رئيس يُعرض من فترة إلى أخرى لتضليل الرأي العام بشأن صحته، رئيس يوجّه حكومته لتنفيذ الإصلاحات الكبرى في مختلف المجالات”.

ولمح عبد الرزاق مقري، رئيس حزب «مجتمع السلم» المحسوبة علي جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر إلى الاضطرابات التي قد تواكب الولاية الخامسة رغم حرصه دائمًا علي استخدام مصطلح المعارضة الوطنية الراشدة، مؤكدًا أن التوافق هو الوسيلة الوحيدة القادرة على إخراج البلاد من الأزمة، لأنَّ لا أحد في الفترة المقبلة، بما في ذلك النظام السياسي، بإمكانه تسيير البلاد بأمان، ولابدّ من «ميثاق سياسي مشترك»، يظهر أنه يعرض على السلطة والمعارضة تنظيم انتخابات خالية من التشنج، فالجزائر في غنى عن مزيدٍ من الاضطرابات، فيما دعا مقري، إلى بدء مشاورات مع أحزاب المعارضة بهدف توحيد صفوفها، لمواجهة «الولاية الخامسة»، وبحسب المراقبين توجّه مقري بمبادرته إلى أحزاب أخرى، بعيدة عن «مجتمع السلم» آيديولوجيًا، ولكن تلتقي معها بخصوص «النضال ضد الولاية الخامسة».

وفي السياق ذاته طالبت ثلاث شخصيات جزائرية بارزة في وقت سابق بعدم ترشح بوتفليقة، لولاية خامسة، ووقع البيان كل من أحمد طالب الإبراهيمي وزير سابق ومرشح للانتخابات الرئاسية في 1999، قبل أن ينسحب منها ويفوز بها بوتفليقة، والمحامي علي يحيى عبد النور (96 سنة) الذي يعتبر أقدم مناضل حقوقي بالجزائر، ووزير سابق والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس قائد القوات البحرية سابقا، ودعت هذه الشخصيات المعروفة بمعارضتها للرئيس بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم قبل 18 سنة، إلى “طرح خلافاتنا الثقافية واللغوية والسياسية جانبًا لنحتج معًا بأعلى صوت: كفى”، فيما طالبوا المؤسسة العسكرية “أن تنأى بنفسها بوضوح لا يقبل الشكّ عن المجموعة التي استولت على السلطة بغير حقّ، وتريد التمسك بها بإيهام الرأي العام بأنها تحظى بدعم المؤسسة العسكرية”.