ربى الطاهر
في ظل تردِّي أوضاعهن الاقتصادية والمعيشية تلجأ النساء المغربيات للعمل في جني الفراولة في مزارع إسبانيا.
فمن المعروف أن زراعة وجني الفراولة هي أحد أهم الأنشطة الزراعية هناك، وتحديدًا في إقليم ويلفا، وقد وصل هذا العام إليه 11 ألف سيدة مغربية من ضمن العمالة الموسمية الوافدة للعمل في هذا المجال.
ويعتمد كبار المنتجين هناك علي تلك العمالة الرخيصة من دول مثل المغرب والرومان وإفريقيا؛ حيث لا يتجاوز أجر العاملة في اليوم 37 يورو تتقاضاها مقابل العمل لمدة لا تقل عن 8 ساعات يوميًا.
وقد وجد المنتجون في تلك العمالة الرخيصة ضالتهم، وخصوصًا أن جني الفراولة ليست من الأعمال المفضلة أو المرغوبة بالنسبة للعمالة الإسبانية.
شروط العمل
ومع بداية الموسم يتوافد الآلاف من العاملات المغربيات من مدن ومحافظات مغربية مثل المغرب ومراكش ووجدة وأغادير ومكانس وبلقصيري على مراكز مغربية متخصصة؛ حيث يخضعن لفحوصات دقيقة للتأكد من انطباق شروط العمل عليهن، حيث يشترط أن تكون السيدة صاحبة خبرة سابقة في العمل في جني الفراولة، وأن تتمتع بصحة جيدة ولياقة بدنية تمكنها من تحمُّل ظروف هذا العمل الشاق، ويشترط أن تكون متزوجة ولديها أبناء يقيمون في المغرب؛ لضمان عودتها لبلادها بعد انتهاء الموسم ومدة العقد، فلا يتسللن ويتهربن للإقامة والبقاء في إسبانيا،
وتفترض العقود أن يكون العمل لمدة من 3 إلى 4 أشهر متصلة.
مخاطر ومشكلات
ورغم الأجر الزهيد إلا أنَّ المغربيات الفقيرات- وخصوصًا العائلات- يحرصن على المشاركة في موسم جني الفراولة ويتركن أطفالهن ويسافرن في ظروف صعبة، ويبدأن في تحويل رواتبهن إلى أسرهن في المغرب، ومع انتهاء الموسم تشتري بعضهن بعض السلع الإسبانية المطلوبة ويَبِعْنها للمحلات وللأسر المغربية، في محاولة منهن لتحسين أوضاعهن المادية والأسرية المتردية.
ورغم الراتب الضئيل والأجر الزهيد إلا أنَّ عمل المغربيات في جني الفراولة يعرضهن لمخاطر كثيرة؛ منها ما يتعلق بقسوة ظروف العمل والذي يبدأ في الساعات الأولى من الصباح ويستمر 8 ساعات في ظل ارتفاع درجة الحرارة، ومنها كذلك عدم توافر الحياة الكريمة، وقبل ذلك كله تعرضهن للانتهاك والاستغلال الجنسي.
استعباد جنسي
وقد عبرت الكثير من الجمعيات النسائية والحقوقية المغربية عن قلقهن إزاء ما يتعرض له السيدات المغربيات العاملات في حقول الفراولة من مشاكل وصعوبات مختلفة، تصل أحيانًا إلى الاستعباد الجنسي واشتراط أصحاب المزارع على السيدات ممارسة الجنس معهن، كشرط من شروط الحصول علي حقوقهن، واستمرار عملهن إلى جانب وقوع الكثيرات كفريسة في يد بعض العصابات التي تحوِّلهن لعاملات جنس من أجل الحصول على مال أكثر وإقامة دائمة في إسبانيا.
وخاصة أنَّ 80 % من سيدات حقول الفراولة من الأميات مما يعرضهن لكل صور الاستغلال من تحرش واغتصاب وعنف، إلى جانب غياب الرعاية الصحية وعدم قدرتهن على التواصل مع المنتجين لعدم وجود مترجمين.
إلى جانب مشكلات السكن الجماعي الذي يوفّره المنتجون في شكل بيوت خشبية بالقرب من مزارع وحقول الفراولة توفيرًا للتكاليف، حيث يتكون كل بيت من ثلاث أو أربع غرف في كل غرفة تسكن أربع عاملات إلى جانب غرف مخصصة للأزواج.
ونتيجة لحرص بعض العاملات على توفير المال ولرغبتهن في توفير مقابل السكن الذي يصل إلى 100 يورو شهريًا أو لعدم توافر وثائق الإقامة لديهن تضطر بعض المغربيات للسكن في أكواخ بلاستيكية تفتقد لشروط الحياة الكريمة.
تحقيق في الواقعة
وجدير بالذكر أن المدعي العام الإسباني قد أمر بفتح تحقيق في واقعة تعرض سيدات مغربيات للانتهاك والاستغلال الجنسي على يد مشغِّليهم في حقول الفراولة، وكانت صحيفة ” الإسبانيول” قد فجرت تلك القضية وقدمت أدلة مصورة ومسجلة حول ما أسمته بالاستعباد الجنسي للمغربيات، وقد أكدت مجموعة من العاملات بالفعل تعرضهن للاستغلال الجنسي من قبل أصحاب العمل كشرط لاستمرارهن فيه.
وقد أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي أن الحكومة المغربية تتابع سير التحقيقات في القضية، وأنها لا يمكن أن تسمح بأي شيء يمسّ كرامة المغربيات.
وأكد الخلفي أن البرلمان المغربي قد دعا لفتح تحقيق في هذه القضية، كما طالب وزير الشغل والإدماج المهني محمد يتيم الحكومة بإيفاد بعثة لاستطلاع أحوال وظروف عمل 17 ألف عاملة مغربية في جني الفراولة بالحقول الإسبانية.
اضف تعليقا