كتبه– موسى العتيبي
حزن وأسى وغضب، عم شبكات ومواقع التواصل الاجتماعية بالمغرب، عقب حادثة مقتل 15 امرأة مغربية وإصابة نحو 50 آخرين، خلال احتشادهم حول سيارة توزع معونات غذائية على الفقراء والمحتاجين، تتبع إحدى الجمعيات الخيرية، بمنطقة “سيدي بولعلام” التابعة لإقليم الصويرة، وسط المغرب.
الضحايا دهسن تحت الأقدام، حيث إن أغلبهن من كبار السن، الذين لا طاقة لهن على مزاحمة نحو ألف امرأة تجمعن للحصول على المعونات الغذائية المشتملة على القليل من الزيت والدقيق والسكر والعدس.
الحادثة فتحت الباب لنقاش الواسع حول الأوضاع الاقتصادية في المغرب، وانتشار الفقر والبطالة في مناطق جغرافية واسعة بالمغرب، والتباين الشديد في الأوضاع المعيشية بين الحضر والريف، والتناقض الشديد بين الترف الذي يحاول ملك المغرب أن يقدم نفسه به دائما، وبين وضع المواطن شديد الصعوبة في البلاد.
أمير المؤمنين الـ “استيال”
ربما التناقض الأول الذي يطالعك عند الحديث عن المغرب، هي التركيبة الشخصية الغريبة لـ”الملك المغربي محمد السادس”، حيث إن الرجل يجمع بين تناقضات عدة تثير الجدل وتجعله دائما محل استغراب من قبل الكثيرين.
فمن ناحية يصر ملك المغرب، على تسمية نفسه بأمير المؤمنين، ويقدم نفسه في كثير من الأوقات كخليفة للمسلمين يحكم بكتاب الله، ويحرص على فرض نوع قدسية معين حوله وحول أسرته المالكة، خصوصا في المناسبات الرسمية بالمغرب.
من الناحية الأخرى يحرص الملك المغربي “محمد السادس” على تقديم نفسه للغرب، كشخصية “استايل” وشاب موردن، كما يصفه البعض، حيث يحرص على ارتداء الجينز، وسلسلة العنق، ويتجول في شوارع أوربا بالشورت القصير، وهكذا.
وما بين هذه الصور المتناقضة تكمن المفارقة: صور ملك عصري بالجينز ونظارات شمسية يتحرك بحرية في الشارع العام مثل عامة الناس، وصورة ملك خارج من كتب تاريخ العصور الوسطى، بلباس تقليدي يحفه العبيد والخدم من كل حدب وصوب، ويركع أمامه منتخبو وأعيان الأمة، تلك هي إحدى مفارقات الملك الذي يريد أن يعيش داخل عصره في جلباب وبطقوس تعود إلى عصور غابرة.
ويُعَرَّف الملك في الدستور الملكي المغربي بأنه أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين، والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.
ووفقا لمراقبين فإن صورة التناقض الكبير الذي يبدو عليه دائما الملك المغربي، يجسد طبيعة التناقض في النظام المغربي وينعكس هذا التناقض على سياسياته الداخلية والخارجية.
فعلى مستوى السياسية الخارجية والتي تعد من الصلاحيات الرئيسية للملك، يرتبط الملك المغربي بعلاقات قوية مع أنظمة الحكم في الخليج، وفي مقدمتهم السعودية، كما يحرص في الوقت ذاته على إقامة علاقة قوية مع قطر، التي تشهد حصارا خليجيا تقوده السعودية.
أيضا علاقة المغرب بإسرائيل يشوبها التناقض الكبير، حيث إن العلاقات الدبلوماسية الرسمية مقطوعة بين المغرب وإسرائيل، ومع ذلك فإن التعاون الأمني والاستخباراتي بين الجانبين لم يتوقف، بحسب تقارير إسرائيلية متعددة، حيث تؤكد التقارير أن إسرائيل باعت للمغرب معدات عسكرية تضمنت منظومات حرب إلكترونية واتصالات ومراكز تحكم، لافتةً إلى أن هذا الأمر يحدث بصورة مستمرة، كما تشير إلى تعاون اقتصادي كبير بين البلدين.
محمد السادس
حكومة الإسلاميين في المغرب
تناقض آخر تتميز به المغرب عن باقي بلدان الدول العربية، يتعلق بتشكيل الحكومة، حيث إنه ومنذ قرار ملك المغرب التنازل عن بعض سلطاته لصالح مجلس الوزراء بموجب إصلاحات دستورية، أنقذ بها الملك المغربي نفسه من مواجهة ثورات الربيع العربي، التي اندلعت في الجارة تونس عام 2011، وانتقلت لبلدان عربية أخرى كمصر وليبيا وسوريا واليمن، وتسيطر حكومة تابعة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي (إخوان مسلمون) على الحكومة المغربية.
وأجريت أول انتخابات برلمانية في المغرب عام 2011، تمكن على إثرها حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى رأس الحكومة في يناير 2012، عبر ائتلاف حكومي برئاسة “عبد الإله بنكيران” والتي أعيد تشكيلها مرة أخرى في أكتوبر 2013، بعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي مع بقاء حزب العدالة والتنمية وبنكيران.
ثم نجح الحزب نفسه عام 2017، من تشكيل حكومة ثالثة برئاسة سعد الدين العثماني، وتتألف من ستة أحزاب بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2016.
نجاح حكومة الإسلاميين في المغرب، وسماح “الملك المغربي” لهم بتولي تلك المسؤولية، يعد أمرًا تتميز به المغرب عن باقي البلدان العربية، حيث إن الموجه السائدة في العالم العربي خلال الأعوام الثلاثة الماضية، هي شن حرب ضروس على تيارات الإسلام السياسي.
بينما استطاعت المغرب خلق توليفة من التناغم بين الملك والتيار الإسلامي، استفاد كل منهما من الآخر، حيث نجا المغرب من مغبة وخطورة الربيع العربي، وتمكن الإسلاميون من الوصول للسلطة، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد.
وتشير لغة الأرقام إلى نجاح حكومة العدالة والتنمية في تحقيق إصلاحات اقتصادية بالمغرب، على مستوى تخفيض عجز الموازنة، وزيادة الإنتاج المحلي، وتراجع مستوى الفقر وغير ذلك، إلا أن التحديات التي لازالت تواجه المغرب كبيرة ومتعددة.
العدالة والتنمية
الفقر بين الريف والحضر
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة المغربية للتقليص من حدّة الفقر والفوارق الاجتماعية بين المواطنين، إلا أنّ الإحصائيات الصادرة عن المؤسسات الدولية وحتى الوطنية ذات الصبغة الرسمية، لا زالت ترسم خريطة صادمة للفقر في المملكة، والتناقض الكبير بين الريف والحضر.
ووثّقت المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة مغربية رسمية تعنى بدراسة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، في آخر إحصائياتها وجود معدلات مرتفعة للفقر في صفوف المواطنين، إذ لا زال حوالي 14.2 % من المغاربة فقراء، يعيش 4.2 منهم تحت خط الفقر.
فيما تأتي المناطق القروية في المقدمة من حيت ارتفاع نسبة الفقر، والتي بلغت 22%، وقرابة 8 % في المناطق الحضرية.
كما تشير الإحصائيات الأخيرة لمنظمة “فاو” للأغذية والزراعة إلى أن نسبة المغاربة الذين يتقاضون أقل من دولار واحد في اليوم تصل إلى 1.8 % من مجموع السكان البالغ عددهم 34 مليون نسمة.
فيما تصل نسبة الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم إلى 11 في %، أي أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن.
اضف تعليقا