العدسة – معتز أشرف

في خطوة مبدعة تقدمت المقاومة السلمية المشهد الفلسطيني في ظل أوضاع دولية صعبة، وتصدرت مسيرات العودة بالعلم الفلسطيني الموحد والسلمية المبدعة مع غياب الأعلام الخاصة بالحركات والأحزاب- مشهدا جديدا ترسمه العقول الفلسطينية الخلاقة، وفيما نسمع تحليلات تتحدث عن جدوى المقاومة السلمية في الأراض المحتلة في ظل سقوط شهداء جدد، نرى البعض يتحدث عن إيجابيات للمسار الجديد في مواجهة غدر بني صهيون، وهو ما نرصده.

 قلق صهيوني

في الأيام السابقة للمسيرات وعلى خلاف العادة، لم تحمل الطائرات الإسرائيلية لقطاع غزة الصواريخ والقذائف فقط، بل أرفقتها بمنشورات تحذر من المشاركة في المسيرة المرتقبة، وانطلاقًا من “الخوف من انفجار”، و”هاجس التفوق”، سارعت إسرائيل لاتخاذ إجراءات “وقائية” سياسية عبر اتصالات سرية مع الأردن ومصر والفلسطينيين بهدف “منع التصعيد في مسيرة العودة”، واتخذت تدابير عسكرية، من جملتها وضع عشرات القناصين على حدود القطاع، بمن فيهم قناصون من الوحدات الخاصة، وأكد ضباط كبار أنه “سيتم تعزيز المنطقة بعدة كتائب من الجيش، بالإضافة للشرطة ولحرس الحدود، وسيتم استخدام كافة الوسائل المطلوبة”، بحسب صحيفة إسرائيل هيوم.

منظمو مسيرة العودة الكبرى، أنشأوا لجنة خاصة للتدريب على أساليب المقاومة السلمية، ودورها الأساسي تعريف الناس بمفهوم المقاومة السلمية اللاعنفية، مؤكدين أن الإصرار على سلمية الاعتصام يحرج الإسرائيلي الذي اعتاد أن يحل مشاكله بالعنف، ويقلص خياراته، وقالت منسقة لجنة التدريب على المقاومة السلمية في اللجنة التنسيقية الدولية لمسيرة العودة الكبرى، في تصريحات صحفية : “اخترنا أسلوب المقاومة السلمية الشعبية؛ لأنه نموذج المقاومة المناسب في هذه المرحلة، بالنظر إلى كافة المعطيات الداخلية والخارجية المحيطة بالقضية الفلسطينية”، وتستطرد بالقول إن “تفاعل السيدات والفتيات والشباب مع الموضوع عال جداً ومبشر، فيما قال الصحفي الإسرائيلي أليكس فيشمان في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في 8 مارس، إن “المشاركة الواسعة لكافة أطياف الشعب الفلسطيني خاصة من نسوة وأطفال، هي إحدى مشاكل الجيش الإسرائيلي الأساسية”، مضيفاً أن “كل محاولة لكبح السائرين في المسيرات بالقوة ستُلحق ضرراً قاسياً بصورة إسرائيل”. كاشفاً عن خوف الجيش الإسرائيلي أن “يتدهور الصراع في منطقة السياج الفاصل إلى مواجهة مسلحة”، فيما ربط مراقبون حالة القلق الإسرائيلية بالتخوف من نجاح تلك المسيرات، والتي قد يدفعها ذلك إلى حالة من التطور والتصاعد، للخروج بعمل أكبر وأكثر إبداعية في 15 مايو المقبل، بالتزامن مع القرار الأمريكي بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس.

السلمية مستمرة!

وعقب الفعاليات التي انطلقت الجمعة وتستمرّ فعالياتها المختلفة والمتدرّجة حتى منتصف مايو المقبل أكدت اللجان الشعبية ضرورة الحفاظ على سلمية مسيرة العودة الكبرى لضمان استمراريتها، موضحة أن المقاومة بكافة أشكالها حق مشروع لشعبنا حتى دحر الاحتلال، وأن مسيرة العودة الكبرى ليست ليوم واحد، وإنما هي عبارة عن فعاليات شعبية مستمرة تعتمد أسلوب اللاعنف لتحييد الآلة العسكرية الإسرائيلية وإخراسها، فيما دعا أمين عام اللجان عزمي الشيوخي إلى ضرورة توسيع نطاق الفعاليات والمقاومة الشعبية السلمية والحفاظ على استمراريتها وسلميتها وإلى عدم إعطاء الاحتلال أي مبررات لقمعها أو إيقاع أي إصابات بين صفوف المشاركين، مشيرًا الي أن هذه الفعاليات الشعبية السلمية لمسيرة العودة الكبرى تحتاج إلى مزيدٍ من الوحدة الميدانية والتلاحم الوطني والاستمرارية ومزيدٍ من الالتزام والانضباط للمشاركين.

وبحسب خبراء فإن مسيرة العودة الكبرى، اندفاع سلمي واستراتيجي لنيل الحقوق الفلسطينية، في مواجهة الاحتلال “الإسرائيلي” الهش، مشددين على أن مسيرة العودة ستفتح أفقًا واعدًا في “الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي”، مشددين كذلك على ضرورة بقائها في الاندفاع السلمي، وقال الخبير العسكري اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي: “إذا تناغم هذا الأداء النضالي في المناورة والاندفاع السلمي نحو الأرض المحتلة فسيكون أهالي قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية أحرزوا أكثر من نصف الطريق، لفتح أفق، ولإنعاش المعنويات الفلسطينية المنهارة”، فيما أوضح أن فكرة مسيرة العودة الكبرى، تقوم على نهج حروب الجيل الرابع، بأن الكثافة الجماهيرية تغني عن السلاح، قائلاً: “في حال نجحت المسيرات، فإن الاحتلال سيكون غير قادر على استخدام سلاحه، فالاحتلال فكرته هشة، ولا يوجد أمامه إلا أن يرضخ لمطالب الشعب الفلسطيني، والاحتلال هش في كل العالم لكن يقوى من المواقف التي تمنع الحرية والتحرر والانعتاق من الاستعمار”.

ومن المقرر استمرار برنامجفعاليات مسيرة العودة الكبرى وفق خطوات متنوعة؛ حيث اعتبر يوم السبت يوماً للتضامن والتكافل والتعاضد مع عوائل الشهداء والجرحى، وستعلن الهيئة المنظمة للحراك برنامج الفعاليات مع كل مناسبة من المناسبات، وبحسب مسؤول الإعلام في الهيئة القيادية لمسيرة العودة، هاني الثوابتة، فإن الحشود والسيول البشرية التي حضرت، وستحضر في الفعاليات المتدرجة المقبلة قدّمت نموذجاً ضدّ الاحتلال ومشاريعه ورفض كل الصفقات، بما فيها صفقة القرن التي يحاول الآن تمريرها على الفلسطينيين لتصفية حقوقهم الوطنية”.

مكاسب عدة

وبحسب مراقبين للشأن الفلسطيني فإن فعاليات مسيرة العودة الكبرى حققت العديد من المكاسب؛ فهي شكلت وسيلة نضال جديدة ساعد على نضوجها عوامل عديدة أبرزها فشل مسار التسوية وقرارات الإدارة الأمريكية الجديدة، ووصول الوضع الفلسطيني لحالة من الإرباك، كما أعاد الفلسطينيون الزخم للفعل الشعبي السلمي الذي لا يوجد من يختلف عليه محلياً أو إقليميًا أو دولياً، وفرضت على الطاولة حق العودة والثوابت الفلسطينية التي كان هناك محاولات جدية لتصفيتها.

كما كان للمسيرة تداعيات على الوضع في غزة المحاصرة؛ حيث أكدت أن غزة قادرة على خلق مساحات جديدة للاشتباك مع الاحتلال بعيدا عن المعادلة الصفرية، بمعنى إما حرب أو تهدئة، كما حجمت قدرة الاحتلال على استخدام القوة العسكرية الهائلة التي يملكها؛ حيث تصبح محدودة كونه يواجه جماهير يتظاهرون بشكل سلمي واستخدام القوة بحقهم يسبب له حرجًا دوليًا كما جرى عقب المسيرة، فضلًا عن أن المشاركة الشعبية الواسعة تفقد الاحتلال قدرته على تصدير رواية أنه يدافع عن مواطنيه وتجعل من الصعب عليه القول إنّه يواجه مجموعات مسلحة تهدف إلى القضاء عليه مثل حماس، كما أظهرت أن غزة خرجت بكل أطيافها السياسية والشعبية؛ لأن الحرب ليست على طرف واحد، وإنما باتت تستهدف كل بيت في القطاع، ولأول مرة منذ سنوات يرتفع الصوت الشعبي، كما أعادت ترتيب الأوراق وفرضت نفسها على الأجندة الدولية والإقليمية والمحلية، وقد ظهر ذلك من خلال التداعي لعقد جلسة لمجلس الأمن إلى جانب الجلسة الطارئة للجامعة العربية، كما طرحت البديل العملي عن المقترحات السياسية والحلول التصفوية بما فيها حل الدولتين وتفرض على قيادة السلطة الفلسطينية بدائل شعبية للحلول السياسية التي فشلت سابقاً.

إجماع فلسطيني!

الإجماع الوطني الفلسطيني وجد متنفسه أخيرا مع مسيرات العودة؛ حيث أجمع رموز فلسطين على جدوي المقاومة السلمية في ظل الأوضاع الحالية، وبحسب زاهر بيراوي رئيس اللجنة التنسيقية الدولية لمسيرة العودة الكبرى فإن المسيرات أكدت للعالم أن الشعب الفلسطيني لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن لأي جهة في العالم اتخاذ القرار بدلا عنه، موضحا أن ما جرى نوع جديد من الحراك الشعبي المقاوم، وهي مرحلة جديدة من المقاومة.

وعن سقوط الشهداء في المسيرات السلمية، وكيف نظر لذلك العالم، أكد بيراوي أن ما حدث دق ناقوس الخطر وأيقظ من تغافل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وما حدث في مجلس الأمن ومناقشة الحراك رغم عدم صدور إجراء عنه إلا أن المستوى السياسي شهد تصريحات مهمة للساسة في العالم الغربي أدانت ما قام بها الاحتلال وطالب بالتحقيق فيها، فيما أكد نزيه أبو عون، القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن مسيرة العودة الكبرى أعادت الأمل للفلسطينيين، وصبت اتجاه البوصلة التي تاهت منذ زمن بعيد في متاهات التفاوض العبثي مع الاحتلال “الإسرائيلي”، كما أكد المتحدث باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، عاطف أبو سيف، أن مسيرة العودة تشكل انتصارًا لنهج الرئيس ورؤيته ورؤية حركة فتح حول المقاومة الشعبية والسلمية، وأن الالتفاف الشعبي والفصائلي حول مسيرة العودة تأكيد لصوابية الخيارات التي تتخذها القيادة وحركة فتح!.

كما هاتف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية الاثنين الأمين العام للجبهة الديموقراطية نايف حواتمة، وبحث معه العديد من القضايا والتطورات السياسية، خاصة اعتداء الاحتلال بحق المشاركين في مسيرة العودة وتداعياتها، ووجه القائدان التحية إلى جماهير شعبنا الفلسطيني التي لبّت نداء الأرض والعودة في تظاهرات ومسيرات واعتصامات تحت راية فلسطين، كما استنكرا السياسة الأمريكية التي تزداد انحيازا لسياسة الاحتلال الإسرائيلي الدموية.