العدسة- معتز أشرف
في ظل غياب المؤسسات، عدا مؤسسة الجيش المصري، في مواجهة الصعود الديكتاتوري لمؤسسة الرئاسة في مصر وطموح الديكتاتور عبد الفتاح السيسي الذي اقترب من ولاية ثانية في مصر في تمديد فترة الرئاسة بتعديل دستوري، بحسب الأحاديث الرائجة لدى المقربين منه، انفتح الباب على مصراعيه مجددًا للنيل من الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع المحصّن دستوريًا بالمادة 234 التي تعطيه الحق في الاستمرار بمنصبه دون عزل حتى نهاية 2022، خاصة في ظلّ الإشاعات والتسريبات التي تتحدث عن مواجهات محتملة أو مرغوبة بين السيسي وصبحي.
تسريبات المقربين!
في توقيت واحد وبعد ساعات من المؤشرات الأولية لنتيجة الانتخابات الرئاسية المعروفة، وفق مراقبين سلفًا، طالبت شخصيات مقربة من السيسي بمدّ فترة الحكم الرئاسي في مصر لأكثر من 8 سنوات، وذلك بإجراء تعديل في الدستور يضمن للرئيس الاستمرار في الحكم؛ فمن جانبه أكد الإعلامي عماد الدين أديب، ضرورة تعديل الدستور الحالي لمصر، بما يضمن لرئيس الجمهورية الاستمرار في المنصب، ضاربًا المثل بجمهورية الصين الشعبية التي عدّلت دستورها لتصبح مدة الرئيس مفتوحة «مدى الحياة»، كما أضاف خلال لقائه مع الإعلامي نشأت الديهي في برنامجه «بالورقة والقلم» المذاع عبر فضائية «TEN»: “هذا الدستور بالطريقة اللي صيغ بها غير صالح للتنفيذ قولًا واحدًا”، ليردّ الديهي بالموافقة على أن مدة 4 سنوات غير كافية للرئاسة، وأن مصر لا تتحمل انتخابات رئاسية كل 4 سنوات.
أما الدكتور مصطفى الفقي فقال: إن تحديد مدة الرئيس في الدستور بـ8 سنوات على فترتين رئاسيتين، قصيرة جدًا ويجب تعديلها وزيادتها، مضيفًا خلال لقاء له ببرنامج «يحدث في مصر» الذي يقدِّمه الإعلامي شريف عامر، ويذاع على فضائية «إم بي سي مصر»، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يسعى لإنقاذ الأحزاب وإعطائها مساحة من الحرية والتحرك، كما يهتم بالشباب والصحة والتعليم في فترة رئاسته الثانية، وهي أمور قد تحتاج إلى وقت أطول من 4 سنوات.
وحرص الفقي منذ العام الماضي ومطلع العام الحالي على الدعوة لتعديل الدستور ومد فترة الرئاسة، وزعم أن الفترة الرئاسية المقدرة بـ4 سنوات غير كافية لإنجاز أي شيء ويجب زيادتها،قائلًا: «لا تكفي حتى لخطة خمسية واحدة فنحن لسنا أمريكا».
وقدم النائب «إسماعيل نصر الدين» في أواخر عام 2017 طلبًا بحذف قصر إعادة انتخاب الرئيس لمرة واحدة فقط، على أن يكون الباب مفتوحًا للبقاء في سُدّة الحكم مدى الحياة، وقال «نصر الدين»: إنّ «مصر في حاجة ماسة لإجراء تعديلات دستورية جوهرية، خاصة أنّ الدستور تمّ وضعه في ظرف استثنائي بنوايا حسنة»، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية تستدعي تعديلات تتماشى مع المستجدات السياسية، على حد قوله.
نوايا السيسي!
فى 13 سبتمبر 2015، قال السيسى: «إن الدستور المصرى كتب بنوايا حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط»، ومنذ ذلك الوقت بحسب مراقبين بدأت الدعوات المتتالية لتعديل الدستور، منها من نواب البرلمان، وركزت على تعديل مدة الرئاسة، والسبب- بحسب النواب- أن الدستور وُضِع فى فترة عدم استقرار، والآن استقرّ الوضع وعلينا أن نجعل مدة الرئاسة 6 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
السيسى كان أوضح فى مقابلة أجراها مع شبكة «سى إن بى سى» الأمريكية، وقال: ليس هناك رئيس سوف يتولى السلطة دون إرادة الشعب المصرى، ولن يستطيع أيضًا أن يواصل لفترة أخرى دون إرادة هذا الشعب، وفى كلتا الحالتين فهى 8 سنوات، وأنا مع الالتزام بفترتين رئاسيتين، مدة الواحدة منهما 4 أعوام، ومع عدم تغيير هذا النظام، وأقول: «إن لدينا دستورًا جديدًا الآن، وأنا لستُ مع إجراء أى تعديل فى الدستور فى هذه الفترة»، مضيفا أنه سوف يحترم نص الدستور، الذى يسمح للرؤساء بشغل مناصبهم لفترتين فقط، مدة الواحدة منهما 4 سنوات، لكنه في ذات الوقت قال: “إن الدستور يمنح الحق للبرلمان وللرئيس فى أن يطلبا إجراء تعديلات، وأنا لا أتحدّث هنا عن فترات فى منصب الرئاسة، فهذه لن نتدخّل فيها، ولهذا لن يستطيع أى رئيس أن يظل فى السلطة أكثر من الوقت الذى يسمح به الدستور والقانون، والشعب هو الذى سوف يُقرر ذلك فى النهاية” وهو ما يفتح الحديث عن وجود رغبة لديه قد تعزّزها مناشدات المقربين التي انطلقت دون عودة، فيما يبدو.
موقف الفريق!
المادة 234 من الدستور الحالي منحت الحصانة لوزير الدفاع الحالي الفريق أول صدقي صبحي، ونصت على أن يكون تعيينه بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومنحته الحق في الاستمرار في منصبه لدورتين رئاسيتين كاملتين غير قابلة للعزل، ومن المفترض أن يكونا فترتي السيسي، وذلك على عكس دستور 2012.
الجيش موقفه بحسب التسريبات المتواترة والمحسوبين عليه يرفض تعديل الدستور ويراه خطًا أحمر، ونقل عن الفريق صدقي صبحي في أحد الندوات بالقوات المسلحة قوله: “إن الدستور خط أحمر والجيش لن يقبل بتعديله” فيما لم تنفِ بعدها الشئون المعنوية هذا القول رغم أنه رائج، وبالتوزاي مع ذلك فقد حذّر النائب أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب المقرب من الجيش من خطورة تعديل المادة الخاصة بمدد رئيس الجمهورية في الدستور المصري، في أعقاب ظهورها في 2016، مؤكدًا أن أي تغيير قد يحدث في هذه المادة غير مرغوب فيه.
وبحسب تحليل حديث للمعهد المصري للدراسات، فإنَّ السيسي تخلص من 28 قائدًا عسكريًا من داخل المؤسسة العسكرية وبقرار فقط، ولكنّه لن يطول صدقي صبحي الذي له الحق في إعطاء أوامر بتحريك القوات فهو ليس كباقي قيادات المجلس العسكري، فهو محصَّن بموجب الدستور، وفقًا للمادة 234، ولا يملك السيسي إقالته إلا بتغيير هذه المادة، لذلك رأى البعض أن من أكبر التحديات التي تواجه السيسي في التخلص من صدقي صبحي هو تحصينه في الدستور، وأنّ السيسي لو أراد أن يتخلص من صدقي صبحي قبل عام 2022م، يجب أن يقوم بتعديل الدستور، وهو أمر صعب، وأنه قد يلجأ إلى طرق أخرى للتخلص منه منها الاغتيال، وهو ما دفع المعهد في تحليله إلى أن يشكك في مسئولية السيسي وأجهزته الأمنية في ضرب طائرة الفريق أول صدقي صبحي في العريش مؤخرًا.
قد يفعلها!
والوضع هكذا، وفي ظل تجديد دعوات المقربين من السيسي، يطرح السؤال نفسه: هل يتصدى صبحي لأي تعديل في الدستور قد يمسّه أو يمس فترات الرئاسة أم أن الأمر سيمرر في إطار الشراكة بينه وبين السيسي التي دائمًا ما يحرص السيسي على تأكيدها في مقابلات معلنة؟!، ولكن قد تكون الإجابة بالرجوع إلى ما كشفه قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين عن تواصل جرى بين قيادات بارزة في الجماعة ووزير الدفاع المصري الفريق صدقي صبحي في العام 2014، متعلقة بمستقبل البلاد ومصير عبد الفتاح السيسي لكنها فشلت بعد تأخر ردّ الإخوان على الوسيط خاصة في ظلّ اتفاق المراقبين على أن ظهور السيسي بالزي العسكري لأول مرة منذ إعلانه ترشحه للرئاسة في مارس عام 2014، عزّز الاعتقاد بوجود خلافات عميقة بين الرجلين على خلفية الصراع بينهما على السيطرة على الجيش ومقدراته.
موقف صدقي يمكن قراءته في ضوء خطاب أبريل 2016 الشهير الذي وضعه متابعون حينها في إطار سعيه لإيجاد مسافة بين المؤسسة العسكرية والرئاسة، حيث قال خلال الندوة التثقيفية الثانية والعشرين التى نظمتها القوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ34 لتحرير سيناء: ” إننى أدعو المصريين جميعًا للالتقاء على كلمة سواء تعلي مصالح الوطن فوق المصالح الذاتية وفوق كل اعتبار لكى نمضى معًا بجهد مخلص وصادق نعلي مكانة مصر ونصُون عزتها ونحفظ كرامتها ونضحِي من أجلها بكل غالٍ ونفيس نباهى بها وطنًا أمنًا عريقًا مستقرًا يسعى شعبه إلى بناء المستقبل الأفضل للأبناء والأحفاد بإرادة حرة لا تعرف الإملاءات أو المغريات وتفرق بين الحق والباطل والغثّ والثمين، وتؤكد أن الشعب هو السيد والقائد والمعلم”، وهو ما ردّ عليه يوسف ندا المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة “الإخوان المسلمين”، بقوله بحسب وكالة “الأناضول”، بأنه “جاهز ومستعد لاستقبال من يريد الخير لمصر وشعبها، وقادر على ذلك إن شاء الله”، مذكرًا بالآية الكريمة “وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ”، وهو ما يفتح الباب بحسب مراقبين لتدخل يظلّ ضعيفًا من الفريق صدقي صبحي في وقت أن يستشعر الإطاحة في ظل العروض الإخوانية وغيرها.
اضف تعليقا