العدسة – معتز أشرف:

في توقيت حساس ومعقد، جدّد وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين مزاعم، تخديرية فيما يبدو، أمام جلسة للكونجرس الأربعاء حاول فيها إثبات أنه إذا قرر الرئيس عدم توقيع الإعفاء من العقوبات الإيرانية طبقًا للاتفاق النووي، فهذا لا يعني بالضرورة أننا سننسحب من الاتفاق، بالتزامن مع تهديدات إيرانية صريحة، تمهل أمريكا أسبوعًا واحدًا لاستقبال ردّا قاسٍ في حال إلغاء الاتفاق، ما يعني أن المواجهة قادمة، وفق مراقبين؛ أكدوا، وفق تقديرات ومصادر، بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع طهران.

مزاعم منوتشين

وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين زعم أنّ قرار الرئيس دونالد ترامب عدم تجديد رفع العقوبات على إيران في 12 مايو، لن يعني بالضرورة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقّع مع طهران عام 2015؛ حيث إن جوهر الاتفاق النووي بين إيران والقوى الستّ؛ وهي بريطانيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، هو أن تحد طهران من أنشطة برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل. لكن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وجَّه إنذارًا للقوى الأوروبية يوم 12 يناير الماضي، قائلًا: إنه يتعين عليها “إصلاح العيوب المزعجة في الاتفاق النووي الإيراني”، وإلا سيرفض تجديد رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، حيث ستستأنف العقوبات الأمريكية ما لم يصدر ترامب قرارًا جديدًا بتجديد رفعها يوم 12 مايو.

ولم يتضح بعد وفق رويترز ما الذي يقصده منوتشين بتصريحه، لكنه مؤشر على ما يبدو على أن إدارة ترامب تعتقد أن الاتفاق لن ينهار بالضرورة إذا اختار الرئيس الأمريكي عدم تمديد رفع العقوبات التي تفرضها واشنطن، خاصة أنه في 12 يناير وجه ترامب إنذارًا لبريطانيا وفرنسا وألمانيا، قائلًا: إن عليها أن توافق على إصلاح العيوب في الاتفاق النووي، وإلا فإنه لن يستجيب لتمديد رفع العقوبات الأمريكية عن إيران.

منوتشين أطلق مزاعمه خلال جلسة في الكونجرس الأربعاء؛ حيث قال إن إدارة ترامب تجري محادثات مع الحلفاء، ولن تتخذ خطوات ”مفاجئة، وأضاف أمام لجنة المخصصات بمجلس النواب: ”إذا قرر الرئيس عدم توقيع (الإعفاء من العقوبات) فهذا لا يعني بالضرورة أننا سننسحب من الاتفاق. يعني هذا أنه سيُعاد فرض العقوبات الرئيسية والثانوية، ولم يتضح كيف سترد إيران على قرار ترامب حال عدم تجديد الإعفاء من العقوبات، لكن سيكون من حق طهران الدفع بأن الولايات المتحدة خالفت التزاماتها برفع العقوبات على الرغم من التزام إيران بتعهداتها بموجب الاتفاق النووي، وهو ما تحقق منه مفتشون دوليون، فيما يقول خبراء نوويون أمريكيون إنه إذا لم يجدد ترامب الإعفاء من العقوبات في مايو فإن هذا سيقضي على الاتفاق.

رفض ترامب

ترامب موقفه العدائي ضد إيران واضح منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض؛ حيث رفض المصادقة على احترام طهران بنود الاتفاق، متهمًا إياها بانتهاك «روحيته»، وملوحًا بالانسحاب منه، وشدّد في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أهمية أن «توقف إيران نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، وتقول الناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: «الرئيس لا يزال يعتقد بأن الاتفاق النووي هو واحد من أسوأ الاتفاقات في التاريخ. واحد من أبرز عيوبه هو أنه يتيح لإيران أن تُطوّر بحرية برنامجها النووي وبأن تتمكّن سريعًا من امتلاك وقت كافٍ لتحقيق قدرات نووية. واضح أننا نرى مشكلة كبيرة في ذلك. الإدارة تواصل العمل مع الكونجرس ومع حلفائنا لمعالجة هذه العيوب».

طهران تهدد!

طهران تظهر ثباتا انفعاليًا ودبلوماسيًا واضحًا في مواجهة استفزازات ترامب، وفي مطلع العام الحالي ومع إطلاق التهديدات الأولي لترامب، قال الناطق باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت إنَّ المجلس الأعلى للأمن القومي في بلاده وسلطات خاصة أخرى استعدت لاحتمال خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، مشيرًا إلى أن الأخيرة «ستتلقى ردًا قويًا وحازمًا من إيران»، ثم تبعه بشهر تقريبًا، تصريح أكثر قوة وتحديًا، حيث قال نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي: إن بلاده ستنسحب من الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015، إذا لم تحصل بموجبه على مزايا اقتصادية، وإذا استمرت البنوك الكبرى في إحجامها عن التعامل مع طهران، مضيفًا أن “الاتفاق لن يصمد بهذا الشكل حتى إذا مرّ الإنذار وتجدد رفع العقوبات، وإذا استمرت السياسة نفسها التي تتسم بالخلط وعدم التيقن في الدول الموقعة على الاتفاق، وإذا لم تتعامل الشركات والبنوك مع إيران، فلن نتمكن من الإبقاء على الاتفاق الذي لا يفيدنا بشيء (..) هذه حقيقة”.

الإجراءات الإيرانية المضادة كانت تكشفت أهم خطواتها في ديسمبر 2016 ، حين وافق الكونجرس علي تمديد العقوبات على طهران؛ حيث ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء (إرنا) أن 264 نائبًا في البرلمان الإيراني المؤلف من 290 أصدروا بيانًا يدعو الحكومة لتطبيق إجراءات مضادة بما يشمل إعادة إطلاق برنامج التخصيب النووي الذي توقف بموجب الاتفاق النووي، فيما هدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني وقتها في خطاب متلفز بردّ قوي علي تمديد العقوبات التي وصفها بالانتهاك الصارخ، وقبل يومين قال روحاني بوضوح: “إنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيندم إذا انسحب من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع قوى عالمية، مؤكدًا أن طهران ستردّ في “أقل من أسبوع” إذا حدث ذلك، وأضاف روحاني في خطاب بمناسبة اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية “إيران لن تنتهك الاتفاق النووي، لكن إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق فستندم بالتأكيد، ردنا سيكون أقوى مما يتخيلون، وسيرون ذلك في غضون أسبوع”.

ونقلت وكالات الأنباء عن روحاني قوله:  “لن نكون أول من ينتهك الاتفاق، إلا أنهم (الأمريكيون) يجب أن يعرفوا أنهم سيندمون إذا انتهكوه، و”نحن مستعدون أكثر مما يتوقعون، وسيرون أنهم إذا انتهكوا هذا الاتفاق، خلال أسبوع.. أقل من أسبوع، سيرون النتيجة”.

المواجهة قادمة!

التهديدات الإيرانية مع المزاعم الأمريكية التي تهدف إلي ترحيل الحديث عن الأزمة المحتملة إلى مايو المقبل، يمكن أن يؤكد بوضوح أن قرار ترامب تم أخذه في اتجاه الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران وتمديد العقوبات، وهو ما ذهب إليه خبراء مركز “كارينجي” للدراسات في مطالعتهم الدورية مؤخرًا حول القضايا التي تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن؛ حيث توقع الخبراء أن يتجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إطلاق رصاصة الرحمة على الاتفاق النووي مع إيران، مؤكدين أن جميع المؤشرات والمصادر تؤكد أن قرار إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، هو قرار بإنهاء الاتفاق، ومنهم بول ر. بيلار، زميل مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون، والذي عمل في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) من 1977 إلى 2005، الذي أوضح في المطالعة الدورية أنّ من أقوى الرغبات التي تراود الرئيس دونالد ترامب في السياسة الخارجية، هي التخلص من الاتفاق النووي مع إيران، وتوقع بول ر. بيلار أن يحصل “ترامب”، من خلال مايك بومبيو، وزير خارجيته الجديد ما يغذّي تلك الرغبة بدلًا من كبحها، فعلى غرار “ترامب”، يمقت “بومبيو” خطة العمل المشتركة الشاملة مقتًا شديدًا، انطلاقًا من رغبة متجذّرة لديه في إبطال كل ما أنجزه الرئيس السابق باراك أوباما..

كما يرى ريتشارد جولدبرج، مستشار أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن الرئيس “ترامب” لم يكن يراوغ عندما هدّد بالانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة ما لم توافق أوروبا على تصحيح الاتفاق النووي المنقوص مع إيران؛ حيث إن تعيين مايك بومبيو وزيرًا للخارجية يُزيل أي شك في هذا المجال، موضحا أن هذه الخطوة تنبئ بأن “ترامب” جادٌّ بشأن إعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية الأشد صرامة، بما في ذلك العقوبات التي تستهدف المصرف المركزي الإيراني.