العدسة – معتز أشرف
ظروف معقدة، وتصريحات ملغمة، وتحركات تنذر بعواقب وخيمة، وأوضاع تشبه التعادل السلبي في المباريات، هكذا يمكن وصف الأمر بين الرياض وطهران، تلك العاصمتان اللتان ما برحتا مواصلة المواجهة منذ عقود، سواء في السر أو العلن، لكن الأيام الأخيرة جاءت بتصريحات دبلوماسية إيرانية محملة بتهدئة واضحة، وتأكيدات شديدة على عدم نجاحها أو السعودية في الهيمنة، بالتزامن مع تحركات سعودية مغايرة تحمل لافتات استكمال المواجهة لا المهادنة، ما يفتح المجال لأسئلة عديدة عن مستقبل الرياح الخماسينية المحملة بعواصف الغضب بين السعودية وإيران، في ظل أوضاع إقليمية ودولية غير مستقرة بالمرة، تضع العالم على حافة الهاوية كما صرح رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن مؤخرًا!.
القط والفأر!
في إطار ما يمكن وصفه بلعبة القط والفأر، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بوضوح شديد، ضرورة تجاوز الخلافات بين طهران والرياض، مشيرًا إلى أن منطقة الخليج تحتاج إلى آلية جديدة للحوار، بل ذهب إلى أكثر من ذلك خلال منتدى “فالداي” المنعقد في موسكو، حينما قال: “المواجهة بين طهران والرياض غير ضرورية، ومن المهم إنهاء هذه المشكلة، وينبغي علينا أن نبحث عن آلية جديدة للعمل بين إيران وجيرانها في منطقة الخليج”.
وبلغة المباريات، وفيما يمكن اعتباره إقرارا بالتعادل بعد فشل السعودية وإيران في كسر إحداهما الأخرى، اعتبر “ظريف”، في تصريحات الثلاثاء، أنه لا يمكن لا للسعودية ولا لإيران ولا لأي بلد آخر في الخليج العربي أن يفرض هيمنته على المنطقة، وقال في مقابلة مع موقع “RT”، على هامش منتدى “فالداي” للحوار في موسكو: “لا يمكن للسعودية أو إيران أو أي بلد آخر في الخليج أن يهيمن على الشرق الأوسط، لذلك فإن السعي للهيمنة على الخليج والعالم العربي الإسلامي محكوم عليه بالفشل”، داعياً إلى هيكلية أمن جديدة في المنطقة، برعاية أممية.
وجاء العرض الإيراني بالتزامن مع مباحثات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولده ولي العهد “محمد “،مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي إيد رويس، الذي كان قد طرح وزميل له في مجلس النواب الأمريكي، مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية، أقره مجلس النواب الأمريكي في أكتوبر الماضي بأغلبية ساحقة، وبعد ترحيب السعودية يوم الأحد بمشروع قرار للأمم المتحدة مقدم من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، يدين طهران لعدم منعها وصول صواريخها الباليستية إلى أيدي جماعة الحوثي اليمنية.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال لـ”رويترز”، إن الإجراء، إذا ما أقر، فسيساعد في محاسبة إيران على تصديرها الصواريخ الباليستية للحوثيين والسلوك المتطرف والعنيف في المنطقة، بما في ذلك دعم جماعات إرهابية، فيما قال في حديث خلال مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي، من أجل ضمان التزام إيران بالقانون الدولي يجب أن تكون لنا مواقف أكثر صرامة فيما يتعلق بالصواريخ الباليستية، وفيما يتعلق بدعم إيران للإرهاب… يتعين محاسبة إيران.
ودعا “الجبير” كذلك إلى تغييرين في الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران؛ هما إلغاء البند المتعلق بالقيود الزمنية في الاتفاق، ومد عمليات التفتيش لتشمل المواقع غير المعلنة والمواقع العسكرية، لكن من المرجح أن يواجه مشروع قرار الأمم المتحدة المتوقع إقراره يوم 26 فبراير مقاومة من روسيا حيث تحتاج الموافقة على أي قرار إلى تسعة أصوات مؤيدة، وعدم استخدام أي من روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا لحق النقض (الفيتو).
سيناريو إجهاضي
مراقبون يرون أن تصريحات “ظريف” تأتي في سياق مؤقت وإجهاضي لما تراه إيران خلف الكواليس من تصاعد التحالف السعودي الأمريكي ضدها، وهو ما دفعها إلى أن تكون في صدارة مشهد منتدى “فالداي” الروسي، بينما حليفها الروسي يطلق قذائف من منصات المؤتمر تجاه أمريكا، ويحذرها من اللعب بالنار في سوريا .
ونقلت وسائل الإعلام الروسية عن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، تأكيده على دعم بلاده إيران في إطار لعبة التوازنات الروسية في مواجهة أمريكا، حيث قال: “لا نتفق مع محاولات النظر في أي مشكلة إقليمية عبر منظار محاربة إيران، يلحظ هذا في سوريا، ويلحظ في اليمن، وحتى تطورات الأوضاع الأخيرة حول القضية الفلسطينية، بما في ذلك إعلان واشنطن قرارها الاعتراف بالقدس كعاصمة استثنائية لإسرائيل، هي إلى حد كبير انطلقت من التحيّز ضد إيران، وهذا يشكل خطرًا عبر مفاقمة الأوضاع في المنطقة”.
وبحسب المراقبين، فإن هذه ليست المرة الأولى التي تعرب فيها إيران عن رغبتها أو سعيها للحوار مع السعودية، ولكنها بقيت في مجملها عند حدود التصريحات، في ظل تضاربها مع سياستها المتبعة في المنطقة، والتي تؤدي في مجملها إلى زعزعة الأمن وتصعيد الخلافات في كثير من الجبهات، حيث دأب قادة إيران على الترويج لاستعداد بلادهم للحوار مع السعودية، دون تقديم برامج أو خطط لإجراء اتصالات ثنائية كان آخرها دعوة الرئيس حسن روحاني، في الثالث من ديسمبر الماضي، إلى الحوار مع السعودية دون تدخل أطراف أجنبية، وسبقته دعوات أخرى على لسان مسؤولي الخارجية الإيرانية في أكثر من مناسبة في العام الماضي بالتزامن مع تواصل طهران تسليح الحوثيين في اليمن، الذين ما انفكوا يطلقون صواريخ ضد الأراضي السعودية، هذا فضلا عن معركتهم الدائرة في اليمن ضد قوات التحالف العربي بقيادة السعودية.
لكن هناك من يذهب إلى أن “الحرب الباردة بين البلدين في طريقها للتحول قريبا إلى حرب ساخنة“، بحسب ما ترى صحيفة الـ”فايننشال تايمز” في تقرير لها مؤخرا، حول تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، في خضم تنافس إيراني سعودي محموم على التأثير في مجريات الأمور بالمنطقة، مشيرة إلى أن “السعودية ظلت لأعوام تراقب تأثيرها الإقليمي المتراجع في مقابل تأثير إيران المتزايد، في ظل الانتصارات التي حققها حلفاء طهران في سوريا والعراق، في مقابل الخسائر التي منيت بها فصائل المعارضة السورية المدعومة من السعودية، وهو ما يدعمه اتفاقيات سعودية تتجاوز مبالغها 450 مليار دولار مع الولايات المتحدة، جاءت كثمن أمريكي لمعالجة الملفات التي تقلق السعودية، وفي مقدمتها الملف الإيراني.
وهنا تبرز “دولة الاحتلال الصهيوني ” كمفتاح لأي تصعيد أو تهدئة، بحسب مراقبين، والذين يرون إمكانية قراءة العلاقة بين الرياض وطهران من هذه الزاوية، خاصة في الفترة الماضية التي شهدت تطبيعا واسعا من دول محور السعودية والحصار علي قطر، مقابل خطاب ناري وإجراءات وصلت لإسقاط مقاتلة إسرائيلية طراز “F16” من قبل محور إيران في سوريا، بالتزامن مع اعتبار حزب الله أنها بداية مرحلة جديدة “.
مستقبل العلاقات
بالرغم من قيام عدد من القوى الإقليمية والدولية بتقديم خدماتها للقيام بدور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران لمنع تفاقم الأزمات، ومنهم روسيا والعراق وتركيا والصين وإندونيسيا، ولكن يمكن القول، بحسب بعض المراقبين، أن أية جهود حالية للوساطة بين الرياض وطهران لن تنجح، لاسيما بعد نجاح المملكة العربية السعودية في تدشين قمة الرياض التي كان أحد عناوينها الرئيسية مواجهة خطر إيران، وبعد العديد من صفقات التسليح الأمريكية لكل من السعودية والإمارات، التي تعكس جهودًا جدية لتطوير قدراتها الدفاعية، كما قدمت الولايات المتحدة تعهدات بوضع أدوات مكافحة الإرهاب تحت تصرف الرياض لاحتواء خطر إيران.
وبحسب المركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، فإنه ليس من صالح الرياض أو طهران استمرار حالة التوتر القائمة حاليًا، وهذا الصراع السياسي في ظل ما يشهده العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديدًا، من مهددات أمنية، وتنامٍ للجماعات الإرهابية الشيعية والسنية على حد سواء، إلا أن هناك خطوطًا حمراء، من الصعوبة بمكان التنازل عنها، أو التساهل مع من يحاول تجاوزها.
ويرى المركز أن طهران تروّج من جانب لتحسين العلاقات مع الرياض، ومن جانب آخر تهاجم قيادات عسكرية ورموزًا سياسية وحزبية في المملكة، وتشجع بشكل أو بآخر على العنف في الداخل السعودي، مؤكدة أنه إذا لم تتحول إيران من ثورة طائفية إلى دولة طبيعية، فإن محاولات بناء الثقة بينها وبين دول الجوار العربي لن تصل إلى نتيجة حقيقية وتوافق مستدام، وإن شهدت تحسنًا في مرحلة تاريخية معينة فإنها لن تصمد كثيرًا أمام أول اختبار حقيقي يواجهها، مشيرة إلى أن من يروج لسياسة تقاسم النفوذ في المنطقة بين إيران والسعودية، يتجاهل حقيقة كون ميدان هذا التقاسم هو الدول العربية دون غيرها، فماذا عن تقاسم النفوذ مع إيران في دول أخرى ترى طهران أنها بمنزلة الباحة الخلفية لها؟ وهو التساؤل المهم.
اضف تعليقا