عندما نزل مئات المستوطنين الإسرائيليين إلى شوارع القدس في 22 أبريل/نيسان، مرددين “الموت للعرب”، لم يكن ذلك عملاً عفوياً من قِبَل قلة متطرفة، ولكن تعبير رمزي عن الاضطهاد الذي يعاني منه الفلسطينيون يومياً على أيدي اليهود أصحاب الامتيازات المختلفة كنتاج عقود من الحكم الاستعماري ونظام الفصل العنصري.

 

“الموت للعرب” لم تصبح فقط ترنيمة تُسمع في مباريات كرة القدم أو عبارات تكتب على جدران المنازل والسيارات الفلسطينية، بل أصبحت الترنيمة الأبرز التي يتغنى بها كافة الأوساط الإسرائيلية، الرسمية وغير الرسمية، في دليل على توجه أكثر عنفاً تنوي سلطات الاحتلال على اعتناقه ضد الفلسطينيين في الفترة المقبلة.

 

في البداية قررت حكومة الاحتلال حظر احتفالات رمضان عند باب العامود (دمشق) في البلدة القديمة في القدس، لكن وبعد تراجعها عن هذا القرار، استلم المستوطنون الراية ومارسوا العنف ضد الفلسطينيين، حيث دعت ليهافا -وهي جماعة يمينية متطرفة تعارض الزواج بين اليهود وغير اليهود- أنصارها إلى السيطرة على الشوارع في القدس الشرقية “لحماية شرف اليهود”، رداً على قرار الحكومة.

 

كما حثت صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي -تابعة لـ ليهافا- أنصارها على “تحطيم وجوههم [الفلسطينيين] ودفنهم أحياء”، وبحسب صحيفة هآرتس سألت الصفحة عن كيفية الحصول على الأسلحة للتعامل مع الفلسطينيين.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو مقطع فيديو يظهر التنسيق بين المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية بينما لم يقدم أي عضو في حكومة نتنياهو كلمة إدانة واحدة.

 

نداف إيال -من صحيفة يديعوت أحرونوت- قال معلقاً على هذه الأحداث “السؤال الكامن في الخلفية هو إلى أي مدى أدى فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف إلى تشكيل الاشتباكات ورد فعل الحكومة!”، مضيفاً “هناك عدد كبير جدًا من الجولات القادمة التي ستشعل الأجواء”.

 

بدورهم حاول الفلسطينيون الدفاع عن أنفسهم وصد عدوان الإسرائيليين بعد أعمال العنف التي قام بها المستوطنون على مدار الأسبوع، لتتخذ قوات الاحتلال هذا كذريعة لقمع المتظاهرين الفلسطينيين المناهضين للاحتلال والذين يحتجون على مجموعة من انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان من قبل الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني

من الجدير بالذكر أن كلاً من هيومن رايتس ووتش ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان اتهمتا إسرائيل باتباع نظام الفصل العنصري لأول مرة في تاريخ كل منهما.

 

ينفذ المستوطنون الإسرائيليون هجمات ضد منازل الفلسطينيين وتخريب سيارات في البلدة القديمة، كما يقومون بنشر مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يهاجمون بعنف المارة الفلسطينيين في جميع أنحاء القدس على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقابل، لم تغض قوات الأمن الإسرائيلية الطرف عن عنف عصابات المستوطنين وإرهابها فحسب، بل شنت أيضاً حملتها الخاصة للإرهاب من خلال مهاجمة المصلين في المسجد الأقصى والمتظاهرين عند باب العامود.

 

كنتيجة لعمليات العنف تلك، أصيب أكثر من 100 فلسطيني واعتقل العشرات في الأيام التي أعقبت مسيرة “الموت للعرب”، في حين أن عدد المستوطنين اليهود الذين أصيبوا أو اعتقلوا من قبل قوات الأمن الإسرائيلية هو صفر، في دلالة واضحة على العنصرية وتشجيع المستوطنين على ممارسة المزيد من العنف.

 

“كل ما أردنا فعله هو أن نكون قادرين على الجلوس على دَرج باب العامود ليلاً لشرب القهوة أو الشاي”، هذا ما قاله الشاب الفلسطيني رامي -24 عاماً- لوكالة أسوشيتد برس، “إنه تقليد لسكان المدينة القديمة أن يخرجوا لتناول المرطبات… كان والدي يجلس أمامي على درج باب العامود… ما تحاول الشرطة فعله هو ببساطة محو هويتنا “.

 

وكما هو الحال دائماً، يُعاقب الفلسطينيون بشكل جماعي عندما يحاول فرد أو مجموعة من الفلسطينيين التصدي لعنف الذي تمارسه عليهم دولة إسرائيل أو مواطنيها.

 

يأتي هذا العنف المتجدد ضد الشعب الفلسطيني في القدس في نفس الوقت الذي أبلغت فيه الأمم المتحدة عن تصاعد هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في الأشهر الأخيرة، مع وقوع “اعتداءات وتدمير للممتلكات في جو من الإفلات من العقاب “.

 

في بيان رسمي، قال المقرر الخاص للأمم المتحدة ” خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، تم تسجيل أكثر من 210 حادثة عنف من قبل المستوطنين أدت إلى مقتل فلسطيني… إننا ندعو الجيش والشرطة الإسرائيليين إلى التحقيق في أعمال العنف هذه ومقاضاة مرتكبيها بحسم وبقوة”.

 

كما تقول الأمم المتحدة إن عنف المستوطنين “له دوافع أيديولوجية بالدرجة الأولى وهو مصمم بشكل أساسي للاستيلاء على الأرض ولترهيب وإرهاب الفلسطينيين- السكان الأصليين للأرض. الهدف هو خلق بيئة قسرية، بيئة من شأنها الضغط على الفلسطينيين للابتعاد عن مناطق معينة أو الانتقال إلى الجيوب الفلسطينية الأخرى”.

 

في الأسبوع الماضي، عندما سأل مراسل تلفزيوني إسرائيلي شابة من المستوطنين عما إذا كانت تدعم مسيرة “الموت للعرب”، أجابت: “ربما ليس بهذه الطريقة… أنا أتحدث بطريقة مهذبة وسليمة… أنا لا أقول دعونا نحرق قراهم، أنا فقط أقول إنه ينبغي عليهم الخروج منها ومن ثم تؤول إلينا وتصبح تحت سيطرتنا”.

 

كلمات هذه الفتاة تُعبر عن الطريقة التي أدت بها حركة المستوطنين الصهيونية إلى تطرف جميع طبقات المجتمع الإسرائيلي، لعقود من الزمان، أنكر الإسرائيليون أن إسرائيل دولة عرقية عنصرية مبنية على التجريد والتطهير العرقي، لكنهم الآن يتباهون بقول هذا بصوت عال وصراحة: “الموت للعرب”.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا