قال الكاتب السياسي التركي سميح إيديز، إنّه في الوقت الذي لاقى فيه تعهّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالعمل على إعادة “الإسلام المعتدل” إلى البلاد، ترحيبًا من الدول الغربية، كان الوضع مختلفًا في تركيا- لا سيما في أوساط الإسلاميين- حيث أثار التصريح شكوكًا كبيرة تتعلق بالخطط الإمبريالية الأمريكية الموجهة إلى العالم الإسلامي.

وأضاف الكاتب في مقال تحليلي مطول نشره موقع المونيتر الأمريكي، أنه منذ أن أعلن وزير الخارجية الأمريكية السابق “كولن باول” في عام 2004، أن تركيا تعدّ جمهورية إسلامية معتدلة، فقد أثار مفهوم الإسلام المعتدل استهجان كل من العلمانيين الأتراك والإسلاميين على حد سواء.

وذكر الكاتب أن واشنطن، ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا تزال تبحث عن نموذج يواجه الإسلام الراديكالي، ويعكس الحداثة التي تسعى لرؤيتها في العالم الإسلامي. وكانت تركيا هي الدولة الوحيدة التي رأت أنها مناسبة لهذا المشروع.

ولفت إلى أن تصريحات “باول” تزامنت مع صعود تيار ما يعرف بـ”الإسلام السياسي” في تركيا، في ظل حزب العدالة والتنمية الذي حقق انتصارا ساحقا في الانتخابات نوفمبر 2002.

وأشار الكاتب أنه مع تزايد التوترات بين العلمانيين والإسلاميين، لم يكن هذا الوقت المناسب لباول لكي يقدم وجهة نظره عن تركيا، حيث إنّ القيام بذلك لا يعكس سوى نقص خطير في الوعي لدى واشنطن حول ما يجري في تركيا وقتها.

وأوضح أنّ العلمانيين اعترضوا على تمييز “باول” لتركيا ووصفها بالجمهورية الإسلامية المعتدلة، وقالوا إنّ واشنطن تحاول أسلمة تركيا لخدمة مصالحها، لافتًا إلى أنه لا يزال العديد من الأتراك العلمانيين مقتنعين أنّ حزب العدالة والتنمية، كان مشروعًا أمريكيًا فرضته واشنطن على تركيا لتحويلها إلى جمهورية معتدلة إسلاميا.

وفى هذا السياق يقول الكاتب، فقد رد وقتها الرئيس أحمد نجدت سيزر- والذي يصنفه البعض بوصفه علمانيا متعصبا- بغضب على تصريحات “باول”، معلنًا أن تركيا ليست جمهورية إسلامية ولا مثال للإسلام المعتدل.

وأضاف أن الإسلاميين الأتراك من جانبهم اعتبروا تصريحات “باول” بمثابة محاولة -بدعم من إسرائيل– لتقويض الإسلام الحقيقي، بفرض أفكار غريبة عن المسلمين الحقيقيين، وحصرهم في زاوية محددة.

ومؤخرًا كشفت المملكة العربية السعودية عن رؤية 2030، وتعهد ولي العهد لتحويل بلاده إلى دول إسلامية معتدلة، وذلك عبر الإعلان عن مشروع ضخم لاستثمار 500 مليار دولار في منطقة على الحدود الأردنية المصرية، بهدف تحويل المملكة إلى مركز اقتصادي ذي مصادر متنوعة.

وسعى كثير من الكتاب في تركيا، إلى استغلال تصريحات ولي العهد السعودي لضرب العدالة والتنمية ومؤيديه من الإسلاميين.

فعلى سبيل المثال، قال إرتوغرول أوزكوك، وهو كاتب عمود شهير بصحيفة دايلي حريت، “إن كل مسلم معتدل (صائب التفكير) يحمل في قلبه أتاتورك” في إشارة لـ”مصطفى كمال أتاتورك” مؤسس الجمهورية التركية العلمانية.

وقال أوزكوك في تعليقه على كلام ولي العهد “إن الربيع الحقيقي في العالم العربي سيأتي عندما يتم استيعاب الدرب المشرق الذي كشفه وأظهره أتاتورك للعالم الإسلامي”.

لعبة خطيرة

من ناحية أخرى، جاءت وجهة النظر الإسلامية المتشددة بشأن تصريحات ولي العهد من إبراهيم كاراجول رئيس تحرير صحيفة “بني شفق”، المقربة من الحزب الحاكم، والذي رأى أن إعلان المملكة الانتقال إلى الإسلام المعتدل، ينطوي على “لعبة خطيرة”.

وأشار -خلال مقالة بالصحيفة- إلى أن المحور الأمريكي الإسرائيلي يشكل خطًا إقليميًا جديدًا؛ يهدف إلى تدمير العالم العربي السني، مضيفًا أن مشروعًا سابقًا لهذا التحالف استهدف تركيا وفشل، وأنه على المملكة أن تحمل على عاتقها -على غرار تركيا- مهمة إفشال هذا المشروع الآن.

مواجهة الشيعة

ويعتقد الكاتب التركي، بورهانتين دوران، المنسق العام لمؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي ترعاها الحكومة التركية، أنّ تصريحات بن سلمان تعكس مشروعًا أوسع لمنطقة الخليج.

وقال دوران في مقالة له بصحيفة الصباح الحكومية، إن الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر جهزوا القواعد الأيديولوجية لمكافحة المليشيات الشيعية التي تعتبر العنصر الفعال للتوسع الإيراني.

وأضاف دوران أن المملكة ستنشر من الآن فصاعدًا الإسلام الذي ينسجم مع العالم الغربي، إلا أنّ رؤية بن سلمان- بحسب دوران- لم ترق إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على التجربة ككل، مضيفًا أن هذا مجرد محاولة للتحرر الاجتماعي إلى الحد الذي يسمح به النظام السعودي، ورفع الحظر قيادة المرأة للسيارة، يمكن أن يكون مثلا لما ينبغي توقعه.

وتابع أن الحديث عن الإسلام المعتدل ليس سوى مجرد محاولة لإلقاء اللوم على التشدد الوهابي، وفى نفس الوقت أداة أيديولوجية لاحتواء إيران.

الاقتصاد كلمة السر

من جانبه يعتقد أستاذ المساعد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة اسطنبول محمد علي بيوكارا، أن مفهوم الإسلام المعتدل هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال في مقالة له بوكالة الأناضول التركية، إن الهدف من طرح هذا المفهوم هو خدمة دوافع واشنطن الإمبريالية (السياسية والاقتصادية) في وسط وجنوب آسيا والشرق الأوسط، مضيفًا أن رؤية 2030 تهدف إلى إقامة دبي أو أبوظبي جديدة، الأمر الذي يتطلب قدرًا هائلًا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأضاف أن هذا الاستثمار لن يأتي إلى بلد ليست لديه أيديولوجية طبيعة، ولعل هذا هو السبب في طرح موضوع الإسلام المعتدل خلال المؤتمر الاقتصادي.

ولفت إلى أن مفهوم “الإسلام المعتدل” لا معنى له بالنسبة للمملكة العربية السعودية، لافتا إلى أن الأيدولوجية الوهابية وليس الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران، هي التي ولدت التطرف في السعودية على عكس ما يدعي محمد بن سلمان.

تسمية خاطئة

ويري المؤرخ العلماني مراد بردداكي، أن مفهوم الإسلام المعتدل للمملكة هو تسمية خاطئة، ويستبعد ما يقوله البعض أن العرب سوف يصلون يومًا ما إلى أتاتورك الخاص بهم.

وقال في مقالة بصحيفة هايبرتورك اليومية، إنّه لم يكن هناك مساحة للحب سواء لأتاتورك أو النظام العلماني من قبل الشرق أوسطيين، حيث إن الإسلام عندهم لا يتجزأ من الحياة اليومية.

وأكد أنه من المزاح أن تعتقد المملكة- معقل الوهابية والسلفية- أنها يمكن أن تتماشى مع فكر أتاتورك، مضيفًا أنه حتى حال وجود نسخة معتدلة من السعودية بمجتمعها السلفي، ستكون أقسى من التيارات الدينية المتطرفة التي لدينا في تركيا.

وذكر الكاتب سميح إيديز خلال مقالة مطولة بـ”المونيتور” أن الحكومة التركية ظلت صامتة ولم تعلق على تصريحات بن سلمان، لكن رأي حزب العدالة والتنمية، تم الكشف عنه ضمنيا عبر النائبة “رافا كافاكسي”، عضو اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية، في تصريحاتها للصحفيين بالبرلمان التركي.

ورحبت كافاكسي بتصريح بن سلمان، قائلة إنه إذا كان يعني أن المملكة -التي وصفتها بأنها حليف تركيا- ستكون أكثر ديمقراطية، وتحترم حقوق الإنسان والمرأة، فهو أمر مّرحب به، مضيفة في الوقت ذاته “لكني لن أقبل أبدًا مصطلح الإسلام المعتدل، لأنّ الإسلامي لا يحتاج لأي أن يكون عادلا”.

وفسر سميح إيديز تصريحات النائبة بأنها محاولة منها لإضعاف مفهوم الإسلام المعتدل أكثر في نظر مؤيدي حزبها، عندما قالت إن الإسلامي المعتدل مصطلح يستخدمه أيضًا فتح الله جولن ومؤيدوه.

وأيا كانت مزايا الحجج بين الأتراك، يقول الكاتب فإن ردود الفعل التركية على بن سلمان، والدلالة أنه يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية فقط، تظهر أن التطورات في الشرق الأوسط، لاتزال بعيدة عن الطريق البسيط الواضح الذي يرغب فيه إسلاميو تركيا.

وختم تحليله بقوله إن محمد بن سلمان ليس مجرد شخص عادي، فهو الشخص من المقرر أن يكون الحاكم الجديد للمملكة قريبا، وتشير تصريحاته إلى أن أنقرة من المرجح أن تواجه مزيدا من المواقف التي لم تكن تتوقع حدوثها أبدا في المنطقة.