إبراهيم سمعان

في القمة المقبلة بين الولايات المتحدة وممالك الخليج العربي المقرر عقدها في 12 و 13 أكتوبر، يمكن الإعلان عن تأسيس تحالف استراتيجي للشرق الأوسط، وتحت قيادة واشنطن، يهدف هذا التحالف إلى حماية المنطقة من التهديد المزدوج للتوسع الإيراني الشيعي والجهادي السني.

 

الحقيقة، هذا الأمر ليس جديدا، وبدون العودة إلى “حلف بغداد 1955″، وإفراغه من مضمونه، ظهرت عدة مبادرات مماثلة السنوات الأخيرة، ففي عام 2011، أعادت التطورات والتوابع التي أطلقها الربيع العربي فكرة التحالف الذي يغطي الشرق الأوسط. ثم شكلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجلس التعاون الخليجي مجموعات عمل،  ثم دفع ظهور “داعش” السعودية لإنشاء تحالف عربي وسني يضم أربعين دولة (2015).

 

لكن عدم كفاءة العديد من القادة المحليين والتناقضات بين الأنظمة العربية السنية وتناقض السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يفسر فشل هذه المبادرات. في الواقع، فضلت إدارة أوباما التوقيع على صفقة نووية إيرانية ووقفت عاجزة في الصراع السوري، ومن خلال العمل على إقامة توازن إقليمي بين الرياض وطهران، سعت إلى الابتعاد عن الجغرافيا السياسية الإقليمية، مما دمر خطط التحالف العربي السني.

 

 

دونالد ترامب يغير اللعبة

في نوفمبر 2016 ، انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة والأولوية التي يمنحها للتهديد الإيراني غير اللعبة، فخلال زيارته الرسمية للرياض مايو 2017، تمت مناقشة فكرة “الناتو العربي”. ومع ذلك، فإن الميل للانعزالية، وصعوبة وضع استراتيجية أمريكية متماسكة في سوريا والمنطقة، والنزاع الدبلوماسي بين قطر وجيرانها قد أجلتا الموعد النهائي، فمنذ الصيف الماضي، تم ذكر قرار تأسيس تحالف إقليمي بشكل متكرر. وفقا لموقع ” هافينجتون بوست ” في نسخته الفرنسية

 

إذا تأكد هذا الأمر في قمة منتصف أكتوبر، فإن مثل هذا القرار سيأتي قبل أكثر من أسبوعين من دخول حظر نفطي ضد طهران حيز التنفيذ.

 

هذا القرار ليس من دون سبب، فالرغبة الإيرانية في السيطرة على المنطقة، من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط​​، وتصرفات الباسدران والبرنامج البالستي، تقول الولايات المتحدة وحلفاؤها إنها تشكل التهديد الرئيسي  في المنطقة.

لذلك النظام الإيراني الشيعي مستهدف، وكذلك المنظمات الجهادية السنية، وفي ظل ذلك من المرجح أن يأخذ صانعو السياسات والاستراتيجيون الأمريكيون بعين الاعتبار الاختراق الروسي في الشرق الأوسط، من خلال التحالف مع دمشق وطهران، وتواجد الصين في المنطقة.

 

إذا كان مشروع “الناتو العربي” لا يخلو من العقلانية الجيوسياسية، فإن ترجمته الملموسة تبقى افتراضية، فتجربة مجلس التعاون الخليجي ليست مبشرة، حيث إن “درع الخليج” الذي تأسس عام 1981 للرد على تهديدات الثورة الإسلامية الشيعية لمضيق هرمز، لا يمكن تحويله إلى تحالف حقيقي، والأسوأ من ذلك هو فكرة عدم تماسك هذا الهيكل نتيجة العلاقات المضطربة وفرض حصار على قطر.

 

بن زايد وبن سلمان

إذا كانوا يريدون التغلب على الاختلافات في تقييم التهديد الإيراني، في ظل حماس المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وفتور الكويت وقطر وعمان، سيتعين على الأمريكيين المشاركة بفاعلية في “الناتو العربي” ، أو التوسع ليضم مصر وكذلك الأردن ، اللتان لهما أولوياتهما، فمثل هذا النشاط سيجعله أكثر وضوحاً في فحوى السياسة الخارجية لدونالد ترامب.

 

من ناحية أخرى، فإن الطابع المتعدد الأطراف لـ”الناتو العربي” لن يقلل من أهمية العلاقات الثنائية، فللوهلة الأولى، سيفكر المرء في التحالف الأمريكي السعودي القديم (حلف كوينسي 1945). ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الجمود في السعودية وتقلبات التحديث التي يريدها ولي العهد محمد بن سلمان.

 

بالمقابل، فإن السياسة العامة لدولة الإمارات، والتزامها على الجبهة المزدوجة لمحاربة النظام الإيراني الشيعي والجهادية يجب أن تكون موضع تقدير، فمحمد بن زايد واحد من القلائل في المنطقة الذين يقودون استراتيجية شاملة، ونتيجة لذلك، ستكون الإمارات نقطة ارتكاز أساسية لمواجهة التهديدات الإقليمية.

 

وأخيراً ، يشير مشروع “الناتو العربي” إلى أهمية الشرق الأوسط في الجغرافيا السياسية العالمية، فبالإضافة إلى الاحتفاظ بأكبر احتياطيات هيدروكربونية في العالم، والتي يمكن استخراجها بتكلفة منخفضة، تعتبر المنطقة محورية بين أوروبا وآسيا، والمستهدفة من قبل “طرق الحرير الجديدة” في بكين.