يواجه الشباب على مستوى العالم أزمة في إقامة حياة زوجية، على اختلاف العادات والتقاليد التي قد تساهم في زيادة هذه الأزمة، أو حتى عدم التقيد بتقاليد قد تثقل كاهل الشباب بأعباء شديدة، فأعداد العنوسة حول العالم تنبئ بأن هناك أخطاء لا تقع فقط على كاهل المطالب المادية المحمل بها المجتمع العربي، فقد ترجع الأسباب أيضا إلى الانفتاح الشديد الذي يسهل إقامة العلاقات خارج إطار الزواج مما يساهم في الزهد في إقامة علاقة زوجية طبيعية، أو ربما تعود تلك الأسباب لعوامل نفسية، وربما كذلك لإقامة علاقات شاذة.

فعلى اختلاف الديانات والثقافات خلق كل مجتمع طرقا ليتجاوز بها تلك الأزمة، فانطلق المجتمع العربي في إيجاد صيغ للزواج تعفي الشباب من هذا العبء المادي، مثل الزواج العرفي أو المسيار أو… إلخ، بينما انطلق المجتمع الغربي من منطلق دوافع أخرى لاشباع رغباته في إيجاد صيغ زواج غريبة، فقد يتزوج البعض من نفس الجنس، وهم “المثليون”، أو هناك ما هو أغرب حين خرجت بعض الزيجات التي تعلن الزواج من جماد، أو حتى من حيوان، وأخيرا أعلن عدد ليس بالقليل الزواج من نفسه.

ففي ظاهرة غريبة انتقلت بين دول العالم، فضَّل أشخاص -ليسوا بالقليلين- في بلدان مختلفة حول العالم أن يتزوجوا أنفسهم!، مع إقامة مراسم زواج رمزية، ويبدوا أن هؤلاء الأشخاص ليسوا حالات فردية، حيث إن أعدادهم في تزايد.. وهذا ما قد جعل الكثير من المختصين يتناولون هذه الدراسة بالبحث.

وقد ذكرت إحدى هؤلاء الشخصيات، وتدعى جابرييل بيناباز، فنانة استعراضية تقيم في نيويورك، أنها قررت أن تقيم حفل زفاف لنفسها، ودعت فيه أصدقاءها وأفراد عائلتها للحضور، بعد أن اختارت مكان العرس بعناية، وزينته بالزهور، وانتقت أجمل فستان زفاف أحبته، ورأت أنه أفضل حفل زفاف حضرته على الإطلاق إلا أن هذا الحفل لم يكن ينقصه سوى أهم عنصر في حفلات الزفاف..ألا وهو العريس.

ومنذ ذلك الحين، انطلقت “بيناباز” في الإعداد لمثل هذه الحفلات وأصبحت تساعد هؤلاء الأشخاص الذين يسعون لإقامة حفلات زفاف الأشخاص من أنفسهم في إقامة تلك المراسم، كما أنها تقدم استعراضات فنية في الحفل مقابل أجر مادي.

وتضيف “بيناباز” أنها أقامت أكثر من 1500 حفلا للزواج بهذه الطريقة، وكان معظمهم من النساء الوحيدات، مؤكدة أن الحضور كان يشمل كافة الحالات الاجتماعية، وكذلك كافة الأجناس وغالبا ما تقيم لهم نفس الطقوس، من حيث التحضير للملابس، أو الأطعمة، أو التزيين بالزهور التي أقامتها لنفسها.

وتعترف “بيناباز” فيما قالت بأن ” مراسم هذا الزفاف دائما ما تكون جذابة جدا، خاصة وأنها تعكس مدى حب الذات، فكثيرا ما كان الأشخاص الذين يتزوجون من أنفسهم يرددون بعض العبارات من قبيل: أنا أسامح نفسي، أو: لن أشعر بنفسي بعد الآن بأنني قبيح”.

وتضيف: “ونسبة عالية ممن زوجتهم لأنفسهم ربما تصل إلى 80%، قد بكوا أثناء مراسم الزفاف” .

ورغم غرابة الفكرة وخروجها عن الإطار القانوني بكل بلدان العالم، فقد ارتفع أعداد من تزوجوا أنفسهم بقدر عالٍ، خلال الفترة الزمنية القليلة السابقة، وقد أفادت التقارير بأن مراسم الزفاف الوهمية هذه ليست بالجديدة، ولا بالمحصورة بمكان بعينه، فهي كانت موجودة منذ عقود بالإضافة إلى كونها ممتدة بين البلدان المختلفة، فقد تراها موجودة من إيطاليا إلى اليابان أو من أستراليا وحتى المملكة المتحدة.

حتى إن الكثير من الأعمال الدرامية بالولايات المتحدة الأمريكية، قد تناولته كموضوع رئيسي مثل المسلسل التليفزيوني “جلي” و”الجنس والمدينة”، وقد لاقت هذه المسلسلات رواجا هائلا من حيث نسب المشاهدة.

والأكثر من ذلك هو إنشاء شركات متخصصة – مثل تلك التي أنشأتها بيناباز- لإقامة مثل هذه الحفلات ومراسم الزفاف للأشخاص الذين يرغبون في فعل ذلك، ليس هذا فحسب، وإنما هناك من يقدم الدورات التدريبية مدفوعة الأجر لتدريب العريس أو العروس على طقوس الزواج من النفس، وهو ما تقوم به دومينيك يوكهيهباز، التي أقامت لنفسها حفل زفاف بذاتها في المرة الأولى في عام 2011، وبدأت بعدها في  استثمار ذلك عمليا بتقديم دورات على الإنترنت لمدة 10 أسابيع بتكلفة مادية تصل إلى 200 دولار أمريكي، إضافة إلى تقديم جلسات استشارية.

وتذكر يوكهيهباز أن عدد من تواصلوا معها على الإنترنت وصل إلى 250 شخصا إلى الآن، مشيرة إلى أن عدد الراغبين في إقامة تلك المراسم في تزايد مستمر.

وتضيف:” هذه المراسم تختلف حسب رغبات الشخص، فقد يود البعض أن تكون بسيطة، وربما تكون في غرفة نومه الشخصية، وقد يريد آخرون أن تكون في احتفال مهيب”.

وتعتبر يوكهيهباز أن القيام بهذا الزواج هو بمثابة علاج نفسي فعال لهذا الشخص، خاصة وأن بعض هؤلاء الأشخاص قد خرجوا من علاقات قاسية لينغمسوا في الحياة العملية، وربما ليلتقوا بأحبائهم الأوائل بعد الزواج من ذاتهم.

وعلى الرغم من عدم توافر أرقام أو إحصائيات رسمية لعدد من أقاموا حفلات زفاف من أنفسهم، إلا أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد أفادت في تقرير لها أن هذه الظاهرة احتلت قدرا من الاهتمام، خاصة في ظل تزايد أعداد غير المتزوجين ووصولهم إلى مستويات قياسية في العديد من الدول المتقدمة اقتصادياً.

بالإضافة إلى ظهور شركات تقدم الخدمات لهذه التجارة الرائجة، فقد قدمت وكالة يابانية تدعى  “سيركا” للرحلات، عرضا في عام 2014، يتضمن رحلة سفر لمدة يومين بتكلفة تصل إلى 2,500 جنيه إسترليني، ولكنه لهولاء الأشخاص الذين قرروا الزواج من أنفسهم، ويشمل العرض كل ما يتطلبه الإعداد للزفاف، بداية من تحضير الملابس المناسبة، إلى المكياج وتصفيف الشعر، وكذلك الصور التذكارية.

كما أشار دان موران، مصمم مجوهرات، ويقيم في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، أنه تلقى العديد من المكالمات الهاتفية لطلب تصميمات خاصة من شخصيات تريد الزواج من ذواتها، وقد بدأ ذلك منذ ما يقارب الـ 18 شهرا، وأضاف أن منظمي حفلات زفاف ومصورين أيضا تربطه بهم علاقات عمل، كانوا قد تلقوا طلبات مشابهة.

ونوه “موران” إلى أن معظم هؤلاء الزبائن من النساء، ووصفهن بأنهن متعلمات وثريات ويقمن  في المدن، وفي واقع الأمر فإن المثير للدهشة هو أن أكثر هؤلاء النساء متزوجات بالفعل.

ويقول “موران” :”إن الفترة القادمة ستستوجب على كل من يعمل في مجال تصميم حفلات الزواج أن يخصصوا في حساباتهم أعمالا خاصة بهؤلاء الذين قرروا الزواج من أنفسهم، حيث إن المستقبل ينبئ بازدياد أعدادهم.

ومن الأمثلة البارزة أيضا في الإقدام على مثل هذه الخطوة، ما قامت به الإيطالية لورا ميسي (40 عاما)، ولعل ما سلط الضوء على حفلها، ليس فقط لأنها تزوجت زيجة غريبة، ولكن لما أنفقته على ذلك الحفل، حيث وصل حجم إنفاقها على هذا اليوم إلى 8,700 جنيه إسترليني، وقد أقدمت على ذلك لأنها كانت ترغب في حفل زفاف أسطوري خاصة بعد خروجها من علاقة فاشلة دامت لأكثر من 12عاماً.

وقررت أخرى، وتدعي سوفي تانر من المملكة المتحدة، أن تعقد زفافها على نفسها في عام 2015، وعبرت عن هذا الحفل بقولها: “لقد كان هذا اليوم هو الأفضل بحياتي كلها، خاصة بعدما رأيت أبي وكانت الدموع تتساكب من عينيه، وبالطبع لا يمكن إغفال ملابس الزفاف الكلاسيكية”.

وعلى الجانب الآخر، رأى البعض أن هذه الفكرة ليس لها دلالة سوى التعبير عن تلك النرجسية التي تمكنت من أصحابها، فذكرت أخصائية علم النفس السريري، بنيوزيلندا كارين نيمو،” أن الزواج من النفس إذا كان المقصد منه يتعلق بمحاولة لعلاج جراح الماضي أو المشاكل النفسية الناجمة عن العلاقات الفاشلة، فإن هذا قد يكون مُجديا، حيث إن المدخل الرئيسي للوقوع فريسة للأمراض النفسية هو كراهية الذات، لذلك فإن سلامة علاقاتك بالآخرين أمر لا بد من التركيز عليه، حيث إن اعتمادك على نفسك، والنظر إلى احتياجاتك على أنها الأولى قبال احتياجات الآخرين على الدوام، قد تدفعك إلى طريق النرجسية، وهو مرض نفسي موحش”.