للحضارات القديمة تأملاتها الخاصة التي لا زالت تسري وتجذب الملايين حتى اليوم، ومن أهم تلك الممارسات هى “النيرفانا” كما ينطقها البوذيون وسكان التبت أو “الخلو”و “الاتصال” كما يعرفها أتباع الطوائف الصوفية في بلاد العرب والمسلمين و”Telepathiea” أي التواصل الروحي أو التخاطر عن بعد وفق الثقافة الغربية والعلم الحديث.

يتحدث عنها فلاسفة البوذية، فيقولون هي العقيدة الدنيوية التي يعتقد فيها أبناء هضبة التبت والهند، ويرون أن النيرفانا هي حالة السلام التام للروح، وهي الحالة التي يكون فيها الفرد خاليا من التلهف، والغضب وأي معاناة أخرى  مما يساعد صاحبها على صفاء الفكر ويمكنه من الدلف لعمق الأفكار والأرواح فيمكنه التواصل مع بشر آخرين مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة.

ويقول رجل قديم قضى ما يزيد عن العشرين عاما في أحد جبال التبت ومارس كل طقوس “النيرفانا” : “خلت روحي من المعاناة وأصبح التأمل العميق هو وسيلتي الوحيدة للتواصل مع العالم أسفل الهضبة”.

أما الترجمة اللغوية المباشرة للكلمة فتعني “التطاير” أي تطاير نيران الجشع والحقد والوهم بعيدا، والقدرة على السمو ونبذ الشهوات عبر الوصول للنشوة القصوى والسعادة الحقيقية وهي “الاتصال الروحي”.

هكذا يردد الصوفيون كما البوذيون كما الرهاب في الأديرة أما العلم الحديث فقد حاول التأكد من صحة تلك الظواهر وتفسيرها و الوصول للسر الكامن وراءها.

 

Telepathiea او التخاطر عن بعد

هو مصطلح صاغه الفيزيائي الفرنسي “فريدرك مايرز” ببدايات القرن التاسع عشر ويعني انتقال الأفكار بين الأشخاص من دون وجود حاجة إلى وسيط، نوع من الاتصال العقلي عند البشر بصورة غير مادية ملموسة بين شخصين بحيث يستقبل كل منهما رسالة الآخر العقلية في نفس الوقت الذي يرسلها إليه الآخر مهما بعدت أماكن تواجدهما، وهو يدخل ضمن (علم نفس الخوارق) الذي يقول إن هذا الأمر ممكن الحدوث فالعقل يمكن أن يتصل بعقل آخر دون وساطة مادية.

العلم لا يتوقف عند مرحلة الرصد بل يتخطاها إلى محاولة التفسير وكشف الأسباب، ولذا فقد اتجهت موسوعات الطب النفسي القديمة للتعليق  على حالة “التخاطر عن بعد” بالقول: “يعيش الإنسان في عالمين، العالم الحسي والعالم الروحي، فالعالم الحسي تسيطر عليه الإدراكات الحسية، كالسمع والبصر والذوق واللمس والشم، أما العالم الآخر فهو العالم الروحي أو عالم اللاوعي، فتسيطر عليه أبجديات غير معروفة ويتخبط العلماء في فك رموزها، وكلا العالمين يعيشان جنبا إلى جنب في حياة الناس ويطغى بعضهما على بعض حسب طبيعة الشخص ومقدراته الروحية والحسية، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها والعوامل المؤثرة التي يخضع لتأثيراتها، فالتواصل مع الآخرين عن طريق التخاطر، يحدث عندما يهيمن عالم الاستشفاف على عالم الحس، (أي انخفاض قدرات عالم الحس وانكفاؤه)، ولا علاقة بين القدرة اللاحسية من جهة والذكاء وبين الأمور الغيبية من جهة أخرى.

ومن علم النفس لعلم الفيزياء مرة أخرى فقد كتب “سيمون رفائيل”- وهو عالم فيزياء أمريكي من أصل إيطالي، في عام 1972 – ما هو أشبه بنظرية حول ما يدور بعالم “التخاطر”.

فأشار إلى أن جميع العمليات التي يقوم بها عقل الإنسان يصدر عنها كمية معينة من الطاقة يمكن تمييزها عن غيرها بالقدر الذي تسمح به إمكانيات الأجهزة المستعملة حاليا، والأمر كذلـك يمكن تمثيـله بجهاز يـقوم بـإرسال إشارات كهرومغناطيسية لها مدلول معين يقوم جهاز آخر باستقبال هذه الإشارات وحل شفرتها ومعرفة مدلولها، وجهاز الاستقبال هذا هو عقل الإنسان الآخر الذي وهبه الله القدرة على الشعور بهذه الموجات واستقبالها وترجمتها عقليا إلى الأفكار التي ترد في عقل الأول، فالتخاطر الذهني هو عبارة عن إرسال والتقاط الموجات الكهرومغناطيسية بين الأفراد أو هو عبارة عن موجات فكرية تنبعث من الأدمغة المختلفة لتتواصل.

وحسب هذه النظرية فإن الدماغ البشري يصدر أشعة “بيتا” في حالة الاستيقاظ كما يصدر أشعة “ألفا” في حالة التأمل وأشعة “ثيتا” في حالة الاسترخاء وأشعة “دلتا” أثناء النوم العميق، فالتخاطر يتم من دون قصد نتيجة الإيحاءات والتفكير القوي، ولكن مع التطورات العلمية وكثرة الأشعة التي تصطدم بأجسامنا ضعفت قدرات الإنسان بصورة أفقدته قدرته على التخاطر إلى حد كبير.
أما علم البارسايكولوجي (علم الروحانيات) فيقول: الأرواح لها قدرات تخاطبية تخترق عامل الزمن والمكان وترسل شحنات تستطيع أن تستنطق شحنات الشخص الآخر وتفسرها وتعود إلينا تحمل الجواب.

ينصب تفسير تلك القدرات عادة على علاقة “الأم” بـ”ابنها” في حالات الخطر، وفي قصص العشق الاستثنائية، ولدى متبعي الطرق الصوفية وأرباب البوذية والرهبنة وكل من يخضع عقله وروحه لحالة صفاء كامل وتأمل عميق.

إنها ملكة آسرة، يبقى طقسها واحدا أما سرها فغير مكتمل، لا يملكه أحد من البشر.