أثار الإعلامي التونسي المقيم في بريطانيا محمد الهاشمي الحامدي حالة من الجدل الواسع بعد تحوله المفاجئ وانقلابه على كثير من الأفكار التي تبناها في السابق، وفاجأ الهاشمي الذي يرأس قناة المستقلة وتبث من بريطانيا جمهوره بتبنيه لأطروحات مغايرة تماما لما كان عليه في السابق، وتخليه عن القضايا التي طالما دافع عنها باستماتة، فقد انبرى الهاشمي مدافعا عن حلف الثورات المضادة الذي تقوده الإمارات وتدعم من خلاله أنظمة استبدادية في العالم العربي، ومهاجماً دول وهيئات أخرى طالما امتدحها ومجد في حكامها.

الأكل على كل الموائد

وعرف الهاشمي بتقلباته الكثيرة وتحولاته المفاجئة، مما جعل البعض يتهمه بالتلون واللعب علي كل الحبال سعياً لتحقيق المكاسب والحصول علي بعض الامتيازات، فبينما دافع الهاشمي بشراسة عن نظام المخلوع بن علي قبل الثورة، واعتبر أن التونسيين هم من يتحاملون عليه، عاد بعد الثورة ليتحول إلي مدافع عن ثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها في بلده تونس وامتدت لتشمل مصر وليبيا واليمن وسوريا، ثم تبني الهاشمي مواقف مؤيدة لما يعرف بتيار الإسلام السياسي وداعميه ، ثم ما لبث أن تحول مؤخرا إلي مهاجم شرس لهذا  التيار معتبرا إياهم في كفة واحدة مع ” الصهاينة ” والصفويين” على حد تعبيره.

الهاشمي الذي بدأ حياته ناشطا معارضا في صفوف الحركة الطلابية التابعة لحركة النهضة التونسية، سرعان ما تحول إلي أحد أشد المنافحين عن نظام بن علي، ما جعله  يظهر في  لقاء مع راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة اللاجئ في بريطانيا آنذاك، على قناة الجزيرة ضمن إحدى نُسخ برنامج “الإتجاه المعاكس”، واستمات الحامدي في الدفاع عن خيارات بن علي، بل وأقسم أن الرجل يريد الخير لتونس وأنه ما أراد إلا حمايتها من “أعدائها الخارجيين” علي حد تعبيره.

لكنه عاد لاحقا بعد نجاح ثورات الربيع العربي وأيدها، وعرف بنقده الشديد لحكم آل سعود وممارسات السعودية والإمارات، وأطلق تغريدات انتقد فيها سياسيات ابن سلمان “الخرقاء”، قبل أن ينقلب مجددا على قطر والثورات العربية.

 

متناقض ومتلون .. سابح بذيل جميع التيارات !

متناقض ومتلون .. سابح بذيل جميع التيارات !إليكم قصة التونسي "محمد الهاشمي الحامدي"..

Publiée par ‎العدسة The Lens‎ sur Jeudi 14 mai 2020

 

أشرف السعد وقناة المستقلة 

ويرتبط اسم الهاشمي بقناة المستقلة التي بدأ بثها في 1999 وتعتبر إحدى أكثر القنوات المثيرة للجدل في الوطن العربي نظرًا لرضوخها لضغوطات خارجية من أجل عدم إثارة مواضيع معينة كما اعترف محمد الهاشمي الحامدي نفسه بذلك.

وكانت القناة في بداية تأسيسها تعاني من نقص واضح في الإمكانات فكانت تبث ساعتين أسبوعيا كل أحد على قمر أطلس سات، وكانت تخصص برامجها لاستضافة معارضي نظام بن علي وكثيرا من الحقوقيين والصحافيين الجريئين وكشف فظاعات انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، لكن في عام 2002 تغير الخط التحريري للقناة نهائيا وصارت موالية تماما لنظام بن علي ولعدد آخر من الأنظمة العربية الفاشية، وسخّرها الحامدي حتى قيام الثورة لخدمة نظام بن علي وتلميع وجهه.

ووفق تقارير صحفية، فإن سر تحول الحامدي لدعم بن علي هو هدية مالية ضخمة من وكالة الاتصال الخارجي التي أنشأها عبد الوهاب عبد الله وزير بن علي المقرّب لشراء ذمم الصحفيين، وأثبتت وثيقة مسربة إبان الثورة التونسية حصول الحامدي على 150 ألف دولار سنويا من وكالة الإتصال الخارجي كدعم لقناته “المعارضة” لبن علي، ليتم تدجينها وتحولها 180 درجة.

وبالتبعية، تتلون القناة باستمرار وفق تلون الهاشمي الحامدي نفسه، ويعتبر المثير للجدل أشرف السعد من أبرز الضيوف الدائمين على القناة.

وتخاصم الهاشمي مع أشرف السعد في البداية، لكنه عاد وأصبح صديقه المقرب والمفضل الأول وعادة ما يظهر السعد معه لتزكية السيسي والجيش المصري والتبرير لهم، كما يبرران معا في وصلات نفاق مشتركة حرب السعودية في اليمن والتدخل المصري الإماراتي في ليبيا والعديد من ملفات وقضايا المنطقة والسمة المشتركة بين هذه القضايا هي أن موقفهما واحد وثابت من الدعم المتواصل لمعسكر الثورات المضادة بقيادة الإمارات والسعودية ومصر.

شهادات فاضحة للمرتزق 

وفي شهادته لتحول الحامدي، يقول السياسي التونسي سليم بوخذير: “ما أعرفه ومتأكد منه أن الإعلامي والسياسي الهاشمي الحامدي كان مناضلا شرسا ضد دكتاتورية النظام ولكن إلى غاية بدايات سنة 2002 فقط حسب ما أذكر حيث انسحب من مشهد المعارضة إلى مشهد الموالاة لبن علي ومساندته إلى غاية 14 جانفي 2011 تاريخ فرار الدكتاتور”.

ويتابع أن الحامدي رجل تتغيّر مواقفه بتغيّر التاريخ والجغرافيا فلا عجب اليوم في أن يصفه متابعون للشأن السياسي بأنه كالوادي الجارف الذي لا يستقر على حال، ولا غرابة في تباين مواقفه ضدّ قطر فجأةً بعد أن كان سائرا في ركابها.

أما المفكر التونسي عادل بن عبدالله فيقول: “الهاشمي الحامدي هو نموذج للشخص الذي لا معوّل عليه في أي قضية مهما كان نبلها، قضيته الوحيدة هي إثبات ذاته والتصدر للناس، أما المبادئ والقيم والقضايا الكبرى فهي مجرد آلات لخدمة غاية مفردة ألا وهي الهاشمي الحامدي”.

ويتابع: تقلبات الحامدي هي تقلّبات منطقية إذا ما ربطناها بالقيمة الوحيدة التي تحكم الدكتور كما يحلو لأتباعه أن يدعوه، المصلحة الشخصية التي تتغذى من ترمكزات مؤقتة في خندق ما، ثم تغيير التموقع ونسف الخندق القديم ذاته إذا اقتضت المصلحة الذاتية ذلك، وهو ما يجعل كل توقعاته لا تعكس مبدأ معينا بقدر ما تعكس الرغبة في الإستفادة القصوى من أي ارتزاق ممكن قد يوفره الدفاع عن فكرة ما، أو دولة ما، أو محور إقليمي ما.

وعن انقلابه الأخير على قطو يرى “بن عبدالله” أن الهاشمي الحامدي تلون عدة مرات منذ أن كان مؤيدا لشخصيته السياسية ذات الطابع الإسلامي ثم أصبح بعد ذلك بوقا من أبواق النظام، لتنقلب بعد ذلك على سادتها إبان الثورة ثم تنقلب مرة أخرى على الثورة وتنحاز للثورة المضادة.

ويلخص “بن عبدالله الأمر بقوله: “ببساطة، الهاشمي الحامدي شخصية انقلابية بالقوّة منذ البدء، لأنه لا مبدأ لها، لا يحكمها إلا المصلحة الشخصية، وقطر هي الرابحة لأنها لن تُدافع عن قضية عادلة بشخص مشبوه“.

وهكذا يستمر الهاشمي في ممارسة هوايته باللعب علي كل الحبال، والأكل علي كل الموائد، دون مراعاة لأي مبادئ أخلاقية أو سياسية، وأثبت نجاحا باهرا في التحول إلى بوق من أبواق الأنظمة والثورات والثورات المضادة في تلون متقن للغاية، ولعل شعاره الذي يخجل أن يرفعه علنا لكنه يتعامل بع دوما “أنا عبد من يدفع أكثر”، وحكمته المفضلة هي: “أبيع نفسي لأول مشتر آت”.

شاهد أيضاً:  قصة التونسي “محمد الهاشمي الحامدي”.