ربى الطاهر
شهدت الآونة الأخيرة خلال أيام مضت مع بداية انطلاق مسيرات “العودة الكبرى” استخدام الجيش الإسرائيلي لأسلحة جديدة ومتنوعة ضد الفلسطينيين العزّل المشاركين في المسيرة، إلا أن هذه الأسلحة الجديدة تترك آثارًا فتاكة؛ فالرصاصة الواحدة تنتشر داخل الجسم فتصيب العظام بالتفتت وتترك العضلات والأوعية الدموية والشرايين والأعضاء في حالة تمزّق فتترك الجروح الغائرة والتي تصل بالمصابين في سرعة شديدة إلى الوفاة وهو ما تسبب في ارتفاع عدد الضحايا.
ولعل هذا الأمر يثير التساؤلات حول مدى استغلال إسرائيل لانتفاضات الشعب الفلسطينى لاختبارات أسلحتها الجديدة التي تتاجر فيها عالميًا!
رصاص ينفجر داخل الجسم
فمن أخبر بتلك الآثار الغريبة والفتاكة التي لحقت بالمتظاهرين الفلسطينيين في غزة أثناء مسيرات العودة لم يكن محللًا سياسيًا أو كاتبًا أسيرًا لنظرية المؤامرة، وإنما هو الطبيب أشرف القدرة- الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة- والذي أكد أن جيش الاحتلال يستخدم نوعًا جديدًا من الرصاص الحى الذي تجهله الوزارة فلم تتمكن من تحديد نوعيته، ولكن ما هو واضح ومعروف لها جيدًا هو ما يسبّبه من إصابات تحدث تهتكًا في جسد المصاب وجروحًا عميقة تحدث أضرارًا صحية تؤدي إلى الموت السريع في كثير من الأحيان.
ويضيف القدرة أن هذا النوع من الرصاص لا يصيب جزءًا واحدًا في الجسم، وإنما ينتشر في الجسد بأكمله ويتطلب من الأطباء المسعفين للحالات المصابة به ساعات طويلة داخل غرف العمليات وساعات أطول من المتابعة الطبية المكثفة، بالإضافة إلى فترة طويلة للتعافي، مشيرًا إلى أن أحد المصابين به، والذي استشهد إثر إصابته تلك هو الصحفي ياسر مرتجى، الذي تلقى أحد تلك الرصاصات في بطنه يوم 6 أبريل تسببت في تهتك الطحال والقولون والحالب والكبد، وانتشرت شظايا منها في سائر جسده، الأمر الذي أدى إلى وفاته رغم كل المحاولات التي أجراها الأطباء من التدخل الجراحي بعدد كبير من العمليات الجراحية العاجلة.
وأردف أن هذه الرصاصات عندما تخترق جسد المصاب فإنها تنفجر بداخله فلا تتوقف عند حدود الجزء المصاب فقط، بل تنتشر بباقي الجسد مستهدفه كافة الأعضاء، إضافة إلى إمكانية دخولها من جهة وخروجها من الأخرى، مشيرًا إلى أن هذا الرصاص محرم دوليًا ولكن الصهاينة يستخدمونه بكثافة ضد المشاركين العزل في المظاهرات السلمية.
غاز قاتل
ولم يقف الأمر عند هذه الحدود، فقد ذكر القدرة أن جيش الاحتلال لم يترك وسيلة هجوم على الفلسطينيين العزل حتى أجرم في تحويل مكوناتها، فحتى السلاح الثاني الذي يستخدمه الصهاينة، وهو الغاز المسيل للدموع لم يعد كذلك، فقد استبدل بمادة أخرى نجهلها يتسبب في الإصابة بالاختناق، ومن ثم نوبات تشنج عنيفة وإجهاد عام وقيء وسعال شديد وسرعة في دقات القلب، وقد وصلت المئات من الحالات التي استنشقته إلى المستشفيات والتي عادت إليها مرة أخرى للمتابعة الصحية بعد تدهور حالتها فيما بعد.
وأكد الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أن ما تستخدمه إسرائيل هو غاز خطير مازال مجهول الآثار والأعراض الصحية على المستوى البعيد على صحة المصاب، وقد بثّ بعض النشطاء الفلسطينيين بعض مقاطع الفيديو للحالات المصابة بالغاز على صفحات التواصل الاجتماعي وظهر فيها بعض المتظاهرين المصابين بتشنجات شديدة بعد تعرضهم له.
فهل من المنتظر أن يجرى تحقيق حول هذه الأسلحة المحرمة دوليًا؟ فهذا الطرح غير متاح للنقاش من الأساس، حيث لم يشر إليه أحد أو تبنته إحدى الهيئات الرسمية أو الأهلية للمطالبة بتحقيق من قبل “خبراء دوليين مستقلين” حيث غالبًا ما يقال هذا في مثل هذه الظروف.
وكانت إسرائيل قد استخدمت الفوسفور الحارق في قصف غزة في عام 2014 وتم توثيق ذلك إلا أن ما كان يتم الكشف عن ارتكابه من قبل محققين دوليين، لم يكن له أي مجال للتداول غير سلة المهملات، فلا أحد يحاسب هؤلاء المجرمين عما يرتكبونه فهم دائمًا فوق القانون الذي هو نفسه مليء بالقصور.
أعيرة مطاطية
ولم يكتفِ هؤلاء المجرمون بهذه الأسلحة بل استخدموا أسلحة اخرى ضد هؤلاء المدنيين العزل، ومنها تلك الأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط، والتى بدورها تخترق الجمجمة والصدر فتقوم بدور كبير في تكسيرهما بل تهشيمها.
وأكد الطبيب القدرة على أن أقل الإصابات كانت تلك التي نتجت عن هذه الأعيرة المطاطية من بين أنواع الإصابات الأخرى التي وصلت إلى مستشفيات القطاع، وبرغم ذلك فإنّ معظم الشهداء في مسيرة العودة استشهدوا على أثر تلك الأعيرة التي تسبب تفتتًا وتهتكًا في الأجساد.
وكان الفلسطينيون يجتمعون منذ 30 مارس الماضى من خلال مسيرات العودة الكبرى بالقرب من السياج الحدودي الفاصل بين غزة وإسرائيل، للمطالبة السلمية بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها عام 1948.
إلا أن الاعتداءات الصهيونية على هؤلاء المتظاهرين السلميين حصدت منذ بداية المسيرات 108 شهيداء، بينهم 7 أطفال، بينما وصل عدد الإصابات إلى نحو 12 ألفًا آخرين سواء كان ذلك بالرصاص أو بالغاز الخانق أو بالأعيرة المغلفة بالمطاط منذ بداية المسيرة، وحتى كتابة هذه السطور جاء ذلك في بيان أصدره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان و”مقره جنيف”، ووقعته 20 منظمة دولية.
وكانت وزراة الصحة الفلسطينية قد صرحت مسبقًا في مؤتمر لها أن 105 من المصابين الفلسطينيين يعانون من إصابات خطيرة، جراء تلقيهم لرصاص الجيش الإسرائيلي خلال مشاركتهم في مسيرات العودة، بينما جاء بيان المرصد في وقتٍ لاحق ليؤكد أنّ 300 شخص من إجمالي الإصابات يعانون من إصابات خطيرة.
غزة “مختبر”
إلا أن هناك جانبًا مهمًا لابدّ من طرحه في استخدام إسرائيل لهذه الأسلحة الجديدة المجهولة، هل هو اختبار لفاعلية هذه الأسلحة ولكي تثبت هذه الفاعلية بألادلة الملموسة تجعل من المتظاهرين السلميين الدليل القاطع على جودة منتجها من هذه الأسلحة.. فقد حدث ذلك فعليًا كثيرًا، ولعلّ ذلك يتضح من هذا النقاش الذي قد فتح منذ فترة قصيرة والخاص بالمواجهة الأمريكية الروسية العسكرية في سوريا– بالرغم من عدم حدوث ذلك فعليًا– ولكن الأمر تعلق لحين إثبات فعالية المنظومات الصاروخية الهجومية وكذلك الدفاعية، وسط عمليات حسابية لهذه الأرقام التي ستحققها المبيعات من أرباح حين يتفوق سلاحهم على أسلحة الخصم.
وقد أصدر “معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام” (Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI)، تقريرًا عن مبيعات إسرائيل من السلاح في العالم- وهو الهيئة التى تعتبر المرجع دوليًا في هذا الشأن- قد شهدت نموًا هائلًا يجعلها تحتل المركز الاول عالميًا فى هذه التجارة فقد تخطت حاجز نسبة الـ 55% بين أعوام 2008 و2012 ثم 2013 و2017، وبتدقيق بسيط فانّ ذلك كان يحدث عقب تلك الاعتداءات التى كانت تهاجم فيها غزة وتستعرض فيها مهارتها العسكرية.
وإذا كانت إسرائيل قد خسرت بعض الصفقات كتلك التي خسرتها في تركيا- والتي كانت قد نفذت معها صفقة سلاح بـ320 مليون دولار عام 2009 – وكذلك من خلال التحفظ الأوروبي على إتمام صفقات سلاح معها بسبب الحملات الناجحة التي شنّت ضدها، فإنها قد اتجهت إلى بدائل أخرى من خلال أنظمة ترتكب المجازر أو يحكمها متطرفون فتدخل في معارك مع شعوبها وهو المجال الذي فتح الباب لإسرائيل لتوثق معها علاقات عسكرية تجارية، مثلما هو الحال مع هوندوراس، أو لأسباب أخرى منها الكسب السياسي مثلما يحدث مع الهند تحت رائاسة مودي، والتي أصبحت العميل الأول لمشتريات السلاح من إسرائيليين، حيث تحتل الهند المركز الأول عالميًا في استيراد السلاح من العالم أجمع، بالإضافة إلى بيع إسرائيل أسلحتها إلى بورما “ميانمار”، وقد كشف عن ذلك الفيلم الوثائقي الاستقصائي”المختبر” (The Lab)، والذي أخرجه الصحفي الإسرائيلي يوتام فيلدمان عام 2013 ومدته 60 دقيقة، حيث لجوء إسرائيل إلى تسويق منتجاتها من الأسلحة عبر العمليات العسكرية التى تعتبرها تجربة بشكل مثبت في الميدان.
فهل سنجد من سيتولى محاسبة إسرائيل على تلك الأسلحة التي جعلت من شباب غزة فئران تجارب لاختبارات أسلحة إسرائيل؟!
اضف تعليقا