العدسة – معتز أشرف
شرارة انطلاق الانتخابات الرئاسية التي أطلقتها الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر يوم الاثنين، والتي جاءت بعد ساعات من بيان الفريق أحمد شفيق بعدم الترشح في ذلك الماراثون المثير للجدل، أطلقت الحديث عن جدوى الانتخابات في ظل أزمة سياسية وعزوف جماهيري عن العمل العام وعدم وجود بديل قوي لمنافسة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، ومع برنامج مواعيد انتخابية، يتحدث مراقبون عن تفصيله على غياب المنافسة وعزوف الجماهير، ذلك السبب الذي استدعى مشاركة الجنرال، أهم رجل للدولة العميقة في إدارة الانتخابات في السنوات العشر الأخيرة في الهيئة .
هي المرة الأولى التي تتصدى لها الهيئة الوطنية للانتخابات للعملية برمتها، بعد إشراف قضائي لما كان يسمى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في أعوام 2005 في عهد ما قبل الثورة، ثم عامي 2012 و2014 بعد الثورة والأزمة السياسية، تعرضت فيها لانتقادات جمة في جولتين هما جولة ما قبل الثورة في 2005، وما بعد الأزمة في 2014 ، وترحيب في جولة 2012 ، ولكن ترتيب الجدول الحالي في ظل الظروف الراهنة فتح الحديث المبكر عن تفصيله ورسم جهات أخرى له رغم أن الدستور نص على أنها هيئة مستقلة.
الهيئة الوطنية للانتخابات ولدت من رحم المادة 208 من دستور 2014، وأصدر الرئيس الحالي والمرشح المحتمل قرارا جمهوريا برقم 503 لسنة 2017 بتشكيلها من أعضاء بمؤسسات قضائية وشبه قضائية، وجهاز تنفيذي يشارك فيه جنرال عتيق برئاسة المستشار لاشين إبراهيم محمد، نائب رئيس محكمة النقض وعضوية ممثلين لهيئات عديدة، يفتح الحديث عن استقلالية الهيئة والتدخلات السرية لإدارتها من خلف الستار، كما هي العادة في مصر قبل يناير 2011.
الجدول الزمني التفصيلي للانتخابات الذي حدد شهري أبريل ومايو لإعلان اسم الفائز في الانتخابات في حال الفوز من أول مرة أو الإعادة، رسم الخارطة بصورة واضحة تعبر عن تدخلٍ ما لحل أزمة اللحظات الراهنة للنظام المصري الذي يواجه انتقادات واسعة في الداخل والخارج، واتهامات بغلق أبواب العمل السياسي بعد الازمة السياسية في يوليو 2013، ولا يجد من ينافسه في ظل التكلفة العالية لمواجهة نظام يعصف بكل معارضيه، بحسب تقارير الحقوقيين وبيانات المنظمات السياسية المعارضة له، خاصة من يصفون تواجده بغير الشرعي والانقلابي على نظام الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد.
الخارطة تكشف في أول طريقها أزمة الإقبال الجماهيري الذي سبب صداعا للنظام الحالي قبيل إعلان نتيجة فوزه بجولة الرئاسة في 2014، حيث حددت الهيئة الوطنية للانتخابات 3 أيام كاملة للتصويت في داخل مصر وخارجها، بهدف واضح وهو تضخيم نسب المشاركة، والعمل على حشد أكبر عدد من الناخبين، للرد على اتهامات الخصوم السياسيين بانخفاض شعبية النظام، والتي قدرتها استطلاعات رأي متدوالة بين وسائل إعلام المعارضين للانقلاب، بنسبة 15 % بعد أن كانت 80%.
دخول اللواء رفعت قمصان، مستشار رئيس الوزراء السابق لشؤون الانتخابات، والنائب الحالي لرئيس الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، في هذا المشهد العازف عنه الجماهير، وهو الذي شارك في الإشراف على كافة الانتخابات منذ عام 2005، ولاحقته اتهامات حقوقية كثيرة بالتزوير والتلاعب بقواعد الناخبين، يؤكد ما يصفه مراقبون بأنه الرجل المعتمد في الدولة العميقة في مصر لإدارة الانتخابات، ويكشف عن سيطرة مؤسسات الدولة العميقة على الهيئة الوطنية للانتخابات، خاصة أن الجنرال يحتل منصبا محوريا يمتلك كافة مفاتيح اللعبة خاصة الناخبين لإثبات حضور ضخم بحسب بعض المزاعم المؤسسة على تاريخ الجنرال.
“قمصان” الذي كان أحد قيادات جهاز أمن الدولة – الأمن الوطني حاليا – ومساعد وزير الداخلية، ومدير الإدارة العامة للانتخابات بالوزارة في عهد الوزير الأسبق حبيب العادلي، والمسئول عن انتخابات مجلسي الشعب والشورى التي كانت سببا أساسيا في اندلاع ثورة 25 يناير، هو بكل تأكيد على النحو الحالي يعتبر كلمة سر مهمة للدولة العميقة، تحوز ثقة واسعة في جوانبها، انتفض غاضبا مؤخرا من إشارات خفية لتاريخه، ونفى في تصريحات صحفية إشراف وزارة الداخلية المصرية على تحديث وتنقية البيانات، وهو ما فجر الحديث مجددا عن قاعدة الناخبين والملفات القديمة له، في ظل حاجة النظام الحالي حضورا جماهيريا كبيرا وطرح السؤال القديم مجددا: ” لماذا هذا الرجل؟ ولم كل هذه الثقة فيه؟ وما هو الدور الذي لعبه في الفترات الماضية ورشح من أجله مجددا لإدارة المشهد الانتخابي؟ “.
اللواء رفعت قمصان
مشاركة “قمصان” كانت فجرت أزمة في اللجنة العليا للانتخابات في أول انتخابات في عام 2011، حيث أكد المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس اللجنة العليا للانتخابات وقتها، أن اختياره فى تشكيل الأمانة العامة للجنة- رغم كم الاتهامات والانتقادات التي وجهت إليه لإدارته العملية الانتخابية فى 2010- يأتي من وزير الداخلية بقوة القانون، قائلا: ” أنا ماعرفش اللواء رفعت قمصان على الإطلاق، ولا عمرى شفته، ولا أعلم عنه شيئا، وأنا ماقدرش أقول لترشيح الداخلية لا ».
المسار الثاني في خارطة الجدول الزمني للهيئة التي دشنت أكثر من 30 خطوة لاجرائها في مائة يوم، هو الاكتفاء بمدة 10 أيام كذلك لفتح الترشيح، وهي فترة لا تسمح لأي مرشح رئاسي ينتوي مواجهة الرئيس الحالي بجمع 25 ألف تأييد من 15 محافظة، بحد أدني ألف من كل محافظة، بما يعني- بحسب بعض المراقبين- وضع عراقيل مسبقة ومقننة لإجهاض أي خطوات مفاجئة من أي مرشح مفاجئ في أي وقت، في ظل التلاعب بمصطلح المرشح السري للإخوان في وسائل إعلام النظام، والذي بدأ مع الفريق أحمد شفيق قبل اعتذاره، ثم انتقل إلى د.عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي الأسبق، والحقوقي المحامي خالد علي، المرشح الرئاسي المحتمل، الذي بدأ حملته بمؤتمر عن ضمانات انتخابية يبدو أنها قد لا تتحقق.
مشاركة “قمصان”، صاحب مفاتيح قواعد الناخبين في ظل غياب الإخوان المسلمين – أصحاب القدرة المعروفة في الحشد – في السجون على خلفية الأزمة السياسية، قد نفهم معه كذلك أن مجرد جمع أي مرشح رئاسي للأرقام المطلوبة لدخول السباق من الصعوبة بمكان في ظل العزوف الجماهيري، بالتالي يتحدث كثيرون في مصر، أن الانتخابات مجرد مسرحية أو مبارة بلا جمهور ولا لاعبين على قدر المستوى والمهمة، وهو ما يشير إلى أحد أسباب مشاركة “قمصان” في إدارة الجهاز التنفيذي للهيئة.
هذه القراءة تأتي في سياقٍ فهِمَه الفريق أحمد شفيق، الذي حصل على أصوات 12 مليون مصري في انتخابات شرسة وحية مع الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد في جولة انتخابات 2012، حيث أعلن في بيان قصير عدم ترشحه معللا ذلك بأنه الشخص غير المناسب، وبأن ظروف الوطن غير مناسبة، في ظل العنف والإرهاب، أما الحقوقي خالد على المرشح المحتمل حتى تاريخه، فقد حصل في ظل أجواء حرية غير مسبوقة في الجولة ذاتها على 134 ألفًا و56 صوتًا فقط، ما يعني أن المواجهة التي قللت الهيئة الوطنية للانتخابات أوقاتها باحتراف خاضعة لتحدي صعب ومستحيل، في ظل امتلاك الرئيس الحالي لكل خطوط اللعبة ومنافذ القرار التنفيذي بقوة، على خلفية الحرب على الإرهاب .
أحمد شفيق
عبدالمنعم أبو الفتوح
خالد علي
وبإعلان الجدول الزمني تفجر صراع حاد بين الرافضين للانتخابات والساخطين عليها من جهة، والداعمين لها من جهة أخرى، فالفريق الأول، ومنه سليم عزوز الكاتب الصحفي المعارض، يرى أنه باستطاعة لجنة الانتخابات أن تبدأ في إعلان أن المنافسة صارت محصورة بين “السيسي” والأصوات الباطلة، أما خالد علي – برأيه- فسوف يجدد اللقب :”مرشح سابق”، أما الفريق الثاني ومنه الإعلاميون المحسوبون على النظام الحالي، فيشنون هجوما قاسيا على مثل هذه التعليقات، ويحشدون بضراوة لنزول الجماهير، ومنهم أسما قنديل، مقدمة برنامج “صباح أون” على قناة ON Live، حيث قالت: “اللي مش هاينزل يشارك مايفتحش بقه تاني، ومايجيش ينتقد وضع البلد، ما دام اتخذ قرار بعدم المشاركة”.
هذا الجدل بين الرافضين والداعمين لمشهد الانتخابات، حاولت الهيئة الوطنية للانتخابات رسم صورة مغايرة له، حيث صرحت على لسان المستشار علاء فؤاد، عضو المجلس التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، أن إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها يؤكد مبدأ التعددية وتكافؤ الفرص، فهل ستنجح الهيئة في دورها المرسوم دستوريا؟ أم المرسوم في الغرف المغلقة للدولة العميقة التي أدخلت رجلها القوي في دولاب العمل لتنفيذ المطلوب سياسيا في مثل هذه الظروف الراهنة؟
الكثيرون يتحدثون عن نجاح الهيئة في المسار الثاني تحت رعاية الجنرال رفعت قمصان، لكن البعض لا زال يراهن على انتخابات مثالية تحت إشراف هيئة وطنية مستقلة كما يقولون.
اضف تعليقا