مع اقتراب حرب روسيا وأوكرانيا من الدخول في عامها الأول تكثف الولايات المتحدة جهودها لخنق الاقتصاد الروسي عبر تعزيز التحالف مع شركائها في الشرق الأوسط وعلى رأسهم الإمارات التي تسعى بدورها لتكوين علاقات مع الجانب الروسي وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة.
مطلع الأسبوع الماضي وصل مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية إلى الإمارات العربية المتحدة لتحذير الدولة الخليجية من أن مساعدة موسكو في التهرب من العقوبات المفروضة عليها بسبب غزو أوكرانيا لن يمر بدون عواقب.
وخلال اجتماعاته مع المسؤولين الحكوميين من عدة وزارات في الإمارات العربية المتحدة، ناقش التقى وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برايان نلسون، ناقش “ضرورة التوقف عن مساعدة روسيا وإيران من التهرب من العقوبات الأمريكية”، وشدد في بيان على أن “الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات إضافية ضد من يهربون أو يسهلون التهرب من العقوبات”.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد حذرت في وقت سابق من أن “الأفراد والمؤسسات العاملة في ولايات قضائية متساهلة”، وعلى رأسها الإمارات، يعرضون أنفسهم لخطر الحرمان من التواجد إلى أسواق مجموعة السبع (السبع كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) لممارسة الأعمال التجارية مع الكيانات الخاضعة للعقوبات أو عدم إجراء العناية الواجبة المناسبة ضد التمويل غير المشروع.
ظلت الإمارات على الحياد فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، لم تنحاز للجانب الأمريكي، كما لم تؤيد الجانب الروسي، وبطبيعة الحال لم تنتقد الحرب، وحسب محللون وخبراء فإن الإمارات فضلت الحياد لأنها ترى أن النظام العالمي يتجه نحو قطبية متعددة.
كثفت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية مؤخرًا من أجل الضغط على حلفائها في الشرق الأوسط للتصدي لروسيا و”إضعاف آلة الحرب الروسية”، لكنها لم تحذر علانية أي طرف كما فعلت مؤخرًا الإمارات في خطوة نادرة الحدوث لها دلالات كثيرة عن طبيعة التحالف الحالية ومدى قوته.
في تصريح خاص، قال جوستين والكر، الرئيس العالمي للعقوبات والامتثال والمخاطر في رابطة المتخصصين المعتمدين في مكافحة غسل الأموال: “تحاول الولايات المتحدة بهذا التحذير أن تقول: إذا كنت ستتعامل مع روسيا، فهذا يعني أنك ستفقد التعامل معنا.”
وأضاف والكر أن الولايات المتحدة ترى أن روسيا تتحايل على العقوبات من خلال نقل التجارة عبر بلدان الشرق الأوسط.
تأتي هذه التحذيرات في وقت أصبحت فيه الإمارات العربية المتحدة الوجهة العربية الأولى للمستثمرين الروس منذ بداية الحرب، مع ارتفاع سوق العقارات في الدولة الخليجية مع تدفق الروس إلى دبي وأبو ظبي.
سبق للولايات المتحدة فرض عقوبات على كيانات وأفراد في الإمارات العربية المتحدة بسبب تهربهم من العقوبات، في الآونة الأخيرة، فرضت عقوبات على شركتي نقل جوي مقرهما الإمارات العربية المتحدة لتعاونهما مع شركة إيرانية خاضعة للعقوبات لنقل الطائرات بدون طيار الإيرانية والأفراد والمعدات ذات الصلة من إيران إلى روسيا.
تخضع روسيا بالفعل لوابل من العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، لكن معظم هذه العقوبات هي عقوبات أولية تنطبق فقط داخل أراضي الدولة التي تفرض عقوبات، بمعنى أنه إذا كان بنك روسي خاضعًا لعقوبات أمريكية أساسية، فلا يمكنه العمل في سوق أمريكية، لكن بإمكانه العمل مع بنك إماراتي مثلًا.
غالبًا ما تظل الدول الخاضعة للعقوبات واقفة على قدميها من خلال إيجاد ثغرات لممارسة الأعمال التجارية خارج الولايات المتحدة، وبدورها تسد واشنطن هذه الثغرة من خلال فرض عقوبات ثانوية على الأطراف التي تمارس أنشطة تجارية مع الكيانات الخاضعة للعقوبات – حتى عندما يحدث النشاط خارج الأراضي الأمريكية.
وبالتالي تجبر هذه العقوبات الدول والكيانات على الاختيار بين الدولة الخاضعة للعقوبات أو الولايات المتحدة.
من جانبه قال مسؤول أمريكي كبير لشبكة CNN إن الولايات المتحدة “ستستمر في استخدام سلطاتها وجميع الأدوات التي بحوزتنا للقضاء على التهرب من العقوبات الذي تدعم آلة بوتين الحربية”.
أما عن إمكانية فرض عقوبات “فعلية” على الإمارات، يرى والكر أن هذا الأمر غير مرجح، مشيرًا إلى أنه سيكون “تصعيدًا دبلوماسيًا خطيرًا في التوترات” بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.
استثمرت الإمارات عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، معظمها من خلال صناديق الثروة السيادية، في عام 2020 وحده، قدم المستثمرون من الإمارات العربية المتحدة نحو 45 مليار دولار من التدفقات الاستثمارية إلى الولايات المتحدة، وفقًا لصحيفة ذا ناشيونال التي تدعمها الدولة في أبو ظبي.
تجاوزت التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والإمارات 23.03 مليار دولار في عام 2021، ليكون سادس أكبر فائض تجاري للولايات المتحدة على مستوى العالم مع الإمارات، وتوفر الشراكة الاقتصادية الوثيقة بين الدولتين أكثر من 120 ألف وظيفة للأمريكان، بحسب سفارة الإمارات في واشنطن العاصمة.
كارين يونغ، باحثة في مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، قالت إن الولايات المتحدة من غير المرجح أن تعاقب الإمارات العربية المتحدة علنًا بسبب تعاون البلدين في ملفات أخرى مثل العلاقات مع إسرائيل والطاقة، في المقابل أكدت أن الفوائد الاقتصادية التي تعود على دولة الإمارات العربية المتحدة، من استمرار الأعمال التجارية من الروس مهمة للغاية بحيث أن الدولة الخليجية قد تخاطر بعلاقتها مع الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على مكاسب تجارتها مع الروس.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا