العدسة – ياسين وجدي:

كانت مفارقة درامية ، عندما أعلن التحالف السعودي الاماراتي فتح التحقيق في مجزرة صعدة الأخيرة ، بالتزامن مع وصفه لها بأنها مجرد اضرار جانبية في حافلة متجاهلا العشرات من الأطفال، وسط مطالبات دولية بتحقيق مستقل ونزيه!

“العدسة” رصد ابرز الجرائم التي فتحت فيها التحقيقات من قبل السلطات العربية التي تورطت فيها ، كمصر وسوريا وليبيا ، وخلص أن النتيجة صفر وأن الافلات من العقاب هو سيد الموقف.

“صعدة” شاهدة !

في مفارقة عجيبة ، أعلنت قيادة التحالف السعودي الاماراتي في اليمن فتح تحقيق في مجزرة صعدة ، ولكنها أسمت ما حدث طبقا لوكالة الأنباء السعودية (واس) ” تعرض باص ركاب لأضرار جانبية، نتيجة إحدى عمليات قواته في محافظة صعدة ” رغم الاتهامات القوية الموثقة بارتكاب قيادات التحالف للمجزرة، وفي بادرة غير ايجابية على سير التحقيقات.

جريمة حرب كانت وصف مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي أعربت عن أسفها حيال الغارة، وأكدت أن معظم الضحايا المدنيين في اليمن قضوا جراء غارات نفذها تحالف السعودية والإمارات، فيما أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الضربة الجوية على الحافلة في صعدة؛ ودعا إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في الحادث.

 

التحالف زعم التزامه الثابت «إجراء التحقيقات في كل الحوادث التي تثار حولها ادعاءات بوقوع أخطاء أو وجود انتهاك للقانون الدولي، ومحاسبة المتسببين وتقديم المساعدات اللازمة للضحايا»، وهو ما لم يتم بحسب حقوقيين ومراقبين في الحوادث السابقة والذين ادانوا بشدة غارة التحالف السعودي الإماراتي على صعدة التي استهدفت حافلةَ أطفالٍ في سوق شعبي بمنطقة “ضْحَيَّان”، وخلّفت نحو خمسين قتيلاً معظمهم من الأطفال وفقا للصليب الأحمر، فيما دعت الأمم المتحدة لإجراء تحقيق مستقل بالحادث، وهو ما رحب به الحوثيون.

وبحسب تقارير موثقة فإن مجزرة صعدة ليست الأولى، فهناك العديد من المجازر ومنها : مجزرة مخيم النازحين في منطقة المزرق، بمحافظة حجة في مارس 2015 (  45 قتيلا )، ومجزرة مدينة المخا اليمنية في يوليو 2015 ، ( 65 قتيلا ، منهم 10 أطفال) ومذبحة العرس في سبتمبر 2015، التي قتل خلالها الطيران الحربي، نحو 130 من المدنيين خلال تواجدهم في عرس في منطقة واحجة، ومجزرة منطقة “فج عطان” السكنية في صنعاء في أغسطس 2017 ، ورصدت منظمتا “انقذوا الأطفال” و”قائمة مراقبة الأطفال والنزاعات المسلحة” نحو 160 هجومًا على مستشفيات وموظفين في عام 2017 .

 

 

 

وفي وقت سابق أدرجت الشبكة العالمية لملاحقة مجرمي الحرب العميد أركان حرب عبد السلام الشحي قائد القوات الإماراتية وقائد قوات التحالف في الساحل الغربي لليمن في قائمة المطلوبين للمحاكة بسبب ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في خضم الحرب الدائرة اليمن، وهو ما لم يعترف به التحالف بعد.

كما صنف ممثلو منظمات حقوقية دولية وعربية وليّ العهد السعودي  محمد بن سلمان كمجرم حرب مسؤول عن أكبر كارثة إنسانية في العالم في اليمن، التي راح ضحيّتها آلاف القتلى والجرحى، فضلاً عن ملايين الجوعى، والأمراض الخطيرة التي باتت تنهش البلد الفقير، ومنهم ممثلو المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ومؤسّسة “الحملة ضد تجارة الأسلحة”، وتحالف “أوقفوا الحرب”، والمعهد البحريني لحقوق الإنسان والديمقراطية في بريطانيا، وتجمّع حقوق الإنسان في اليمن.

رابعة والنهضة في مصر !

وفي مصر ، كانت المفارقة أكبر ، حيث أحيل قيادات اعتصام رابعة العدوية والنهضة في مصر إلى مفتي الديار المصرية ، على خلفية اتهامهم بارتكاب المجزرة ومن بينهم د.محمد البلتاجي ابرز قيادات الاعتصام الذي فقد ابنته في المجزرة ، رغم التقارير الدولية والمحلية الحقوقية التي ادانت النظام المصري والجنرال عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقت ارتكاب المجرزة ، وحملته وآخرين في الشرطة والجيش المسئولية الجنائية.

 

النظام حاول تجميل صورته ، ودفع المجلس القومي لحقوق الانسان في مصر، لاصدار تقرير في 2014 ، ينفي التهمة عنه ، ويقلل أعداد الضحايا ، وهو ما رصدته منظمة هيومان رايتس مونيتور ، مؤكدة أن اعضاء المجلس القومي لحقوق الانسان تم تعيينهم من قبل السلطات المصرية الحالية التي اتت نتيجة انقلاب 3 يوليو 2013، فضلا عن أن تقريرهم لم يقم على حقائق جمعها الباحثون اثناء تواجدهم في رابعة العدوية يوم المجزرة او على شهادات محايدة من جميع الاطراف بمن يهم الضحايا وشهود العيان، انما  اعتمد التقرير على تحريات الداخلية وهو امر مخالف للمنطق حيث ان الداخلية متهمة بقتل الالاف من المعتصمين وبالتالي لا يجب ان يعتمد التقرير على تحرياتها.

منظمة هيومان رايتس ووتش من جانبها اصدرت تقريرا موثقا ، أكدت فيه أن رابعة وغيرها من وقائع القتل هي على الأرجح جرائم ضد الإنسانية، وأنه لا عدالة في مصر في سلسلة من الاعتداءات الجماعية المميتة على المتظاهرين، مشيرة إلى أن وقائع القتل الممنهج وواسع النطاق لما لا يقل عن 1150 متظاهراً بأيدي قوات الأمن المصرية في يوليو وأغسطس من عام 2013 ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.

 

كما وصف الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أحداث فض اعتصام رابعة العدوية “رابعة ” بأنها مذبحة ارتكبتها السلطات المصرية بينما لازال المجني عليهم خلف القضبان يحاكمون على جرائم لم يرتكبوها

الاسد الأبن والأب !

وفي سوريا ، لازالت التحقيقات ضد مجهول ، ولازالت المجازر سيدة الموقف ، وبحسب تقارير متواترة وبيانات حقوقية موثقة لجأ نظام بشار الأسد إلى استخدام السلاح الكيماوي المُجرم دوليا ضد الشعب السوري لإجبار المدنيين على مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ما يقرب من 215 مرة منذ بدء الثورة في سوريا عام 2011، ومن أبرزها مؤخرا مجزرة دوما التابعة للغوطة الشرقية بريف دمشق، والهجوم الكيميائي الذي شنه النظام على بلدة خان شيخون بريف محافظة إدلب (شمال) في الرابع من أبريل 2017؛ ما أودى بحياة أكثر من 100 مدني، فضلا عن مئات الإصابات، كما لجأ النظام السوري إلى الكيميائي نهاية 2016؛ لإجبار سكان أحياء شرقي حلب (شمال)، على ترك منازلهم ومغادرة ديارهم.

الأب كان صاحب السبق ، حيث ارتكتب قوات حافظ الأسد خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي العديد من المجازر دون ملاحقة ودون حسم لتحقيقات ومنها : “مجزرة تل الزعتر” و “مجزرة جسر الشغور” و“مجزرة سجن تدمر” ومجزرة حي المشارقة ومذابح سوق الأحد، وبستان القصر، والكلاسة، وأقيول، فضلا عن “مجزرة حماة” كأبشع مجازر حافظ الأسد انتقاما من سكانها كونها شكّلت منذ ستينيات القرن الماضي مركزًا لجماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا.

ورغم كل ذلك ، فإن التحقيق الدولي مرفوض رغم انعدام التحقيقات في الداخل ، وهو ما أعلنه النظام السوري، خلال رفضه لتقرير لجنة التحقيق المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي حمل الحكومة السورية مسؤولية شن هجوم كيماوي بغاز السارين على بلدة خان شيخون في أبريل 2017.

تناقضات “حفتر” !

ورغم تورطه في جرائم الحرب ، قرر اللواء خليفة حفتر فتح التحقيق في عدد من المجازر ومنها في واقعة العثور على مقبرة جماعية بها  36 جثة في منطقة الأبيار الواقعة شرق بنغازي في العام 2017 ، كما قرر إجراء تحريات وصفها بالدقيقة في مقطع مصور متداول في الإنترنت وثّق عملية إعدام ميدانية بحق اثنين من المسلحين في درنة، من قبل مجموعة ترتدي زيا عسكريا في يونيو 2018 ، ولم تعلن النتائج حتى الآن.

 

كما يتستر اللواء المتقاعد حفتر على  محمود الورفلي القيادي البارز في قواته  رافضا تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية؛ مشيرا إلى أن التحقيق مع الورفلي، يجرى داخليا وفقاً للقانون، رغم أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق الورفلي، الذي تتهمه بتنفيذ إعدامات ميدانية لمدنيين ومقاتلين مصابين بين عامي 2016 و2017.

وفي المقابل تلاحق أليات حقوقية وقانونية اللواء خليفة حفتر ومجموعة من قياداته بشأن تورطهم في جرائم حرب وقعت في الشرق الليبي، أمام محكمة العدل الدولية ، بعدما جرى التحقيق في جرائم الحرب في بنغازي؛ اثنان منها في عام 2014 والثالث في 2017 ، فيما طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، في وقت سابق، الحكومة المؤقتة المنبثقة عن برلمان طبرق شرقي ليبيا بالمساعدة على تسليم محمود الورفلي للمحكمة الجنائية الدولية.