وسط صمت عربي وتنديد غربي، شهدت سوريا انتخابات رئاسية من المفترض أن تمنح بشار الأسد فترة رئاسية رابعة لبلد مزقته حرب دامية وغارق في أزمة اقتصادية.

هذه الكلمات لخصت ما أوردته العديد من الصحف الفرنسية التي سلطت الضوء على الانتخابات الرئاسية التي جرت بسوريا الأربعاء 27 مايو/ أيار.

ففي صحيفة “لوموند” قالت الكاتبة لور ستيفان: السباق عقد بين ثلاثة مرشحين لكن صور بشار، الموجود على رأس الدولة منذ أكثر من عشرين عامًا، كانت منتشرة في كل مكان بدمشق، ورافقتها شعارات واضحة كـ: “نختار المستقبل. نختار بشار الأسد”.

لكن النتائج معروفة مسبقا فالمتنافسان اللذان تم اختيارهما للتنافس شكليا، عبد الله سلوم عبد الله، وزير سابق، ومحمود أحمد مرعي، من الجبهة الديمقراطية المعارضة، لن يحظا بأي فرصة للفوز، وفي أحسن الأحوال يمكنهما الأمل في الحصول على مقعد بحكومة المستقبل التي ستشكل عقب تنصيب بشار لولاية رابعة مدتها سبع سنوات.

وأشارت إلى أنه رغم إعلان اللجنة القضائية العليا للانتخابات، تمديد فترة التصويت 5 ساعات إضافية في جميع مراكز الاقتراع، بدعوى الإقبال الكثيف، برزت دعوات للمقاطعة في منطقة درعا مهد الانتفاضة السورية في الجنوب حيث لم تتوقف الاضطرابات منذ أن أبرمت “المصالحة” برعاية روسية عام 2018 بين المسلحين والنظام.

كما أنه في المناطق الكردية الشمالية الشرقية، الخاضعة تحت الحماية الأمريكية، لم يجرى أي تصويت، ونفس الأمر في جزء من محافظة إدلب، في الشمال الغربي حيث تم الاستهزاء بـ “المهزلة” الانتخابية التي رفضتها المعارضة كما انتقدتها الولايات المتحدة ودول أوروبية باعتبارها غير حرة أو عادلة.

رسالة دوما

وأكدت الكاتبة أنه من جهته اختار بشار الأسد مكانًا رمزيًا للتصويت: دوما، في ضواحي دمشق، معقل سابق للمعارضة، أعيد السيطرة عليه عسكريًا عام 2018، كما لو كان يريد القول، وسط الدمار، إن النظام قد نجا من الحرب والانتفاضة باتت شيء من الماضي والمعارضة في المنفى ضعيفة جدا واستبعدت من الاقتراع.

ونوهت بأن بشار الأسد رد من دوما على وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا، الذين نددوا قبل يوم من الاقتراع بإجراء انتخابات ليست حرة أو نزيهة بالقول: “قيمة آرائكم صفر. “

وشددت لور ستيفان على أن رسالة الأسد المدعوم عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا من روسيا وإيران، واضحة وضوح الشمس ومفادها: القرار، كما تقول دمشق، لا يزال في سوريا. 

أما بالنسبة للسكان فهم مستنزفون ببلد غارق في أزمة اقتصادية نتيجة العقوبات الغربية، والفساد واستغلال المناصب، إضافة إلى التأثر بالكارثة المالية التي أصابت لبنان (الرئة الاقتصادية السابقة لسوريا)، والحرمان من معظم موارد الطاقة الواقعة تحت السيطرة الكردية.

صمت عربي

وسلطت كاتبة التقرير الضوء على الصمت العربي تجاه انتخابات الرئاسة السورية وسط تنديد المعارضة والغرب، مبينة أن النظام يستبعد أي رد فعل جديد، فدمشق، مثل عرابها الروسي، تراهن على المشهد الإقليمي، فبقدر ما تكررت الإدانات الغربية، ساد صمت عربي قبل الاقتراع، وما حدث عام 2011 عندما تم تعليق عضوية سوريا بجامعة الدول العربية، يبدو بعيدا اليوم.

وذكّرت لور ستيفان بزيارة رئيس الدبلوماسية الإماراتية، عبد الله بن زايد آل نهيان، لموسكو في مارس/ أذار الماضي، حيث انتقد “قانون قيصر” الأمريكي الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2020، ويعاقب أي شخص أو جهة تتعامل مع نظام دمشق، حيث أعادت أبوظبي فتح سفارتها في دمشق عام 2018.

كما أن إرسال المملكة العربية السعودية، وفدا أمنيا إلى سوريا، مطلع شهر مايو/ أيار، واستقبال وزير سوري عشية الانتخابات، يشير أيضا إلى انعطاف في الموقف.

ونقلت الصحيفة عن خبير سوري القول: “هناك تقارب متوقع، دول الخليج تريد إحباط النفوذ الإيراني في المنطقة، والديمقراطية في سوريا لا تهمها”.

لكن هذا لا يعني أن المصالحة ستكون سريعة، تتابع الكاتبة، وعلى دول الخليج أن تضاعف جهودها حتى تخفف واشنطن قبضتها وتسمح لها بإعادة الاتصال بدمشق. 

وبالنسبة للنظام، هذا الأمر مهم، مع ما يعنيه من دعم مالي، والخطوة الأولى التي يمكن توقعها هي إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية، فهذا السيناريو الذي طرح أكثر من مرة دون أن يتحقق أصبح أكثر إلحاحًا الآن، ورغم أنه خطوة رمزية سيخرج هذا البلد من عزلته.

من جهتها قالت صحيفة “ليبراسيون” إن نتيجة الانتخابات الرئاسية معروفة والسؤال ليس ما إذا كان بشار الأسد سيعاد انتخابه لكن النتيجة التي سينسبها لنفسه، هل هي أكثر من 88٪ كما في الانتخابات الرئاسية التي جرت 2014؟ أو ما يقرب من 98٪ كما في استفتاء 2007؟ أم هل يجرؤ على الذهاب إلى أبعد من والده حافظ الذي فاز بنسبة 100٪ من الأصوات عام 1985؟

وذكرت الصحيفة أن المؤكد هو إعادة انتخاب الأسد على رأس دولة ممزقة، أودى الصراع فيها بحياة مئات الآلاف، وتشريد أو نفي أكثر من نصف السوريين، وسط وضع اقتصادي صعب لا يتوقع تحسنه على المدى القصير، فالجفاف هذا الشتاء يشير إلى مزيد من النقص في الدقيق والخبز في الأشهر المقبلة، كما يشرح جهاد يازجي رئيس تحرير نشرة “سيريا ريبورت” الاقتصادية.

أما فابريس بالانش، أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في “جامعة ليون 2” والمتخصص في الشأن السوري، فأكد خلال مقابلة مع راديو “فرانس إنفو” أنه بالنسبة لبشار، إعادة انتخابه تعني السخرية من الغرب، الذين توقعوا في 2011 أنه خلال أسبوعين سيسقط مثل الرئيسين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي. 

وأكد أن الأسد يدين ببقائه في السلطة للمساعدة التي قدمتها إيران وأيضا روسيا التي تدخلت عام 2015، لكنه اعتمد في الفترة من 2011 إلى 2015 على القوى الداخلية للصمود.

وبرأيه الأسد سيبقى على رأس سوريا ما لم يكن هناك تغيير في النظامين الإيراني والروسي، حيث يعد ابنه الأكبر حافظ لخلافته بعد القضاء على كل المعارضة.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر 1 اضغط هنا

المصدر 2 اضغط هنا

المصدر 3 اضغط هنا