العدسة _ منصور عطية
أحد أبرز القادة السياسيين والعسكريين لميليشيا الحوثي في اليمن، والرجل الثاني فيها، قائد ما يسمى المجلس السياسي الأعلى، لعب دورا محوريا بعد سقوط صنعاء في تعزيز التحالف بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وعُرف بتصريحاته النارية ضد السعودية وتوعده بشن مزيد من الهجمات الصاروخية عليها، وهدد مرارًا بإغلاق الملاحة البحرية في منطقة باب المندب.
كل ما سبق وغيره جعل القيادي الحوثي “صالح الصماد” المطلوب رقم (2) على قائمة التحالف العربي بقيادة السعودية التي رصدت 20 مليون دولار لأي معلومة تؤدي إلى القبض عليه، وذلك قبل أن يُعلن مقتله في غارة للتحالف الخميس الماضي.
وكما كانت مكانته في صفوف الحوثيين، فإن تداعيات مقتله يرجح أن تمتد إلى التأثير على مجريات الحرب المستمرة في اليمن منذ مارس 2015، وبين السلبي والإيجابي على طرفي الحرب تدور تلك التداعيات.
مستقبل غامض للحوثيين
من المؤكد أن يلقي اغتيال الصماد بظلاله بشكل كبير على مجمل المشهد السياسي والعسكري في اليمن، ومن ثم على مستقبل الأزمة اليمنية برمتها، إلا أن ثمة تباينا في تقديرات المحللين بشأن التداعيات والانعكاسات المحتملة لذلك.
بعض المحللين يرون أن يؤدي مقتله إلى مزيد من الارتباك والانهيار في صفوف الجماعة، بما قد يدفعها لتقديم تنازلات سياسية وعسكرية وصولا لتسوية سياسية للأزمة اليمنية، أو بما يساعد قوات التحالف على حسم المعركة عسكريا لصالحها.
يعزز من تلك الرؤية الدور الذي لعبه الرجل في كسب ولاءات القبائل اليمنية وإناء الخلافات داخل معسكر الحوثيين، كما أنه كان يمثل الوجه الناعم لهم، وهي المهارات التي لا تتوفر لأية قيادة حالية في الجماعة.
مقتل الصماد يعد الخسارة الأكبر لميليشيا الحوثي على صعيد القيادات منذ بدء الحرب، الأمر الذي من شأنه إحياء وتيرة الصراع والخلافات داخل الجماعة، وإضعاف معنويات مقاتليها في الجبهات.
في المقابل يرى آخرون أنه لن يكون هناك تأثير كبير لمقتل الصماد على مسار العمليات العسكرية على جبهات القتال بين الحوثيين وقوات التحالف وتلك الموالية للرئيس اليمني، خاصة أنه كان واجهة سياسية أكثر من كونه قائدا عسكريا.
ووفقا لهذا الرأي فإن غياب الصماد سيؤدي إلى “إرباك مؤقت” في صفوف الحوثيين، ربما يتمكنون بعده من لملمة أوراقهم وتأجيج حماس مناصريهم من القبائل المختلفة، على نحو يشعل ثورة غضب تؤدي إلى ارتدادات قوية، تتناغم مع التهديدات التي أطلقها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي والذي توعد السعودية بـ”رد مزلزل”.
وعليه، فإن الاحتمال القائم يقود إلى تسارع وتيرة إطلاق الحوثيين للصواريخ الباليستية صوب الأراضي السعودية، ربما تنفيذا لتهديدات لم ينفك الصماد عن توجيهها حتى قبل مقتله بأيام فقط.
ومن غير المستبعد أن يدفع مقتل الصماد الحوثيين إلى مزيد من التشدد والتعنت في مواقفهم عسكريا وسياسيا وتصعيد عملياتهم العسكرية سواء على صعيد جبهات المواجهة في الداخل، أو خارجيا باستهداف الأراضي السعودية.
أنصار هذا الرأي يرجعونه إلى الموقف المتشدد لمهدي المشاط، الذي عُين خلفا للصماد على رأس المجلس السياسي الأعلى، حيث ينحدر المشاط– صهر زعيم الجماعة – من السلالة الإمامية (عائلة الحوثي) ويوصف من قبل المراقبين بأنه النقيض لكل ما كان يمثله الصماد، وأن تعيينه يمثل نكسة للتيار السياسي داخل الجماعة لصالح التيار المذهبي المتشدد في صفوفها.
نشوة الانتصار “الحذرة”
على قدم المساواة، فإن التحالف العربي بقيادة السعودية يعيش الآن أزهي لحظات النشوة لما حققه من انتصار عسكري على مستوى عال من الأهمية والخطورة.
هذا الانتصار، وما يمثله من تطور نوعي في الجانب المعلوماتي المخابراتي الذي مكّن التحالف من رصد واستهداف الصماد، من شأنه أن تحلق معه معنويات قوات التحالف في السماء.
معنويات قد تقود التحالف إلى مزيد من الاختراقات العسكرية على الأرض، وصولا إلى انتصار كامل واستعادة لزمام الأمور في البلاد، أو فرض واقع يجبر جماعة الحوثي على تقديم تنازلات تحفظ ما تبقى من كيانها وقدراتها.
وربما جاءت عملية الاغتيال في وقتها الصحيح، في ظل تصاعد عمليات إطلاق الصواريخ الحوثية على مناطق متفرقة من السعودية، ووصولها إلى قلب العاصمة الرياض، لتضفي الثقة على عمليات التحالف.
التداعيات المحتملة لمقتل الصماد فيما يخص التحالف قد تتجاوز حدود اليمن؛ فهذا المجتمع الدولي الناقم على ممارسات وانتهاكات التحالف هناك قد يجد فيها عملية ربما تمحو آثار تلك الانتهاكات.
المعسكر الإقليمي المناهض للسعودية، والذي تقوده قطر، قد يجد في مقتل الصماد انتكاسة لجهود بذلها على مدار الأشهر الماضية في التسويق لغارات التحالف على المدنيين وضحاياها المتزايدين والأزمة الإنسانية التي خلفتها.
ولعل هذا يفسره الهجوم الكبير الذي شنه مغردون سعوديون وإماراتيون على قناة الجزيرة القطرية، مدعين أنها تلقت خبر مقتل الصماد بالحزن والأسى.
في المقابل، فإن تلك الحالة المعنوية العالية يواجهها ترقب حذر، ربما تخشى معه قوات التحالف ردات الفعل الحوثية التي يمكن أن تكون غير منضبطة على نحو يضاعف خسائر السعودية، خاصة فيما يتعلق بالصواريخ الباليستية وما يمكن أن تطاله من أهداف حيوية داخل المملكة.
وربما تقلل نشوة الانتصار تدريجيا من كمية الحذر المطلوبة من التحالف للتعامل مع الحدث، على نحو يتفاجأ فيه برد فعل مزلزل يفيقه من خدر النشوة.
من هو صالح الصماد؟
قبل سبتمبر 2014 لم يكن للصماد ذكر على خريطة الأحداث في اليمن، حين عينه الرئيس عبدربه منصور هادي مستشارا سياسيا، ضمن صفقة فرضها الحوثيون عقب اجتياح صنعاء وسيطرتهم على مؤسسات الدولة.
كان واجهة الحوثيين في المفاوضات السياسية محليا وخارجيا، وقد ترأس أول وفد رسمي للجماعة إلى طهران في الأول من مارس 2015، وأعلن عقب عودته عن تنظيم رحلات للطيران الإيراني إلى صنعاء، وتوقيع اتفاقيات مع الحكومة الإيرانية تتعهد بموجبها بدعم سلطة الحوثيين في مجالات الكهرباء والمشتقات النفطية.
ولطالما عُرف قبل ذلك بأنه خطيب جامع الحوثيين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للجماعة ومسقط رأس مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل عام 2004.
كما عمل “الصماد” رئيسا للجنة الثقافية للجماعة، إلى جانب كونه مقاتلا في صفوفها خلال ستة حروب خاضتها ضد القوات الحكومية منذ عام 2004- 2009، ومنذ مطلع 2011 أصبح رئيسا للمجلس السياسي لجماعة الحوثيين التي ظهرت باسم جديد هو “أنصار الله”.
توارى عن المشهد حتى يوليو 2016، بعد الإعلان عن تشكيل مجلس سياسي لإدارة شؤون البلاد برئاسته، بموجب اتفاق بين حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والحوثيين، ليصبح رئيسا بسلطة الأمر الواقع.
وخلال عامين ظهر الرجل باعتباره سياسيا مرنا سعى مرارا لاحتواء الخلافات بين طرفي حكومة صنعاء من الحوثيين وحزب صالح، قبل أن تشتعل الخلافات بين الطرفين، إثر معارك دامت لأربعة أيام وانتهت بمقتل صالح يوم 4 ديسمبر 2017.
عقب مقتل صالح، أصبح “الصماد” رئيس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” (يعد بمثابة رئاسة البلاد، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين)، فيما كانت وسائل الإعلام تتحدث عن خلافات داخل قيادة جماعة الحوثي، بين الصماد، ومحمد علي الحوثي، رئيس ما يسمى “اللجنة الثورية العليا”، وهي لجان حوثية تسيطر على مؤسسات الدولة عبر مندوب في كل مؤسسة يسمى “المشرف”.
اضف تعليقا