العدسة – معتز أشرف
ضغوط داخلية وعقوبات أمريكية.. أوقعت إيران بين فكي الكماشة، لكنها أعلنت عبر أبرز قادتها المواجهة.
بين هذا وذاك، هل تستطيع إيران تخطِّي هذه المرحلة والإفلات، أم تتراجع أمام الضغوط؟
نرصد المشهد ونستشرف القادم.
خلق تحدٍّ!
من البيت الأبيض إلى عصيان البازار الكبير، ضغوط كثيرة دفعت النظام الإيراني إلى “خلق تحدٍّ” عبر تصريحات لأهم أربع شخصيات في المواجهة، حيث حاول الرئيس الإيراني حسن روحاني، في كلمة متلفزة، الثلاثاء، طمأنة الشعب على الأحوال الاقتصادية في البلاد، وأشار “روحاني” إلى أن “القلق الحالي تخلقه وسائل إعلام الأعداء”، داعيًا الإيرانيين إلى التمسك بالأمل والثقة، مؤكدًا أن “الاحتياجات اليومية للسكان ستكون مضمونة في جميع الظروف”.
وفي ظل أجواء من الاستياء حيال الوضع الاقتصادي، دعا “روحاني” في كلمته للإيرانيين إلى الاحتفاظ بـ”الثقة” و”الأمل”، وقال في مناسبة المؤتمر السنوي الذي تنظمه السلطة القضائية، إن “وسائل الإعلام، والأساتذة الجامعيين، والخطباء، والحوزات، كل أولئك الذين يتحدثون في العلن؛ البرلمان، والنظام القضائي، جميعهم يجب أن يضموا جهودهم إلى جهودنا، وأؤكد لكم أنه إذا تمكنا من الاحتفاظ بهاتين الميزتين، وهما أمل وثقة (الشعب)، فيمكننا الانتصار على كل المشاكل”.
ودخل مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي على خط الأزمة، ودعا القضاء في بلاده إلى “التصدي لمن يكدرون” الأمن الاقتصادي، في حين طالبت قيادة الحرس الثوري الإيرانيين بمساعدة الحكومة على تجاوز المشكلات الاقتصادية.
وقال “خامنئي” خلال لقاء مع مسؤولين في السلطة القضائية: “يجب تأمين المناخ من أجل عمل وحياة ومعيشة المواطنين، وعلى القضاء التصدي لمن يكدرون الأمن الاقتصادي”.
من جهته، دعا القيادي في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال يحيى رحيم صفوي، جميع الإيرانيين إلى مساعدة الحكومة في التغلب على المشكلات الاقتصادية.
وقال “صفوي”- وهو أيضًا مستشار كبير لـ”خامنئي”- محاولًا تعبئة الجماهير في مواجهة أخرى: “من واجبنا جميعًا أن نعمل معًا لمساعدة حكومتنا الموقرة وبقية الفروع الحكومية في حل المشكلات الاقتصادية، يجب أن نحبط خطط العدو للحرب الاقتصادية والعمليات النفسية”.
وفيما بحث النواب في مجلس الشورى، في جلسة مغلقة، التقلبات بسوق العملات واحتجاجات البازار، أکد أمین المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، على أن حلم أمريكا ضد إيران لن يتحقق أبدًا، وصرح “شمخاني” أن حلم أمريكا لتحويل الاتفاق النووي إلى قلعة للحد من الأنشطة النووية المشروعة، وفرض العقوبات الغاشمة ضد إيران لن يحقق شيئًا على الإطلاق.
وأضاف -بحسب وكالة الطلبة الإيرانية “إسنا“– أن الحرب الناعمة هي أداة ضغط للبلدان المهيمنة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، للانصياع أمام الضغوط الاقتصادية والسياسية.
تحريض واسع!
وسط تهديدات أمريكية صريحة بالعمل على ضرب النظام الإيراني من الداخل، جاء البازار الكبير في طهران، الداعم التقليدي للنظام السياسي، ليثير شكوكًا واسعة في الهدف من إضرابه النادر منذ الاثنين، احتجاجًا على التدهور المستمر في قيمة العملة الوطنية، والعقبات أمام النشاط الاقتصادي، خاصة أن تجار البازار حمّلوا السلطة مسؤوليته.
الأمر زاد التهابًا، خاصة في الصحف المناوئة لإيران، مع بدء مواجهات محدودة بين متظاهرين شباب والشرطة في وسط العاصمة، واستغلت المنابر الأمريكية الأزمة، وأبرزت تواصل الاحتجاجات في إيران، وقالت -في ظل صمت إيراني- إنها امتدت من العاصمة طهران إلى مدن أخرى، الأربعاء، وسط استمرار ارتفاع الأسعار وفوضى صرف العملات في البلاد.
وقال “موقع الحرة” الأمريكي البارز: أقدم تجار على إغلاق محالهم التجارية احتجاجًا، بالإضافة إلى مشاركتهم في تظاهرات انتشرت في مناطق أخرى بينها تبريز وجزيرة قشم، وانتشرت صور ومقاطع فيديو جديدة في مواقع التواصل الاجتماعي لهذه التظاهرات”.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، لم يستطع الصبر، وأطلق قذائف حرب الأعصاب، قائلًا: “إن النظام “الفاسد” في إيران يهدر موارد البلاد على نظام بشار الأسد وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والحوثيين في اليمن، في وقت يعاني فيه الشعب”.
وكتب “بومبيو” في تغريدة تعليقًا على موجة الاحتجاجات التي تشهدها مدن إيرانية لليوم الرابع على التوالي: “يجب ألا يفاجأ أحد إذا استمرّت المظاهرات؛ فالإيرانيون تعبوا من الفساد والظلم وعدم الكفاءة في قادتهم، العالم يسمع صوتهم”.
ويتعرض “روحاني” المحافظ المعتدل -الذي انتخب رئيسًا العام 2013، وأعيد انتخابه العام 2017، بدعم من الإصلاحيين- لهجوم عنيف منذ أسابيع عديدة من جانب المعسكر المحافظ المتشدد، عبر مقالات أو افتتاحيات الصحف أو خطب لأئمة في بعض المدن.
موقع “العربية” السعودي، كشف عن أمنيات نظام “بن سلمان” مبكرًا، وقال في تقرير تحريضي له بعنوان “احتجاجات إيران.. إضراب “بازار طهران” يذكر بسقوط الشاه”: إضراب بازار طهران عام 1979، وهو نبض الاقتصاد الإيراني، كما يطلقون عليه، كان من بين العوامل الرئيسية في سقوط حكم الشاه، حيث أسهم كثيرًا في خروجه من البلاد دون عودة.
تغطية قناة “سكاي نيوز” الأمريكية، كانت في نفس الإطار، ففي تقرير تحت عنوان: “إيران.. انتفاضة البازار ترعب النظام وتهدد بقصم ظهره”، وقالت: “في خطوة غير مسبوقة منذ 4 عقود، خرج تجار أكبر الأسواق الإيرانية في طهران متظاهرين ومضربين عن العمل، ولسان حالهم يقول: “ما أشبه الليلة بالبارحة!”، فها هو “البازار الكبير” الذي لعب دورًا حاسمًا في ثورة 1979 يعود من جديد إلى المشهد، معلنًا انتفاضته على أوضاع اقتصادية خانقة سببتها سياسات الملالي”.
وأضاف موقع القناة في تحليل له: “يعكس التعامل العنيف والقمعي للشرطة الإيرانية – مع احتجاجات وإضرابات كبار تجار إيران، المستمر منذ الاثنين الماضي- خوف النظام مما تحمله انتفاضة “بازار طهران الكبير”، الذي يقع في القسم الجنوبي للعاصمة، من رسائل تحذير قد تطيح بالمرشد ومجالسه الحاكمة، مثلما حدث وأطاح الشاه محمد رضا بهلوي”، فيما توقع أن “استمرار تظاهرات وإضرابات التجار سيشل الحياة الاقتصادية”، مؤكدًا أنه “ليس أمام نظام إيران إلا التراجع”.
ونقل الموقع تطورًا لافتًا في البرلمان يبدو أنه معد له جيدًا، حيث رصد تصريحات العضو الإصلاحي عن مدينة كاشمر (في محافظة خراسان) بهروز بنيادي، وذلك بالتزامن مع الاحتجاجات التي تجتاح البلاد بعد انهيار الريال الإيراني، والتي يندد فيها ببشار الأسد وبـ “الانحطاط الأمني” والفساد المستشري.
مواجهة مفتوحة
مؤشرات الأيام المقبلة تتحدث عن مواجهة مفتوحة لن تتوقف، وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية، بعد يوم من انطلاق شرارة الغضب في البازار: إن الولايات المتحدة تحث دولًا على وقف واردات النفط الإيراني، اعتبارًا من نوفمبر المقبل، وأنها لن تمنح أية استثناءات من العقوبات، في موقف متشدد تقول إدارة “ترامب” إنه يهدف إلى قطع التمويل عن إيران، وذلك في ضربة جديدة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو، انسحاب إدارته من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين إيران وست من القوى العالمية.
في المقابل، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي بالتزامن مع إضراب البازار وتهديد أمريكا، أن إيران قدمت شكوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتوقيف أمريكا ملیاري دولار من أموال البنك المركزي، قائلًا إنه سیتم دراسة هذا الموضوع في اجتماع قد ینعقد ما بين 8 إلى 12 أکتوبر، كما أكدت إيران استحالة إنهاء واردات النفط الإيرانية بحلول 4 نوفمبر المقبل، موضحة- وفقًا لوكالة “رويترز”- أن قطع إمدادات النفط الإيرانية من السوق العالمية لن يحدث بسهولة.
ووفق نظرية الهروب لأعلى، كما يتحدث مراقبون، أعادت إيران فتح محطة نووية متوقفة عن العمل منذ 9 سنوات، مع استعدادها لزيادة طاقة تخصيب اليورانيوم، بعد انهيار الاتفاق النووي مع القوى الكبرى إثر انسحاب الولايات المتحدة منه، وذلك بقرار من المرشد الأعلى علي خامنئي.
ووفق پاتريك كلاوسون، مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والمقرب من دوائر صنع القرار الأمريكي، يتمتع الإيرانيون بخبرة كبيرة في التعامل مع العقوبات، وأصبحوا ماهرين في إيجاد حلولٍ جديدة عندما لا يجدون سبيلًا إلى الحلول القديمة، خاصة أن التصريحات العلنية للقادة الإيرانيين تشير إلى أنهم واثقون تمامًا من أن الإجراءات الأمريكية الجديدة ستكون مصدر إزعاج وليس أكثر من ذلك، فيما تواجه واشنطن التحدي المتمثل في إقناعهم بأن العقوبات ستفوق ما هو متوقَّع، وستزداد بمرور الوقت.
اضف تعليقا