الاحتجاج السلمي يهدد إسرائيل أكثر بكثير من الصواريخ والتفجيرات، لأنها ببساطة لا تستطيع بناء قبة حديدية ضد الرأي العام والتضامن العالميين.

 

خلال العقود الثلاثة الماضية، شهدت فلسطين انتفاضتين كبيرتين ضد الاحتلال الإسرائيلي، اندلعت الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة في أواخر الثمانينيات، والثانية كانت في الداخل المحتل، بعد فشل قمة كامب ديفيد في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية في تموز / يوليو 2000.

 

استمرت الانتفاضة الأولى ست سنوات قُتل حلالها أكثر من 2000 فلسطيني، فيما استمرت الثانية خمس سنوات قُتل فيها 3500 قتيل فلسطيني.

 

اليوم، ومع حملة التطهير العرقي الإسرائيلية المستمرة في القدس الشرقية، والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والغارات العنيفة على المسجد الأقصى، والقصف الأخير لغزة – الذي خلف 254 قتيلاً فلسطينياً، من بينهم 68 طفلاً، يرى الخبراء أن شرارة الانتفاضة الثالثة قد اشتعلت.

 

إذا كانت هناك انتفاضة جديدة جارية، فإنها تكون أو ستكون على عكس الانتفاضات التي سبقتها، هذه المرة يقود المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري جيل الشباب من الفلسطينيين الذين لم يفقدوا فقط الثقة في المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولكن أيضاً فقدوا الثقة في الأحزاب السياسية والسلطات المحلية.

 

لقد تعلم هذا الجيل الشاب أنه بينما يمنحهم القانون الدولي الحق في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي باستخدام العنف أو “بأي وسيلة ضرورية”، فإن المقاومة العنيفة لم تؤد إلا إلى إراقة الدماء لآبائهم وأجدادهم، وإقامة مزيد من الحواجز العازلة، وجدران الفصل العنصري في الضفة الغربية، والسياج الفولاذي المحيط بغزة، فضلاً عن توسيع المستوطنات اليهودية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية المسروقة.

 

على هذا النحو، فإن هؤلاء الشباب لا يخرجون إلى شوارع القدس ورام الله تحت راية الأحزاب السياسية أو الشخصيات الدينية المتطرفة، ولكن تحت راية الوحدة الوطنية الشعبية.

 

هذه هي “انتفاضة الوحدة” (المعروفة أيضاً باسم الأمل والكرامة)، التي يقودها الجيل الذي ولد معظمه بعد 1996، هؤلاء الشباب الفلسطينيون لا يستمدون الإلهام فقط من حركات التضامن العالمية، مثل Black Lives Matter (BLM) ، ولكن أيضًا قادة الحقوق المدنية الأمريكية، بما في ذلك مارتن لوثر كينغ  (MLK)، الذي جادل بأن “المقاومة غير العنيفة” هي أضمن طريقة في الكون نحو العدالة.

 

في مقال صدر عام 1956، أوضح كنغ خمس نقاط عززت استراتيجيته للمقاومة السلمية، قائلاً: يجب أن يسعى المحتجون للحصول على الحقوق المدنية “باستمرار لإقناع الخصم بأنه مخطئ”، “إن عدم التعاون والمقاطعة ليسا غاية في حد ذاته، بل مجرد وسيلة لإيقاظ الشعور بالعار الأخلاقي لدى الخصم”؛ “إن التوتر ليس بين أبيض وأسود، بل بين العدل والظلم”، “إن الانتقام بالكراهية والمرارة لن يفعل شيئًا سوى تكثيف الكراهية في العالم”؛ وأنه يجب على الجميع “الاقتناع بأن الكون في صف العدالة”.

 

اليوم، تعتمد حركة Black Lives Matter ، -حياة السود مهمة- التي يطلق عليها غالبًا “الانتفاضة الأمريكية”، على إرث كينغ من خلال دعوة جميع الأشخاص المحرومين من جميع الخلفيات إلى الاتحاد في احتجاج غير عنيف ضد الظلم والتمييز العنصريين، وبالتالي، فمن المعقول أن نستنتج أن مقاربة “انتفاضة الوحدة” الفلسطينية مستوحاة من تراث كينغ وحركة BLM.

 

ليس من المستغرب أن يردد بيان “انتفاضة الوحدة” صدى عقيدة كنغ “الخمس نقاط” للاحتجاج السلمي، حيث يؤمن شباب هذه الانتفاضة بأن “هذه الانتفاضة الطويلة هي في جوهرها انتفاضة للوعي”، وعي عالمي بأن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تكون قائمة على التمييز العنصري، ولا يمكن لمجموعة واحدة فقط أن تحافظ على هيمنة وحشية ومنهجية على مجموعة أخرى من دين أو عرقية مختلفة مدعية أن هذا “دفاعًا عن النفس”.

 

“هذه انتفاضة من صدور عارية وجباه مكشوفة.. مسلحة فقط بأهداف ثورية ومعرفة وفهم عميقين وكدح تنظيمي والتزام كل فرد وجماعة في مواجهة رصاص الاحتلال الإسرائيلي أينما أطلق”.

 

يقول كاتب العمود اليهودي الأمريكي بيتر بينارت، “إن محنة الفلسطينيين والأمريكيين السود متشابهة جداً حيث تعيش المجموعتان تحت سيطرة دولة تحرمهما من الحقوق المتساوية”.

 

في الولايات المتحدة، يُقتل الأمريكيون من أصل أفريقي على أيدي ضباط الشرطة الأمريكية مع ضمان الإفلات من العقاب، وفي الأراضي المحتلة، يمكن قول الشيء نفسه عن العلاقة بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية.

 

في مقال حديث لـ Vox ، يشرح راسل ريكفورد كيف أصبحت المنظمات الأكثر تقدمية والشبابية تتبنى التحرير الفلسطيني كعنصر أساسي في أجندتها العالمية، مضيفاً بأنه في حين أن “التضامن لا يتم تحديده سلفًا أبدًا”، إلا أنه يستمد الأمل “من الأدلة المتناثرة التي تشير إلى انتشار روح التمرد في كل مكان تقريباً”.

 

ويستشهد ريكفورد بالجماعات التي أدلت بتصريحات علنية تندد بجولة العنف الإسرائيلية الأخيرة ضد الفلسطينيين – مثل Black Lives Matter of Paterson، New Jersey ودعواتها لإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل – كدليل على هذا التحالف الناشئ بين الولايات المتحدة، ومنظمات الحقوق المدنية و “انتفاضة الوحدة”.

 

من خلال هذه التحالفات التضامنية يمكن للفلسطينيين ممارسة ضغوط هائلة على إسرائيل لأن لا شيء يهدد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري أكثر من المقاطعة وتآكل الدعم السياسي في جميع أنحاء العالم، وخاصة داخل الولايات المتحدة.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا