العدسة: غراس غزوان

 تتوسع دائرة الاعتقالات في المملكة العربية السعودية وتكبر يوما بعد يوم ككرة ثلج تتدحرج في ظل موجة الاعتقالات التي لم تفرق بين عالم دين أو أمير أو رجل أعمال.

هذه الاعتقالات واكبتها انتهاكات حقوقية بالجملة بحق أغلب من قامت السلطات في المملكة باعتقالهم والتي بدأت بعلماء الدين وانتقلت سريعا لتصل في ذروتها إلى كبار رجال الدولة من رجال أعمال وأمراء وشخصيات كانت يوما تدير القصر.

تلك الانتهاكات جعلت المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والدولية تنتفض في وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يقف وراء تلك الحملة.

سحق المعارضة

الفيدرالية الدولية للحقوق والتنمية قالت: إن الاعتقالات الأخيرة تعكس بشكل كبير طريقة تعامل المملكة مع المعارضة السياسية والدينية، مدللة على ذلك بوجود سجل حافل بانتهاكات المملكة لحرية التعبير، وأن الاعتقالات الأخيرة جاءت لتؤكد أن الأمور تزداد سوءا.

وأعربت الفيدرالية الدولية التي تتخذ من روما مقرا لها، في بيان صحفي، عن خشيتها من أن يكون الهدف الحقيقي لحملة الاعتقالات التي طالت عددا من كبار الأمراء ووزراء سابقين وعددا من كبار المسؤولين ورجال الأعمال المعروفين هي سحق لأي معارضة للنظام، خاصة وأن تلك الاعتقالات جرت من دون سند قانوني واضح، وتفتقر لأبسط الإجراءات القضائية الواجب اتباعها.

ولم تخف الفيدرالية مخاوفها من أن تكون الإجراءات الأخيرة تتم بدوافع تصفية الحسابات، وأن تتجاوز ما أعلنت عنه المملكة- من أن الحملة الهدف من ورائها هو مكافحة الفساد، “وهو المبرر الذي أعلنته السلطات- إلى التخلص من أي معارضة محتملة للنظام الحاكم وقمع وتغييب الأصوات المخالفة له.

” الوليد بن طلال “

” متعب بن عبد الله “

 

” صالح كامل “

بداية لحملة أكبر

وحذرت الفيدرالية الدولية من أن تكون حملة الاعتقالات الأخيرة بداية لتصعيد أكبر لحملات قمع المعارضين أو المخالفين لتوجهات النظام، وهو الواقع الذي يسود أصلا في المملكة منذ سنوات طويلة، وسط توثيق حقوقي متكرر لحالات انتهاك للحريات العامة، والاحتجاز التعسفي من دون سند قانوني.

ودعت المنظمة المملكة لإيجاد ضمانات لسلامة المحتجزين، بالإضافة إلى مطالبتها باتباع الإجراءات القانونية والقضائية وعدم تعريض المعتقلين للتعذيب أو الأذى، مع ضرورة تدخل المنظمات الحقوقية الدولية لضمان حماية حقوق الإنسان في المملكة، والضغط لمنع أي انتهاكات جديدة.

غير قانونية

المنظمات الحقوقية أكدت على أن الاعتقالات الأخيرة لم تتم وفق قرارات قضائية مختصة، وهو ما أكدته المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان في بيان لها.

وقالت المنظمة: إن الأنباء الواردة من المملكة، والتي ماتزال محل التحقيق، تؤكد أن المعتقلين لم يحتجزوا في أماكن الاحتجاز الطبيعية، وطالبت السلطات السعودية بالتوقف عن الانتهاكات التي وردت أنباء بشأنها ضد المعتقلين وأماكن احتجازهم.

ولفتت المنظمة إلى أن الكثيرين لا يرون في هذه الاعتقالات سوى غطاء للتخلص من المعارضين، تمهيدا لتسليم ولي العهد مقاليد البلاد.

انتفاضة حقوقية ضد قرارات "بن سلمان" لسحق المعارضة

” بن سلمان “

محاربة الفساد تكون عبر المؤسسات

ويرى يحيى عسيري رئيس منظمة القسط لحقوق الإنسان أن محاربة الفساد الحقيقية تكون عبر مؤسسات المجتمع المدني، وعبر حضور شعبي حقيقي، وهو ما لا يتوفر للنظام السعودي، مشيرا إلى أن ما يحصل في المملكة مجرد وعود لم يتم تنفيذها.

وخلال لقاء مع قناة الجزيرة أشار “عسيري” إلى أن السلطة الحاكمة في المملكة متفردة ومستبدة، تأخذ قراراتها وحدها، ولا يوجد عليها أي ضمانات أو رقابة.

وأبدى “عسيري” تحفظه على قرارات الاعتقال، مشددا: أن على السلطات السعودية، إذا كانت جادة في مكافحة الفساد، أن تشرك المجتمع في محاربته عبر برلمان منتخب.

وتساءل رئيس منظمة القسط عن قيام محمد بن سلمان بإزاحة عدد من رجال الأعمال الذين وصفهم بـ ” الفاسدين” مثل الوليد بن طلال وبكر بن لادن، هل هذه الإزاحة لصالح المجتمع السعودي أم أنها لصالح المؤسسات الخاصة التابعة لولي العهد الذي يريد الاستئثار بالسلطة على حد تعبيره.

” يحيى عسيري “

انتقائية المملكة

أما الناشط الحقوقي السعودي عبدالعزيز المؤيد فقد أعرب عن دهشته من انتقائية النظام السعودي في التعامل مع ما تسوق له بأنه “محاربة الفساد”، مشددا على وجوب أن تشمل العملية كل من يثبت تورطه في الفساد.

ودعا المؤيد وهو عضو بحركة “مواطنون بلا قيود” إلى التمحيص في ثروات كبار المسؤولين والبحث عن مصدرها، مشيرا إلى أن النظام فشل في كبح الفساد في المملكة.

لكن الواضح أن السلطات في المملكة، وخاصة ولي العهد السعودي الجديد، لا ينظر إلى مطالبات المنظمات الحقوقية بالكف عن قمع الحريات أو يعير تخوفات تلك المنظمات اهتماما، خاصة التخوفات المتعلقة بالخطوات الأخيرة، التي رأت أنها تهدف إلى سحق المعارضة، وتغييب الأصوات المخالفة خلف القضبان ، وهو ما دأبت عليه المملكة خلال الأشهر القليلة الأخيرة.

وجاءت “مذبحة الأمراء”  التي بدأت في 11 نوفمبر الجاري ، لتبرهن على أن النظام الحالي في المملكة نظام قمعي استبدادي، يقوم على سلب حرية  كل من يفكر في اعتراض طريق ولي العهد إلى العرش.