المظاهرات والاحتجاجات التي عمت كافة أرجاء المدن والمحافظات المصرية الشهر الماضي، والتي على الرغم من ندرتها، إلا أنها كانت دليلاً كافياً أنه على الرغم من القمع الذي يقوم به النظام المصري ضد أي صوت معارض، لا يزال هناك شعور بالتحدي بين العديد من المصريين الذين أبدوا استعدادًا متجددًا لتحمل مخاطر التعبير عن غضبهم تجاه السيسي.

في مشاهد أعادت إلى الذاكرة الانتفاضة الشعبية الكبيرة التي حدثت في مصر عام 2011، قامت مجموعات صغيرة من مجموع الشعب المصري في التوافد إلى ميدان التحرير في القاهرة والعديد من الميادين الرئيسية في المدن الكبرى في مصر في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، مطالبة السيسي بالتنحي، وهو ما قال عنه الخبراء والمحللون إنه على الرغم من قلة أعدادهم، فقد تمكنوا من كسر حاجز الخوف الناشئ عن حظر السيسي للاحتجاجات العامة في أعقاب انقلابه العسكري الذي قام به في 2013.

في حوار لها مع الموقع، علقت ميشيل دان- مديرة برامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، على الاحتجاجات المصرية قائلة “لقد رأينا الجمهور المصري يتكاتف معارضاً لسياسات السيسي التي يدير بها البلاد، وأعتقد أن الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من الاحتجاجات”.

شرارة الاحتجاجات الأخيرة اشتعلت بعد قيام رجل الأعمال المصري محمد علي- وهو مقاول كان يعمل مع القطاع الهندسي للقوات المسلحة المصرية، بنشر مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي قام فيها باتهام الرئيس المصري وبعض كبار ضباط الجيش بالفساد وتبديد مليارات الأموال العامة في بناء قصور رئاسية فخمة ومشاريع لا تخدم الوطن أو المواطن.

انتشرت مقاطع فيديو محمد علي انتشاراً واسعاً في الأوساط المصرية، كونه كان في مصنع الأحداث ويعتبر شاهداً عياناً على ما كان يحدث، خاصة وأن الجيش بالفعل هيمن بصورة كبيرة على الاقتصاد المصري، ولعل هذا ما أكسبه مصداقية لدى جموع الشعب المصري الذي يعيش 32٪ منه تحت خط الفقر، لترتفع النسبة بمقدار 05٪ عن إحصاءات العامين الماضيين.

وفي تعليقه على الأحداث، قال مايكل حنا، وهو خبير مصري في مؤسسة القرن التي مقرها نيويورك “بمجرد أن اتضحت الصورة للنظام وبدأ يعي حقيقة أن الشعب المصري في حالة غضب حقيقي، كان رد فعله واضحاً حيث واجه تلك الموجات الاحتجاجية بحملات كثيفة من الاعتقالات”.

 

الاستعانة بخطط للقمع من العصور البائدة

أسفرت الجولة الأولى من الاحتجاجات عن اعتقال أكثر من 2000 شخص من قبل قوات الأمن في جميع أنحاء البلاد، ليتبع ذلك دعوة أخرى من محمد علي للمصريين بالنزول في مليونية كبيرة الجمعة 27 سبتمبر/أيلول، إلا أن القوات الأمنية تعاملت بصورة مختلفة مع تلك الدعوات، حيث قامت بنشر مكثف للقوات الأمنية الملثمة والمسلحة، مدعومة بشرطة مكافحة الشغب، وقامت بسد كل الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير.

كما تم إغلاق بعض محطات المترو الرئيسية في وسط القاهرة، وانتشرت الكمائن في كافة نقاط القاهرة، وقام رجال الشرطة بإيقاف المواطنين عشوائياً وتفتيشهم وتفتيش هواتفهم الذكية وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتم بذلك إجهاض أي محاولة للوصول إلى نقاط تجمع المظاهرات الكبيرة، كما أن الوجود المكثف لقوات الأمن المصرية في القاهرة بمثابة عرض للتخويف لردع أي محاولة للاحتجاج العام.

وسائل الإعلام الحكومية وبعض وسائل الإعلام الخاصة موالية للنظام قامت بشيطنة المتظاهرين واتهمتم بالتآمر ضد الدولة ومحاولة لزعزعة استقرار البلاد، كما قاموا بشن حملة لتشويه المعارضين والنيل من سمعتهم، وادعت أنهم مجموعات تابعة لجماعة الاخوان المسلمين التي تعتبرها الدولة جماعة إرهابية.

من جهة أخرى منعت السلطات المصرية بعض وسائل الاعلام الأجنبية من تغطية الأحداث، كقناة الحرة الأمريكية التلفزيونية العربية وقناة بي بي سي العربية.

مايكل حنا قال إن هذه الموجة الاحتجاجية لم تكن سوى البداية فقط، “حتى لو لم تحدث هذه الاحتجاجات الشعبية أي تغيير ملموس الآن، فإن ما حدث في مصر الشهر الماضي وفق المعطيات الحالية قد يحدث تغييراً على المدى البعيد بصورة تدريجية، كما حدث في الفترة بين 2000 و2011”.

السلطات المصرية قامت باعتقال عدداً من الشخصيات المعارضة البارزة، والصحفيين والنشطاء على الرغم من عدم مشاركة بعضهم في هذه الاحتجاجات، من بينهم خالد داوود، الزعيم السابق لحزب الدستور الليبرالي والعالم السياسي حسن نافعة والأستاذ حازم حسني، المتحدث الرسمي باسم الحملة الرئاسية لسامي عنان، رئيس أركان الجيش السابق، الذي اعتقل بعد إعلانه نيته الترشح ضد السيسي في الانتخابات الرئاسية العام الماضي.

 

ردود فعل دولية ضعيفة

خلال قمة مجموعة السبع الأخيرة، وأثناء انتظار ترامب لعقد اجتماعاً مع الرئيس المصري السيسي، تأخر السيسي قليلاً، ليبادر ترامب الجميع متسائلا عنه قائلاً “أين ديكتاتوري المفضل؟”.

ميشيل دان انتقدت رد فعل الإدارة الأمريكية الهزيل على حملة السيسي ضد الاحتجاجات السلمية التي اعترت مصر مؤخراً، ما قامت بتفسيره أنه بمثابة ضوء أخضر للسيسي للاستمرار في حملاته القمعية ضد المعارضين في مصر،  وأضافت “آمل أن يعيد المسؤولون الأمريكيون وأعضاء الكونغرس النظر في ردات فعلهم تجاه سياسات السيسي، لأن الولايات المتحدة دافعت عن حق الاحتجاج السلمي في روسيا وهونغ كونغ والسودان وإيران”.

وزارة الخارجية الأمريكية بياناً قالت فيه “تدعم الولايات المتحدة حق المصريين في التعبير عن آرائهم السياسية بحرية… نحن نتفهم حدوث عدد من الاعتقالات، وندعو حكومة مصر إلى حماية رغبة المواطنين على ممارسة هذه الحقوق بسلام “.

ومع ذلك، اعتبرت سارة ليا واتسون-مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، هذا البيان غير كافياً، ودعت الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ المزيد من التدابير بهذا الصدد، قائلة “إن الطريقة الوحيدة لتحقيق الاستقرار في مصر هي حكومة تحترم حقوق وحريات الشعب المصري”، كما دعت واتسون حلفاء مصر الغربيين إلى تعليق المساعدات العسكرية لنظام السيسي.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا