قاد الرئيس التونسي، قيس سعيد، انقلابًا في تونس، مساء الأحد، حيث أعلن تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة، هشام المشيشي، من مهامه، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها. وقال سعيد في مقطع مصور بثته صفحة الرئاسة على فيسبوك: “شاء الله وشاءت الأقدار وشاء التاريخ في هذا اليوم، الذي نحتفل فيه بذكرى إعلان الجمهورية، شاء أن نتخذ من التدابير الاستثنائية التي يقتضيها الوضع في تونس”.
وأضاف: “تلاحظون دون شك المرافق العمومية تتهاوى وهناك عمليات نهب وحرب وهناك من يستعد لدفع الأموال في بعض الأحياء للاقتتال الداخلي”. وادعى أنه عملًا بحكم الدستور، ولإنقاذ الدولة التونسية، و”بالتشاور مع رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي (راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة)”، قرر “تجميد كل اختصاصات مجلس النواب. الدستور لا يسمح بحله، ولكن لا يقف أمامه تجميده”.
كذلك قرر سعيد “رفع الحصانة عن أعضاء المجلس النيابي، ومن تعلقت به قضية سأتولى رئاسة النيابة العمومية حتى تتحرك في إطار القانون”. كما أعلن قرارًا ثالثًا “يتمثل في تولي رئيس الدولة السلطة التنفيذية، بمساعدة حكومة يترأسها رئيس الحكومة ويعينها رئيس الجمهورية”. وأضاف سعيد: “رئيس الحكومة يتولى إدارة الحكومة، وهو مسؤول أمام رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية يتولى تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيس الحكومة، ومجلس الوزراء سيتولى رئيس الجمهورية ترأسه”.
وخلال كلمته، ادعى سعيد أن هذا “ليس تعليقًا للدستور، وليس خروجًا عن الشرعية الدستورية، نحن نعمل في إطار القانون، ولكن إذا تحول القانون إلى أداة لتصفية الحسابات وأداة لتمكين اللصوص الذين نهبوا أموال الدولة وأموال الشعب المفقر، فهي ليست بالقوانين التي تعبر عن إرادة الشعب بل أدوات للسطو على إرادة الشعب”.
وفي إشارة ليست إيجابية بحال على مستقبل الوضع في تونس، قال سعيد: “ننبه الكثيرين الذين يحاولون التسلل أو اللجوء للسلاح، فلن نسكت أبدًا عن أي شخص يتطاول على الدولة ولا على رموزها ومن يطلق رصاصة واحدة ستجابها قواتنا المسلحة العسكرية والأمنية بوابل من الرصاص”.
كما هدد سعيد أن هذه الإجراءات لن تكون الأخيرة، حيث قال إن “هناك إجراءات أخرى سنتخذها تباعًا، وننبه من يعدون أنفسهم هذه الليلة ويوزعون الأموال للحرق والنهب بأن القانون سيطبق عليهم”. كما اعتبر أن “الشعب التونسي اليوم يواصل ثورته في ظل الشرعية، وسنعمل على تطبيق القانون على الجميع لا فضل لأحد على أحد بمكانته أو ثروات”.
رئيس البرلمان يرفض الانقلاب
ومن جانبه، رفض رئيس مجلس النواب التونسي، راشد الغنوشي، الانقلاب على الديمقراطية، حيث اتهم سعيد “بالانقلاب على الثورة والدستور”. ووفق ما نقلته وكالة رويترز عن الغنوشي، فإن “المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”. كما أضاف الغنوشي في حديث لقناة الجزيرة أن “قرارات الرئيس سعيد انقلاب على الدستور والثورة والحريات في البلاد”.
وشدد على أن البرلمان في حالة انعقاد دائم نظرًا لحالة الطوارئ وسيواصل عمله بشكل طبيعي. وذكّر بأن الدستور يفرض أن يكون مجلس النواب في انعقاد دائم ويمنع حل الحكومة. وأوضح أن الرئيس استشاره في اتخاذ إجراءات ضمن الدستور فقط، بينما القرارات التي اتخذها الرئيس انقلاب على الدستور. كما دعا الغنوشي إلى التراجع عن اتخاذ هذه القرارات، حتى لا تعود تونس لعهد الظلمات والاستبداد. وقال: “ندعو الشعب إلى أن يخوض نضالًا سلميًا لاستعادة الديمقراطية”.
إفشال التجربة الديمقراطية في تونس
بدوره، قال علي العريض نائب رئيس حركة النهضة “الوضع غامض في ظل هذه الظروف وسنعمل على بقاء تونس حرة وديمقراطية”، مضيفًا أن هناك أنباء تتحدث عن احتجاز رئيس الحكومة هشام المشيشي داخل القصر الرئاسي.
ومن جانبه، صرح رياض الشعيبي المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة أن “ما حصل اليوم يهدف لإفشال التجربة الديمقراطية في تونس”، مضيفًا أن قرارات الرئيس قيس سعيد “انقلاب مكتمل الأركان” ، ومشددًا على أن القرارات لا قيمة لها وأن المؤسسات الدستورية ما تزال قائمة.
كما كذّب الشعيبي تصريحات “سعيد” التي تحدث فيها عن أنه تشاور مع الغنوشي، حيث قال القيادي بالنهضة: “أولًا لم يتمّ التشاور مع رئيس مجلس النواب أو مع رئيس الحكومة. ثانيًا لا يحق لرئيس الجمهورية تجميد المجلس النيابي. ثالثًا لا يحق للرئيس أن يسند لنفسه اختصاصات لم يمنحها له القانون. رابعًا اليوم تتكشف الوجوه الحقيقية لأولئك الذين يدعون الديمقراطية ويساندون رئيسًا انقلابيًا”.
كذلك، دعا وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبد السلام “كل الشعب وقواه المدنية إلى مواجهة انقلاب يقوده ديكتاتور لا شرعية له”.
انقلاب لن يمر
ومن الواضح أن هناك رفضًا واسعًا لقرارات سعيد، حيث قال سيف الدين مخلوف رئيس كتلة حزب ائتلاف الكرامة في البرلمان، إن قرار الرئيس يعد انقلابًا على الدستور “ولن يمر”. وأضاف مخلوف إن ما قاله الرئيس خرق جسيم للدستور وانقلاب على المؤسسات المنتخبة. وقال مخلوف “الرئيس لا يملك سلطة تجميد عمل البرلمان. المجلس لن يجمد. ما حصل اليوم من احتجاجات مفتعلة وممولة من الخارج والهدف منها التسخين لهذا القرار”. وناشد مخلوف قوات الأمن والجيش لعدم الانصياع لقرارات الرئيس.
ونقلت تقارير أن مروحيات عسكرية حلقت فوق منطقة باردو التي تضم مقر البرلمان بعد قرار الرئيس سعيد تجميد جميع اختصاصاته وإقالة رئيس الحكومة وتوليه السلطة التنفيذية. كما تمشط المروحيات باردو والمناطق المحيطة بها. ووفق مصدر من التلفزيون التونسي، فإن وحدات عسكرية ترابط أمام مقر التلفزيون لدواع أمنية.
وتعد الساعات القليلة القادمة في تاريخ التجربة الديمقراطية التونسية، حيث ستحدد رد فعل الشعب على القرارات، وكيفية استقباله لها وتعامله معها.
اضف تعليقا