منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، سجل الجيش الإسرائيلي خسائر متزايدة لم تكن جميعها نتيجة المواجهات المباشرة مع المقاومة الفلسطينية، بل كانت نتيجة حوادث “النيران الصديقة” وسوء الاستخدام العملياتي للذخيرة.
وتشير الأرقام الرسمية إلى مقتل 76 جندياً إسرائيلياً في حوادث غير عملياتية، بينهم 30 جندياً سقطوا برصاص زملائهم أو بسبب قصف خاطئ، فيما أصيب 1639 جندياً وضابطاً، ما يسلط الضوء على حالة ارتباك عسكري تعاني منها القوات الإسرائيلية.
هذه الأرقام تدل على أزمة عسكرية داخلية قد تكون ناتجة عن عدة عوامل، منها الإرهاق القتالي والتخبط الاستراتيجي، وصولًا إلى التأثيرات النفسية العميقة على الجنود الإسرائيليين الذين يواجهون حرب استنزاف طاحنة على عدة جبهات.
انعكاس للتخبط الميداني
ارتفاع عدد القتلى والجرحى بسبب النيران الصديقة يعكس فوضى عملياتية متزايدة داخل الجيش الإسرائيلي. حيث أن سقوط 30 جندياً بسبب تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية، ومقتل 7 آخرين بسبب استهدافهم بقذائف مدفعية أو غارات جوية خاطئة، يثير تساؤلات حول مدى التنسيق بين الوحدات المقاتلة. كما أن إصابة 111 جندياً بسبب استهدافهم بطريق الخطأ، يكشف عن غياب التنسيق الفعال بين القوات البرية وسلاح الجو.
من جانب آخر، فإن هذه الأخطاء لم تقتصر فقط على الاشتباكات بل امتدت لتشمل حوادث غير قتالية مثل سوء استخدام الذخيرة وخرق قواعد الأمان، ما أدى إلى مقتل 26 جندياً، فضلاً عن مقتل اثنين في حادث سقوط رافعة. هذا يعكس ضعف الانضباط العسكري داخل الجيش، ما يضعف القدرة على السيطرة في ساحة المعركة.
العامل النفسي والصدمات القتالية
لا يمكن فهم هذه الخسائر دون النظر إلى البعد النفسي للجنود الإسرائيليين، الذين يواجهون ضغوطاً غير مسبوقة في حرب طويلة الأمد، خاصة في ظل المقاومة الفلسطينية المستمرة في غزة. فالتعرض المستمر للكمائن والهجمات المتتالية يضع الجنود في حالة توتر وقلق دائم، مما يؤدي إلى ردود فعل مفرطة وعشوائية، وهو ما قد يفسر حالات إطلاق النار المتبادل بين الجنود الإسرائيليين.
من ناحية أخرى، فإن تعرض الوحدات القتالية الإسرائيلية لهجمات مفاجئة وخسائر متزايدة يساهم في تآكل الروح المعنوية، ما قد يدفع الجنود إلى تصرفات غير منضبطة، مثل فتح النار بشكل غير محسوب أو فقدان السيطرة أثناء القتال، مما يؤدي إلى وقوع المزيد من الضحايا بنيران صديقة.
أخطاء استراتيجية وتخبط تكتيكي
إلى جانب العوامل النفسية، هناك بعد استراتيجي لا يمكن تجاهله. فارتفاع الخسائر غير العملياتية يشير إلى ضعف في التخطيط العسكري الإسرائيلي، إذ أن استمرار الحوادث الناتجة عن “النيران الصديقة” يوضح أن الجيش لم يستطع تطوير آليات فعالة للتنسيق بين وحداته. كما أن فشل الجيش في تقليل حوادث استهداف قواته بالمدفعية أو الطيران يدل على وجود خلل هيكلي في منظومة القيادة والسيطرة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعدد الجبهات القتالية، من غزة إلى لبنان، يفرض ضغطاً هائلاً على الجيش الإسرائيلي، الذي يبدو غير قادر على التكيف مع حرب طويلة الأمد ذات طبيعة غير تقليدية، وهو ما يضعه في حالة من التخبط العملياتي.
انهيار تدريجي في الأداء العسكري الإسرائيلي
تشير هذه الأرقام والمعطيات إلى أن الجيش الإسرائيلي يعاني من أزمة عميقة على المستويين الميداني والنفسي. فارتفاع قتلى وجرحى “النيران الصديقة”، إلى جانب تزايد الحوادث الناتجة عن ضعف الانضباط والخلل في التنسيق، يؤكد أن الجيش يواجه صعوبات لم تكن في حسبانه عند بدء عدوانه على غزة.
في ظل استمرار المقاومة الفلسطينية وصمودها أمام الحملة العسكرية الإسرائيلية، يبدو أن هذه الأزمة مرشحة للتفاقم، مما قد يؤدي إلى تآكل قدرة الجيش على مواصلة عملياته بفعالية، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من الخسائر والانهيارات في صفوفه.
اضف تعليقا