العدسة – منصور عطية
بدلًا من البحث عن الحلول الواقعية والحقيقية لقضية القدس – بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار المدينة عاصمة موحدة للاحتلال الإسرائيلي – من جهة من يملكون زمام الأمور من قادة الأنظمة العربية والإسلامية، وجه كثيرون سهام نقدهم للمقاومة الفلسطينية!.
الإعلامي “خالد صلاح” رئيس تحرير اليوم السابع المقربة من السلطة، كان أحد هؤلاء، في مسعى يُعتقد أنه بخلاف خدمته للأنظمة فهو تنفيذ حرفي لتوجيهات ممولي جريدته، وعلى صلة بالصراع الفلسطيني، وفي مقدمتهم القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان.
الكل مسؤول.. إلا الأنظمة
من وجهة نظر صلاح، فإن الجميع ضيع القدس، إلا أصحاب القرار في عالمنا العربي، الكل مهد لقرار “ترامب” باستثناء زعماء يتمتعون بعلاقات وثيقة معه، حتى من يقاوم الاحتلال مسؤول عن القدس، وليس حكومات تتحالف مع إسرائيل وتهرول للتطبيع معها.
هذه الخلاصة عبّر عنها مقال نشره “اليوم السابع” قبل أيام، لرئيس تحريره الذي نصّب نفسه قاضيًا يحدد من يجب أن تجري محاكمتهم كمسؤولين عن الوضع الحالي لقضية القدس.
اللافت، أن الرجل وضع البيض كله في سلة واحدة، فلم يفرق بين حماس والحوثيين، وحزب الله و”داعش”، فقال: “إن جاز اليوم أن نجري محاكمة تحدد المسؤولية عن ورطتنا في قضية القدس، فعلينا أن نحاكم حماس وحزب الله والحوثيين والقوى السورية التى تآمرت على بلادها، و”القاعدة” و”داعش” وغيرها من القوى المزيفة الخائنة التى زعمت أنها تناضل من أجل المسجد الأقصى، في حين أنها ناضلت لتسلم الأقصى والقدس على طبق من ذهب لإسرائيل”.
لم يكلف “صلاح” نفسه عناء البحث عن العدو الحقيقي لأمريكا وإسرائيل، حتى يعرف من الذي قدّم القدس للاحتلال هدية، فبينما يضع السكين على رقاب المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، التي يناصبها الاحتلال العداء، يتغافل ويدافع عن أنظمة قمعية طالت أذرعها الأمنية حتى من تظاهر تعبيرًا عن غضبه.
صورة لــ “المقال”
وتابع في مقاله: “البعض يريد لقضية القدس أن تتحول من معركة مع إسرائيل إلى معركة مع الأنظمة العربية في الداخل”.
المؤكد، أن تلك الأنظمة هي من تحول المعركة للداخل بدلًا من أن تقود هي المعركة في وجه الاحتلال، ويبدو أن جهودها مستمرة بأقلام مأجورة، لحصر القدس كقضية فلسطينية بحتة، بعيدًا عن امتداداتها العربية والإسلامية.
فقال “صلاح”: “لقد أسهمت حماس في شق الصف الفلسطيني، وبدلاً من أن توجه سلاحها للعدو، وجهت رصاصها لفتح والقيادات الفلسطينية.. كل هؤلاء الذين يلومون الأنظمة السياسية اليوم هم أنفسهم الذين حاصروا هذه الأنظمة بالإرهاب والعنف، والاستقواء بالخارج، وشق صف الأمة العربية بالكامل، وإثارة الفتن، والعمل على إضعاف الجيوش العربية، وإرباك الدولة الوطنية في كل ربوع العالم العربي”.
ليس من تلقاء نفسه
بطبيعة الحال فإن مقال “صلاح” ليس تطوعًا منه، أو حتى موقفًا شخصيًّا له، بقدر ما هو تنفيذ لتوجيهات ممولي جريدته الذين هم على صلة وثيقة بالقضية الفلسطينية، أو من الأنظمة العربية ذات العلاقة الوثيقة بها.
على الفور يتبادر إلى الأذهان الفلسطيني “محمد دحلان” القيادي الفتحاوي المفصول، وذراع الإمارات القوي في المنطقة، وهو رباط ذو وجهين بما كتبه ويروج له “صلاح”.
في مايو الماضي، وقبل اشتداد الأزمة الخليجية كشف تسريب لأحد رسائل البريد الإلكتروني الداخلي الخاص باليوم السابع، توجيهات “صلاح” بالدفاع عن الإمارات بعد الفضيحة التي لاحقتها في الفيلم الوثائقي “الأيادي السوداء”.
صورة لــ “البريد”
وجاء في الرسالة المسربة: “يا شباب أستاذ خالد صلاح والأستاذ دندراوي مأكدين علينا نشتغل على الفيلم بتاع الإمارات ده اللي اترفع النهاردة، بيقولكم نشوف حاجات من الأرشيف وترتبوا مع المحررين تعملوا فيديوهات مضادة على الموقع، وتخلوا السيشن الصباحي بالكامل للموضوع ده”.
العلاقة المريبة التي تجمع “دحلان” رجل الأعمال القذرة في الإمارات، والمستشار الأمني لولي عهد أبو ظبي، ربما تعود إلى أغسطس 2015، حينما استُقبل في “اليوم السابع” بحفاوة بالغة، وتجول في أروقتها، وتسابق الجميع لالتقاط الصور معه، وأُفردت له مساحات واسعة من التغطيات الإعلامية والحوارات.
وإذا كان “صلاح” أراد أن يقول للجميع صراحة: إن هذا هو ممول جريدتنا، ربما لم يكن بوسعه أن يفعل أكثر من ذلك، في الوقت الذي قالت تقارير إعلامية إن “دحلان” بدأ يضخ بالفعل استثمارات مالية كبيرة في وسائل إعلام مصرية موالية للسلطة.
إستقبال “اليوم السابع” لمحمد دحلان
في أكتوبر الماضي، نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية واسعة الانتشار تقريرًا وصفت فيه “دحلان” بأنه “قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط”، كاشفًا دوره في تخريب ثورات الربيع العربي ومحاصرة الإسلاميين، مشيرًا إلى أنه يحظى في كل تحركاته بدعم سخي، ورعاية كريمة من صديقه الحميم ولي عهد أبو ظبي.
دحلان وعودة للمشهد الفلسطيني
ويبدو أن قضية القدس كانت الفرصة الذهبية لـ”دحلان”، من أجل العودة للمشهد الفلسطيني الذي انزوى عنه كثيرًا، منذ التوقيع على اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس بالقاهرة أكتوبر الماضي.
تلك العودة تمثلت في تصريح هجومي لاذع ضد “القيادة الفلسطينية”، محملًا “الانقسام” المسؤولية عما آلت إليه الأمور وصولًا لقرار “ترامب” بشأن القدس.
ولاشك أن خروج الرجل من المشهد الفلسطيني باتفاق المصالحة، رغم التفاهمات التي جرت بينه وبين حماس بوساطة مصرية، ضايقه كثيرًا، هذه التفاهمات، كان يرتبط بها على الجانب الآخر تنسيق بين الحركة و”دحلان”، وفق خطة يتم بموجبها عودة الرجل إلى الساحة بعد غياب دام لعشر سنوات عبر بوابة غزة، باعتباره وسيطًا، لما له من نفوذ واسع بين مصر وحماس.
غير أن تواري “دحلان” عن المشهد خلال الفترة الأخيرة، مقابل ظهور خصمه اللدود “عباس” فيها بقوة، رجح توقعات بخروج “دحلان” من المعادلة الفلسطينية الجديدة، بناء على اتفاق ثلاثي بين مصر وحماس و”عباس”.
“محمد دحلان” بصحبة محمود عباس و إسماعيل هنية
عزز هذا السيناريو ما كشفته تقارير إعلامية، من أن حركة حماس قررت وقف التواصل واللقاءات مع “دحلان”، بناء على عرض قدمه “عباس” للحركة، من أجل إلغاء كافة القرارات العقابية التي سبق وأن أصدرها بحق قطاع غزة.
وبعد تقرير “لوموند” سالف الذكر، كان التقرير الذي نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، وكشف خضوع “دحلان” لتحقيق موسع من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بشأن تورطه بجرائم ضد الإنسانية في ليبيا، من خلال علاقته بسيف الإسلام القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، حسبما أشارت بعض الوثائق المسربة.
ورغم أن التقرير لم يوضح ما إذا كان التحقيق قد أُغلق أم لا يزال مفتوحًا، إلا أنه ذكر على لسان المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية حين طُلب منه التعليق على تلك الوثيقة، أنه “لا يستطيع التعليق على تحقيق ربما يكون مستمرًّا”.
اضف تعليقا