العدسة – بسام الظاهر

لم تجد السعودية أمامها خلال الفترة الحالية سوى توسيع دائرة الأطراف المعادية لإيران، خاصةً وأنها لم تتمكن من حسم الصراع لصالحها، وفشلت كل المحاولات التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان خلال الأشهر الماضية.

وصعَّد بن سلمان من الهجوم على إيران بسبب صراع على النفوذ في المنطقة، خاصةً وأنَّ طهران تمتلك أذرعًا في عدة دول ولديها نفوذ كبير فيها.

ولي العهد السعودي قرَّر بشكل مفاجئ شنَّ معركة بشكل منفرد ضد طهران، باتهامها بدعم الحوثيين في اليمن وإمدادهم بصواريخ باليستية لضرب السعودية، فضلًا عن الضغط على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للاستقالة من منصبه.

عزلة طوعية

“الأمير المتهور”- كما وصفته صحف غربية-، قرَّر الإقدام على فتح معركة واسعة مع طهران في عدة أوجه خلال الأسابيع القليلة الماضية، وسبقها تمهيد منذ مايو الماضي، خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية.

ترامب أعطى الضوء الأخضر لابن سلمان للتعامل مع إيران، ولكن الأوضاع في السعودية لم تكن مُسْتَتِبَّة لولي العهد، في ظلّ تواجد محمد بن نايف في منصب ولي العهد، قبل الإطاحة به في يونيو الماضي.

” دونالد ترامب “

وفرض بن سلمان على السعودية نوعًا من العزلة، ولكن “طواعية” في مواجهة إيران، خاصةً في ظل عدم وجود دعم إقليمي كبير له في هذه الخطوة التصعيدية.

وبدا أنَّ ولي العهد لم يتشاور مع أطراف إقليمية ودولية قبل بدء مرحلة تصعيد كبيرة مع طهران خلال الفترة الحالية.

وجرَّ بن سلمان السعودية إلى صراع كبير مع طهران في أكثر من محور، ولكن المحور الذي شهد تصعيدًا كبيرًا كان في لبنان.

استقالة الحريري والحديث عن وضعه تحت الإقامة الجبرية في السعودية، وأنَّه تعرض لضغوط كبيرة للإقدام على هذه الخطوة، دفع أطرافًا إقليمية ودولية لرفض هذا التحرك تمامًا.

” سعد الحريري “

ولعلَّ أبرز الرافضين لأي حرب أو عمل عسكري ضد إيران وحزب الله في المحيط الإقليمي وحليف السعودية هى مصر، وقال السيسي: إنه يرفض أي عمل عسكري ضد الطرفين، وذلك في عزّ التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات بين المسؤولين في السعودية وإيران.

أوروبا هى الأخرى كان لها موقف رافض لاستقالة الحريري؛ باعتبار أنَّ هذه الخطوة تضرّ أكثر مما تفيد، وضغطت فرنسا لخروج الحريري من السعودية تجاه باريس، قبل أن يتوجه إلى لبنان.

ووجد بن سلمان نفسه في عُزْلة إقليمية ودولية، حتى إنَّ داعمه الأكبر ترامب والذي يدعم التحركات السعودية، لم يقف بجواره بصورة واضحة.

وحاول ترامب تخفيف وطأة الضغط على بن سلمان حليفه الأول في المنطقة، من خلال اتصال هاتفي بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، للاتفاق على مواجهة إيران وحزب الله.

اجتماع طارئ

هذه العُزْلة التي استشعرت بها السعودية، دفعتها إلى الدعوة لاجتماع طارئ على مستوى وزراء خارجية دول الجامعة العربية، من أجل الخروج من هذه المأزق، وعدم المواجهة بمفردها.

هذا الاجتماع الطارئ الذي عُقِد في مقر الجامعة العربية بالقاهرة الأحد الماضي، تمَّت الدعوة إليه بعد نحو أسبوع من استقالة الحريري، شن هجومًا حادًا على إيران وحزب الله، قبل أن تعترض لبنان والعراق على البيان الختامي.

هذا الأسبوع الذي تعرَّض له محمد بن سلمان لضغوط شديدة إقليميًا ودوليًا لوقف تحركاته المتخبطة، ولجأ إلى الاحتماء بمظلة أوسع من خلال جامعة الدول العربية.

ولكن ما الذي يمكن أن يقدِّمه الاجتماع المشار إليه؟ في واقع الأمر إنَّ الاجتماع لا تتخطى نتائجه عن فكرة الإدانة والشجب فقط، من دون أن يكون له تأثيرات ملحوظة ضد إيران.

وهو ما يدعم فكرة رغبة السعودية في الخروج من عزلتها، وتحقيق مزيدٍ من التشارك مع الدول العربية، بل والضغط لتوسيع دائرة الانتقادات لسياسات إيران، تحت شعار “دعم دولة عربية شقيقة”.

وقال وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إنَّ اجتماع الجامعة العربية حول التدخلات الإيرانية تاريخي ويرسل رسالة واضحة حول فعالية العمل العربي المشترك.

” أنور قرقاش “

واستبقت تقارير صحفية اجتماع وزراء الخارجية العرب، بالإشارة إلى أنَّ هناك توجهًا لإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن في إطار الضغط على طهران خلال الفترة المقبلة.

وقال السفير حسام زكي، مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، إنَّ هناك إمكانية للجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، نظرًا لخطورة الموقف وتهديد إيران للأمن والسلم العربي والدولي.

اجتماع وزراء الخارجية العرب في “جامعة الدول العربية”

ما الهدف؟

السعودية تَعْلَم بشكل أساسي أنَّ اجتماع وزراء الخارجية العرب لن يؤثر على إيران، ولكن ما هي الأهداف المرجوة من هذه الدعوة؟

أولا: توسيع دائرة الصراع

يهدف محمد بن سلمان من هذا الاجتماع إلى توسيع دائرة الأطراف المواجهة لإيران، فبدلًا من أن تظهر السعودية هى المتصدر المشهد، فكان لازمًا إشراك أطراف أخرى، والدفع باتجاه موقف عربي مناهض لسياسات إيران في المنطقة، وتحديدًا حزب الله.

وبالتالي إظهار أنَّ هناك أضرارًا حقيقية من إيران تجاه المنطقة العربية وليس استهداف السعودية فقط.

” حسن روحاني “

ثانيا: سند حقيقي

ويحاول ولي العهد السعودية إيجاد سند يمكن اللجوء إليه خلال الفترة الحالية في المحيط الإقليمي والضغط لتغيير قناعات بعض الدول بشكل علني؛ إذ إنَّ الاجتماع سيكون كاشفًا عن الموقف الحقيقي لبعض الدول وإبرازه دون الأحاديث في الغرف المغلقة.

ثالثًا: رسالة للمجتمع الدولي

ويأتي أحد الأهداف الأساسية، هى توصيل رسالة للمجتمع الدولي وتحديدا مجلس الأمن، أن السعودية ليس لها مصلحة شخصية وفردية في مواجهة النفوذ الإيراني، ولكن هذا موقف جماعي من الدول العربية تجاه سياسات طهران.

إجتماع “مجلس الأمن الدولي”

رابعًا: ضغط على لبنان

ويدفع الاجتماع إلى ممارسة ضغوط على لبنان في سبيل التخلص من حزب الله الذي يسيطر على الأوضاع هناك ولديه نفوذ في دوائر السلطة والحكم، خاصةً وأنَّ وزير الخارجية لم يحضر الاجتماع لعلمه المُسبَّق بتوجيه انتقادات للبنان.

وذكرت تقارير صحافية، أنَّ السعودية كانت ستدفع باتجاه تعليق عضوية لبنان في الجامعة العربية بسبب حزب الله، ولكن تدخلت مصر لمنع حدوث هذا الأمر.