رأى “نورالدين بكيس”، الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع السياسي الجزائري، أنّ السيناريو الأرجح للانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل، هو إجراؤها في موعدها، رغم وجود معارضة لذلك.
واعتبر أن بلاده تعيش مشهد إصلاح للنظام من الداخل أقرب من فكرة الانفتاح الكلي على انتخابات تعددية وحرة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تعالت أصوات سياسيين معارضين، وجانب من الحراك الشعبي، للمطالبة بتأجيل الانتخابات المقررة في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بدعوى أن “الظروف غير مواتية لإجرائها في هذا التاريخ” وسط دعوات إلى التظاهر ضدها.
“بكيس”؛ صاحب كتاب تحت عنوان “الحراك الشعبي الجزائري النسخة المنقحة لثورات الربيع العربي”، قال في مقابلة مع الأناضول: “مع “انطلاق سباق الرئاسيات، ستكون هناك محاولات من قبل (جزء من) الحراك الشعبي لتعطيل الاقتراع”.
وحذّر الخبير الجزائري من أن “كفة التعطيل ستكون صعبة للغاية، بمعنى أنّ الانتخابات الرئاسية أقرب للتمرير (إجرائها) من فكرة إلغائها، لأنّ النظام في الجزائر أو السلطة الفعلية قررت الاتجاه وفقا لمشروعها السياسي الخاص”.
وأضاف: “السلطة اقتنعت بأنّها لا تستطيع كسب معركة إقناع الشارع، ولذلك فهي ذاهبة لكسب الشرعية الدستورية دون الاكتراث بالشرعية السياسية”.
ووفق “بكيس”، فإنه “لا يمكن تحقيق جانب الشرعية السياسية، طالما أنّ معركة الإقناع حسمت لصالح الشارع”.
إصلاح النظام من الداخل
وفي قراءته لقائمة المرشحين الخمسة للرئاسية، اعتبر “بكيس” أنّ “سياق الأحداث سينتج رئيسا ضعيفا، مهما كان اسمه، سواء جاء من الشارع أو من داخل النظام”.
وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلنت هيئة الانتخابات بالجزائر قبول ملفات 5 مرشحين من بين 23 أودعت لديها، في انتظار صدور قرار المجلس (المحكمة) الدستوري حول القائمة النهائية الأسبوع المقبل.
والمرشحين الخمسة هم: رئيسا الوزراء السابقان: “علي بن فليس” (الأمين العام لحزب طلائع الحريات)، و”عبدالمجيد تبون” (مستقل)، و”عبدالعزيز بلعيد” رئيس “جبهة المستقبل” (وسط)، إضافة إلى “عز الدين ميهوبي”، أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي (حزب أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق المسجون في قضايا فساد)، و”عبد القادر بن قرينة”، رئيس حركة البناء الوطني (إسلامي).
ويرى “بكيس” أنّ “الأسماء المطروحة اليوم والطامحة للرئاسة لا تملك القدرة على التأثير أو تغيير الأوضاع، أو التمهيد لمشهد سياسي جديد”، لافتا إلى أنّها طالما ستصل إلى هذا المركز في حالة من الضعف، فستحتاج إلى السلطة الفعلية وهي المؤسسة العسكرية لإسنادها.
وأوضح: “وكأننا نعيش مشهد إصلاح للنظام من الداخل أقرب من فكرة الانفتاح الكلي على انتخابات تعددية وحرة، لأن الوضع السياسي الحالي في البلاد حسب السلطة الفعلية لا يرقى إلى مستوى يمكن خلاله التأسيس لمعادلة الانفتاح الكلي والتأسيس إلى التداول على السلطة”.
ونفى الخبير الجزائري إمكانية حدوث تقدم في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، نظرا لـ”خصوصية المشهد، ولأنّ النظام يعيش ثورته الداخلية، علاوة على التغييرات الكبيرة الطارئة وحجم النزاعات والصدامات الحاصلة داخل مؤسسات الدولة”.
واعتبر “بكيس” أنّ الوضع ليس في معادلاته النهائية، ولكن في بداية مسار تحول من داخل النظام قد يفضي إلى الانفتاح الكلي على المشهد السياسي أو إلى إعادة إنتاج النظام، وهذا- بحسبه – يبقى مرتبطا بقرار السلطة الفعلية أي الجيش.
ومنذ تنحية الرئيس الجزائري السابق “عبدالعزيز بوتفليقة”، في مطلع أبريل/ نيسان الماضي، يهاجم قائد أركان الجيش الفريق “أحمد قايد صالح”، المسؤولين السابقين ويحملهم مسؤولية أزمات البلاد، حتى أن جميع خطاباته تقريبا لم تخل من وصفهم بـ “العصابة”.
و”العصابة” تسمية يطلقها عادة قائد الأركان على محيط وأتباع “بوتفليقة” الذي حكم لعقدين، وكذا ما يسمى الدولة العميقة، المحسوبة على قائد المخابرات السابق الفريق “محمد مدين” (الجنرال توفيق) الذي كان يسمى بصانع الرؤساء منذ 1990 وإلى غاية إقالته عام 2015.
كما شهدت البلاد خلال هذه الفترة إقالات بالجملة وغير مسبوقة في تاريخها من مناصب حساسة في هرم الدولة، فضلا عن حملة للقضاء ضد الفساد طالت عدة مسؤولين سابقين ورجال أعمال تم سجنهم.
الحراك ليس كتلة واحدة
وفي معرض حديثه عمن يرى أن الحراك الشعبي لم يعد كتلة واحدة بمطالب واحدة كما في البداية بعد تحوله إلى كتل متعددة كل واحدة لها أجندتها ومطالبها، يعتقد “بكيس” أنّ هذا يمنع الحراك من التأطُر إلى مستوى يستطيع أن يحوله إلى قوة موحدة.
ومنذ 22 فبراير/ شباط الماضي، تشهد الجزائر حراكا شعبيا في مختلف ولاياتها، أدى إلى استقالة “بوتفليقة”، ومحاكمة عديد المسؤولين ورجال الأعمال من حقبته، وهو متواصل لإعلان رفض إشراف رموز نظامه على المرحلة الانتقالية.
وبالنسبة لـ”بكيس”، فإن “الحراك يبدو قوة عندما تتوحد المطالب مثلا ضد الانتخابات الرئاسية، ويحدث ذلك استقطابا في مواجهة النظام، وبالتالي نستشعر أنّ الحراك كتلة واحدة”.
واستدرك: “والحقيقة أن الحراك لا يمكن أن يكون كتلة واحدة، وأثبت أنه بعد 8 أشهر، لم يتطور إلى شكل من أشكال القوة السياسية المنظمة”.
وختم “بكيس” بالقول إن “الحراك يبقى قوة ضاغطة ورادعة لمختلف السياسات، فيحول الضغط بطابع إصلاحي أكثر منه ثوريا”.
و”نورالدين بكيس”؛ دكتور وأكاديمي بجامعة الجزائر العاصمة، وباحث في علم الاجتماع السياسي، صدرت له مجموعة من المؤلفات منها “كيف تصبح مواطنا سيئا في الجزائر؟”، و”صناعة الغضب والعدوانية في الجزائر اغتيال لتقدير الذات في ظل العنف والكراهية”، و”الحراك الشعبي الجزائري النسخة المنقحة لثورات الربيع العربي” وغيرها
اضف تعليقا