العدسة – جلال إدريس

بعد حوالي 4 سنوات ونصف على مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، الذي وصفتها منظمة “هيومان رايتس ووتش” بأنها واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم خلال يوم واحد في التاريخ الحديث، عادت القضية لتطرح نفسها من جديد على الساحة السياسية في مصر، وذلك بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، خلال شهادته في الجلسة السرية التي عقدتها محكمة جنايات القاهرة لسماع الشهود في قضية “فض اعتصام رابعة” والتي قتل فيه 738 فردًا من معارضي النظام.

وبقصد أو بدون قصد، وقع الوزير “محمد إبراهيم” في كذب فاضح، حين ادعى أن السلطات المصرية طلبت وساطة الاتحاد الأوروبي، وأن الإخوان رفضوا هذه الوساطة، ما أدى إلى فض الاعتصام بالقوة، الأمر الذي اضطر المتحدثة الرسمية باسم المفوضية الأوربية إلى الخروج للتحدث إلى وسائل الإعلام والرد عليه، لتنفي تماما طلب السلطات المصرية آنذاك بالتفاوض مع جماعة الإخوان بشأن فض الاعتصام.

لم تكن تلك التصريحات وحدها هي ما أثارت الشكوك حول شهادة الوزير، لكن الرجل ادعى أيضا أمام المحكمة أن قوات الأمن اتبعت الإجراءات الأمنية في فض اعتصام رابعة العدوية، وأن المعتصمين هم من بدءوا إطلاق النار على الشرطة، وأنهم كانوا مسلحين، وأنهم من قتلوا أنفسهم نتيجة عدم تدريبهم على ضرب النار، وهي الشهادات التي أدت لغضب المتهمين داخل القفص الحديدي بالمحكمة، ودفعتهم للهتاف من داخل القفص مرددين كلمة “باطل”.

ادعاءات وزير الداخلية حول “الممرات الآمنة، وسلاح المعتصمين، والتفاوض بين الدولة والجماعة”، دفعت “العدسة” للعودة إلى الشهادات الموثقة الرسمية وغير الرسمية، والتي صدرت على مدار الأعوام الماضية، والتي يثبت بعضها كذب تصريحات وزير الداخلية، ويناقض بعضها ما تحاول السلطة إلصاقه بالمعتصمين بعد أربع أعوام ونصف من الفض.

شهادة مشرف الإسعاف بـ”مذبحة رابعة”

جثث الضحايا بمسجد الإيمان

جثث الضحايا بمسجد الإيمان

 

في 23 ديسمبر 2017، استمعت محكمة جنايات القاهرة إلى أقوال المشرف العام على هيئة الإسعاف، محمد السلام، وذلك خلال شهادته أمام المحكمة في الجلسة الثانية والأربعين في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ”مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية”.

وأمام المحكمة أدلى “السلام” بشهادات خطيرة، حيث أكد المشرف العام على هيئة الإسعاف أنّهم تواجدوا صباحًا في الساعة السابعة ونصف، وشاهدوا قوات الشرطة تطلق النيران على المعتصمين ليحدث تبادل لإطلاق النيران، ولم يستطيعوا التدخل لنقل المصابين والمتوفين لعدم وجود ممرات آمنة.

المحكمة بدورها وجهت سؤالا للمشرف العام للإسعاف، عن كون الاعتصام مسلحا من عدمه، فأجاب بشهادة تنسف ادعاءات وزير الداخلية، حيث أكد أنه لم يشاهد تسليحا أثناء تواجده بمحيط الاعتصام أو داخله، وأنه استمع فقط لإطلاق النار وشاهد إطلاق النار من طرف الشرطة.

وفى إجابته على سؤال المحكمة عن عدد الجثث والمصابين التي تم نقلها قبل فض الاعتصام، أكد الشاهد أنه لم ينقل جثثًا قبل فض الاعتصام، ولكن قام بنقل 200 مصاب بحالات إعياء ومرضى سكر وضغط، مشيرًا إلى أن الشرطة أنذرت المعتصمين ثلاث مرات بطرق مختلفة، قبل أن تبدأ في إطلاق النار.

وأكّد أنّه تم نقل 700 جريح للمستشفيات، أما القتلى فعددهم 613 أثناء فض الاعتصام، وفقًا لما رصده من جانبه، بخلاف من نقلهم المعتصمون.

وأضاف أنه شاهد 35 جثة مكفنة أسفل منصة رابعة العدوية، وعددًا آخر من الجثث غير المكفنة التي كانت في مستشفى رابعة العدوية وشارع الطيران وشارع النصر، وجميعها جثث حديثة الوفاة يوم الفض، وليست قديمة كما أشيع.

شهادة المشرف العام للإسعاف تفند أكاذيب وزير الداخلية، حول “وجود الممرات الآمنة، وزعمه أن الداخلية كانت تهدئ من روع المعتصمين، كما تفند ادعاءه بوجود سلاح بين المعتصمين أيضا تؤكد أن الشرطة هي من بادرت بإطلاق النار على المعتصمين السلميين، وليس المعتصمين كما أدعى الوزير.

تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

مذبحة "فض رابعة"

مذبحة “فض رابعة”

 

تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الذي صدر عام 2014، يؤكد بالأدلة القاطعة أيضًا، أن اعتصام رابعة لم يكن مسلحا، وأن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة بغير وجه حق في أكثر من حالة أثناء فض الاعتصام بغرض استهداف عدد كبير من المعتصمين، دون دليل على وجود سلاح معهم.

وفيما يتعلق بعدد الضحايا، أكد التقرير أنه في 11 ساعة، وصل عدد القتلى في رابعة إلى 499 شخصًا، وفق الطب الشرعي و932، وفق المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو الرقم الأكثر دقة، وميدان النهضة، والذي توفي فيه 87 شخصا.

وأكد التقرير أن قوات الأمن فشلت في التخطيط لعملية فض الاعتصام بغية تقليل حجم الخسائر.

كما لفت التقرير أيضًا إلى أن الإخوان لم يبذلوا جهدًا لتقليل عدد المتواجدين من أنصارهم في الاعتصام مع بدء عملية الفض، وحجم الخطر الذي يتعرض له المعتصمون، وأنه لا يمكن تحديد الوقت الذي بدأ فيه المعتصمون استخدام الرصاص.

ويشير التقرير إلى أن المعتصمين استخدموا الطوب والزجاجات الحارقة والأسلحة البدائية، وأنه من خلال شهود العيان ومقارنة الضحايا بين الجانبين، تبين أن أغلب الضحايا من المعتصمين كانوا من العزل، وأن اعتصام رابعة لم يكن اعتصاما مسلحا على الطريقة التي كان عليها اعتصام النهضة.

كما لفت التقرير إلى أن تصريح وزارة الداخلية الرسمي، الذي قالت فيه إن قوات الشرطة عثرت على عشر قطع من السلاح الآلي و29 بندقية خرطوش، يؤكد أن التعامل مع اعتصام رابعة لم يتطلب هذه الدرجة من التدخل العنيف والاستخدام المفرط للقوة المميتة.

وبحسب التقرير، فإن مقاطع فيديو لعملية فض الاعتصام كثيرة تؤكد أن عددًا من القتلى لم يكن يشكل أي تهديد على الإطلاق، وأن “إطلاق الرصاص بصورة عشوائية لفترات طويلة من جانب قوات الشرطة أسقط الكثير من الأبرياء، كان بعضهم في أثناء محاولته الهرب أو الاختباء”.

تقرير لجنة تقصي الحقائق الحكومية

مؤتمر لجنة تقصي الحقائق عام 2014

مؤتمر لجنة تقصي الحقائق عام 2014

 

يعد تقرير لجنةتقصي الحقائق، الذي صدر في نوفمبر 2014، عن لجنة شكلها الرئيس المؤقت عدلي منصور آنذاك، أحد الأدلة على كذب “وزير الداخلية”، رغم كل ما احتواه التقرير من اتهامات لمعتصمي رابعة، غير أنه لم يستطع أن يبرأ صحيفة الداخلية من ارتكاب المجزرة.

وبرغم مرور ثلاثة أعوام على صدور التقرير، لم يتم نشره كاملا حتى الآن، واكتفت الجنة بنشر ما قالت إنه ملخص عن التقرير.

وبعيدا عن عشرات الاتهامات الصادرة ضد جماعة الإخوان ومعتصمي رابعة في التقرير، فإن محل الحديث هنا، عن “انتهاكات الداخلية” في فض الاعتصام، والرد على ادعاءات وزير الداخلية في شهادته أمام المحكمة.

التقرير تحدث عن أن الداخلية لم تمهل المعتصمين فترة كافية للانسحاب من الميدان قبل بدء الهجوم لإخلاء المكان، ولم تؤمن قوات الأمن الممر الآمن المخصص للمنسحبين بشكل جيد، ولم تدرس خطته، ولم تتمكن من فتحه إلا في حدود الساعة الثالثة والنصف عصرًا، وهو خطأ كبير، تسبب في سقوط عدد من الضحايا.

التقرير أكد أيضًا أن الداخلية لم تحافظ على التناسب في إطلاق النيران بينها وبين المعتصمين، لافتا إلى أن فض الاعتصام أسفر عن 632 قتيلا يوم فض اعتصام رابعة.

ما سبق يؤكد بلا شك كذب مزاعم “الممرات الآمنة” التي تحدث عنها الوزير، ويؤكد أن نية القتل كانت مبيتة لدى أجهزة الأمن.

تقرير “هيومن رايتس ووتش”

هيومن رايتس ووتش

هيومن رايتس ووتش

 

تقرير  منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي صدر في أغسطس 2014، حمل أيضا أدلة واضحة على أن الداخلية المصرية انتهجت القتل ضد المعتصمين السلميين في ميدان رابعة العدوية، إلى حد أن اعتبرت المنظمة أن “قوات الأمن المصرية نفذت واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم خلال يوم واحد في التاريخ الحديث”، وهو يوم 14 أغسطس 2013.

التقرير الذي أصدرته المنظمة الحقوقية الدولية غير الحكومية، والذي حمل عنوان “حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر”، أكد أن قوات الأمن هاجمت مخيم احتجاج رابعة من كل مداخله الرئيسية، وذلك باستخدام ناقلات الجنود المدرعة والجرافات، والقوات البرية، والقناصة، وأن قوات الأمن أصدرت القليل من التحذير الفعال، وفتحت النار على الحشود الكبيرة، ولم تترك مجالا للمتظاهرين للخروج الآمن لنحو 12 ساعة”.

وتابعت المنظمة في التقرير: “وأطلقت قوات الأمن النار على المرافق الطبية المؤقتة، ووضعت القناصة لاستهداف كل من يسعى للدخول أو الخروج من مستشفى رابعة، وفي نهاية اليوم، أُضرِمت النيران في المنصة المركزية، والمستشفى الميداني، والمسجد، والطابق الأول من مستشفى رابعة، على الأرجح من قبل قوات الأمن”.

وأضافت: “زعم مسؤولون حكوميون أن استخدام القوة جاء ردًّا على العنف بما في ذلك إطلاق النار، من قبل المحتجين. اكتشفت “هيومن رايتس ووتش” أنه بالإضافة إلى مئات من المتظاهرين الذين ألقوا الحجارة وقنابل “المولوتوف” على الشرطة بمجرد بدء الهجوم، أطلق المتظاهرون النار على الشرطة في بضع حالات على الأقل”.

واستطرد التقرير: “وفقا لمصلحة الطب الشرعي الرسمية، قتل 8 من عناصر الشرطة أثناء تفريق رابعة، وبعد تفريق الاعتصام بالكامل في 14 أغسطس، أعلن وزير الداخلية محمد إبراهيم، أن قواته عثرت على 15 بندقية في الميدان، وهذا الرقم إذا كان دقيقا، يشير إلى أن قلة من المتظاهرين كانوا مسلحين، ويعزز الأدلة التي جمعتها “هيومن رايتس ووتش”، أن الشرطة قتلت مئات المتظاهرين العزل”.

وأضافت أنه “خلال فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس ، قتلت القوات الأمن ما لا يقل عن 817 شخصًا، وربما من المرجح أكثر من 1000”.

ووفقا للتقرير، فقد استندت المنظمة في آليات التحقيق على “دراسة أدلة تشمل التحقيقات في كل مواقع الاحتجاج أثناء فض الاعتصام أو بعد فضه مباشرة، واستندت كذلك إلى مقابلات مع أكثر من 200 شاهد، من بينهم المتظاهرون والأطباء والصحفيون والسكان المحليون، واستعراض الأدلة المادية، وساعات من مقاطع التسجيلات المصورة، وتصريحات المسؤولين الحكوميين”.