في الوقت الذي يحتفي فيه العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان 2024 تحت شعار “حقوقنا، مستقبلنا، فورًا”، تتجاهل السعودية مبادئ حقوق الإنسان، متجاهلة الالتزامات الدولية، ومتجاوزة حتى أبسط القيم الإنسانية. 

فبينما يهدف هذا اليوم إلى تعزيز العدالة والمساواة، يعاني المواطنون السعوديون من غياب دستور واضح يحدد حقوقهم وواجباتهم، مما يخلق فراغًا قانونيًا يسمح للنظام بممارسة القمع دون حدود.

بدلاً من أن يكون القانون أداة لتحقيق العدالة، يصبح في السعودية أداة طيعة في يد النظام، حيث تُجرم ممارسات الأفراد وفقًا لأهواء السلطات. وقد أكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن هذا الوضع يعكس غياب الحوكمة القانونية وسيطرة شخص الملك وولي العهد على مؤسسات الدولة، ما يضع مستقبل المواطنين في مهب الريح ويكرس حالة الغموض وعدم الاستقرار.

جدول المحتوى

الإعدام والقمع

تُعد عقوبة الإعدام في السعودية من أبرز مظاهر القمع، حيث أُعدم أكثر من 300 شخص في عام 2024 وحده، وفقًا لتقارير حقوقية. ولا تقتصر هذه العقوبة على الجرائم الجنائية، بل تُستخدم كسلاح سياسي ضد المعارضين، بما في ذلك القاصرين، وأولئك الذين يعتقلون على خلفية التعبير عن آرائهم.

والأسوأ من ذلك أن هذه الإعدامات غالبًا ما تستند إلى اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية، علاوة على ذلك، تتعمد السلطات حرمان عائلات الضحايا من وداع أحبائهم أو حتى الحصول على جثثهم، ما يضيف معاناة نفسية واجتماعية كبيرة إلى سجل النظام القمعي. 

كما تظهر هذه الممارسات وحشية النظام الذي لا يتردد في سحق أي معارضة أو صوت مخالف.

حرية التعبير

تواصل السعودية خنق حرية الرأي والتعبير، حيث يتم اعتقال الأفراد لمجرد التعبير عن آرائهم أو مطالبتهم بالإصلاحات السياسية والاجتماعية. تستخدم السلطات قوانين فضفاضة مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب لقمع النشطاء وإسكات الأصوات الحرة، مما يجعل المناخ الفكري والإعلامي في البلاد شبه معدوم.

وفي غياب أي آليات ديمقراطية حقيقية، يُحرم المواطنون من المشاركة السياسية، إذ لا توجد انتخابات حرة أو أطر تتيح لهم التأثير في صنع القرار. ومن ينتقد سياسات النظام أو يعترض على مشاريعه الاقتصادية، يتعرض للاعتقال أو المحاكمة، في رسالة واضحة بأن النظام لا يتسامح مع أي معارضة.

كذلك على الرغم من الدعاية الرسمية التي تروج لتحسين أوضاع المرأة، لا تزال النساء في السعودية يعانين من انتهاكات واسعة النطاق. فوفقًا للجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، تتعرض المدافعات عن حقوق الإنسان للاعتقال والمنع من السفر، بينما تظل العاملات المهاجرات بلا حماية فعلية، ويستمر نظام ولاية الرجل في تكريس السيطرة على حياتهن.

هذه السياسات تسلط الضوء على التناقض الواضح بين الخطاب الرسمي والواقع المأساوي الذي تعيشه النساء، حيث يتم استخدام “تمكين المرأة” كشعار دعائي لتحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي، دون أي خطوات حقيقية لتحقيق المساواة أو توفير الحماية.

مشاريع التنمية: ستار للتغطية على الانتهاكات

في ظل استمرار الانتهاكات، تحاول السعودية الترويج لمشاريع اقتصادية واجتماعية كبرى كجزء من رؤية 2030. إلا أن هذه المشاريع تبدو كستار للتغطية على سجلها الأسود في حقوق الإنسان. فبدون إصلاحات حقيقية ووقف القمع، تبقى هذه الخطط مجرد وهم بعيد عن تحقيق مستقبل أفضل.

وأكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن احترام حقوق الإنسان ليس فقط ضرورة أخلاقية، بل شرط أساسي لتحقيق الاستدامة والعدالة الاجتماعية. وفي ظل غياب الشفافية والمساءلة، تصبح هذه المشاريع أداة لاستغلال الموارد وتوسيع نفوذ النظام، على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين.

بينما يتغنى النظام السعودي بشعارات الإصلاح والتنمية، يظل واقع حقوق الإنسان في البلاد مظلمًا، يعكس تناقضًا صارخًا بين الادعاءات الرسمية والواقع المرير. إن احترام حقوق الإنسان في السعودية ليس رفاهية، بل ضرورة حتمية لتحقيق مجتمع أكثر عدلاً وشمولاً.

اقرأ أيضًا : لماذا تغض الفيفا الطرف تجاه الانتهاكات العمالية الصارخة بالسعودية؟