التعاون مع الموساد
في تقرير مطول نشرته صحيفة جيروساليم بوست الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني، تم الكشف عن جهود المملكة العربية السعودية بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي في إنجاح عملية تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، وهي الجهود التي بدأت في التمحور منذ عام 2017 بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تل أبيب.
وبحسب الصحيفة، فإن موجة التطبيع التي ضربت الشرق الأوسط خلال النصف الثاني من العام المنصرم كان قد بدأ التحضير لها قبل ثلاث سنوات، حيث شهدت تلك الفترة نقطي تحول رئيسيتين، تحديداً في سبتمبر/أيلول 2017 حين زار بن سلمان إسرائيل، وفي يوليو/تموز 2019 حين ألقى رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين خطاباً فُهم منه أن التطبيع قادم لامحالة.
خلال تلك الفترة، لم تتوقف جهود إسرائيل والولايات المتحدة ودولة الإمارات لإسراع عملية التقارب الرسمية بين إسرائيل وبين الدول العربية، بالإضافة إلى جهود الدول الأخرى التي أبرمت صفقات التطبيع لاحقاً، لكن لفهم ما حدث في 2020 بشكل صحيح، من الضروري فهم دور كوهين والسعوديين وراء الكواليس بدءً من زيارة بن سلمان في 2017 وحتى خطاب كوهين في 2019.
منذ توليه منصب رئيس الموساد في يناير/كانون الثاني 2016، ويوسي كوهين يبذل جهوداً ضخمة لتقريب العلاقات مع الدول العربية، خاصة وأن العلاقات السرية التي تربط إسرائيل بدول لا توجد معها علاقات دبلوماسية رسمية تقع ضمن نطاق تخصص الموساد.
في هذا الصدد، بدأ كوهين رحلاته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين والسودان والمغرب ودول أخرى ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ورغم أنه لم يكن الأول بقيامه بهذه الخطوات، إذ سبقه فيها رئيس مجلس الأمن القومي السابق ياكوف عميدرور والمدير العام السابق لوزارة الخارجية دوري غولد وغيرهم، إلا أن كوهين كان المسؤول الرسمي الوحيد الذي استطاع مبكراً تمهيد الطريق الذي أدى إلى التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة، والذي دفع السعوديين إلى دعم هذا الاتجاه بنشاط ، حتى لو كانوا هم أنفسهم لم يتخطوا الخط رسميًا، كما كان الوسيط الأول مع السودان والمغرب.
وعلى الرغم من نشاط كوهين الملحوظ ونفوذه الواضح في الدول التي طبعت علاقاتها لاحقاً مع إسرائيل، كان لرئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات، ماعوز -عميل الشاباك المعار إلى مجلس الأمن القومي، والمحامي البريطاني الإسرائيلي نيك كوفمان، دوراً حاسماً في إنهاء تلك الصفقات كذلك، خاصة فيما يتعلق بملفي السودان والمغرب، وهو الدور الذي لم ينكره كوهين، الذي أشرف بنفسه على ترتيب لقاء بين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في أوغندا في فبرير/شباط 2020.
أشارت التقارير كذلك أنه طوال النصف الثاني من عام 2020 ظل كوهين يتنقل في رحلات -سرية- بين دول الخليج.
على الرغم من ذلك، قبل يوليو/تموز 2020 كان من الصعب التنبؤ بحدوث أي صفقات تطبيع بسبب الظروف المعقدة المحيطة، لكن وبفضل جهود سفير الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، والسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر، وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي غاريد كوشنر، ومساعده آفي بيركوفيتز والسفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان ومجموعة متنوعة من اللاعبين الآخرين، تم التوصل إلى “صيغة سحرية” -كما وصفتها الصحيفة- لعقد صفقة تطبيع، والتي مهدت الطريق بعد ذلك لصفقات التطبيع الثلاث الأخرى.
الدَفعة الرئيسية لهذه الصفقات كانت من خلال خطاب كوهين في يوليو/تموز 2019 في مؤتمر مركز هرتسليا متعدد التخصصات، والذي قال فيه “حدد الموساد في هذا الوقت فرصة نادرة، ربما تكون الأولى في تاريخ الشرق الأوسط، للتوصل إلى تفاهم إقليمي من شأنه أن يؤدي إلى اتفاق سلام إقليمي شامل”، مضيفاً “هذا يخلق نافذة لفرصة ربما تكون الوحيدة”.
وعلى الرغم من تصدر هذا الخطاب لعناوين الصحف، لم يُترجم ما فيه إلى خطوات على أرض الواقع إلا بعد 13 شهراً، وخلال تلك الفترة، اعتبر الجميع أنه مجرد طرح نقاط للحوار كان نتنياهو ومجموعة أخرى من الوزراء الآخرين يشيرون إليها من آن لآخر.
ومع ذلك، تمسك كوهين برأيه أن هذا الخطاب هو نقطة التحول الرئيسية لاتخاذ خطوات جادة نحو تطبيع العلاقات مع الدول العربية، خاصة وأنه كان معروف عنه أنه لم يكن من النوع الذي يتحدث عن تكهنات أو أحلام، بل تحتوي خطاباته دائماً على تقييمات صارمة للخطوات المستقبلية، وعلى الرغم من أنه لم يستطع التنبؤ بالتوقيت الدقيق، كان يعلم أنه ساعد في إقناع السعوديين والإماراتيين بأن التطبيع هو الطريق إلى الأمام، بل إن -ووفقاً للصحيفة- السبب الرئيسي وراء إلقائه خطاب 2019 بهذه الثقة كان بسبب دعم السعوديين.
الدعم السعودي بدأ مبكراً، قبل هذا الخطاب بعامين تقريباً، حين زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تل أبيب في سبتمبر/أيلول 2017، وهي الزيارة التي أدت -بعد شهرين- إلى إجراء رئيس الجيش الإسرائيلي آنذاك غادي آيزنكوت مقابلة تاريخية مع وسيلة إعلامية سعودية أعلن فيها أن إسرائيل تشارك الآن معلومات استخباراتية سرية حول إيران مع الرياض.
أرسى الدعم السعودي في أواخر عام 2017 الأساس للموساد ليحقق نجاحًا أكبر في بناء موجة التطبيع خلال الأشهر الثمانية عشر التي تلت زيارة بن سلمان، لتقوم إسرائيل بعدد من الخطوات الهامة على هذا الطريق، بما فيها زيارات نتنياهو والوزراء الإسرائيليين الآخرين إلى دول عربية مختلفة.
أما عن وقت إبرام هذه الصفقات، برر ذلك رئيس الموساد بأن هذا كان جزء من رؤية عامة لتحقيق أهداف مشتركة معينة في إطار إدارة ترامب للشرق الأوسط، ومع الحديث عن احتمالية فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، كان من الضروري استغلال فترة بقاء ترامب، وإنجاز هذه الصفقات قبل رحيله، وعليه كان يجب أن تبدأ موجة التطبيع في موعد لا يتجاوز شهر سبتمبر/أيلول 2020 تقريبًا.
وإجابة على سؤال: لماذا لم يتم إبرام هذه الصفقات قبل هذا الوقت؟ فإن الجواب -بحسب الصحيفة- أنه كان يجب إعطاء الفلسطينيين فرصة أولاً لقبول “الصفقة” التي وضعتها إدارة ترامب، والتي ظلت تتأخر بسبب الانتخابات الإسرائيلية، حتى تم الكشف عنها أخيرًا في يناير/كانون الثاني 2020.
منذ ذلك الحين وحتى يوليو/تموز 2020، مع تعزيز التعاون بين إسرائيل والإمارات في مارس/آذار فيما يتعلق بفيروس كورونا، كان توقيت إعلان التطبيع هو التوقيت المناسب، بناء عليه وبالرغم من أهمية تعاون مجموعة كوشنر-فريدمان-بيركوفيتز، والعتيبة، وبن شبات، و”ماعوز” وفريقه، فقد حقق الموساد بالفعل قفزات كبيرة إلى الأمام مع السعوديين بحلول عام 2017 وتم تسريعها بحلول موعد خطاب كوهين في يوليو/تموز 2019.
مما لا يمكن إنكاره ، ساعد فريق الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وبن شبات في إخماد الحرائق الكبرى واستخدموا التفكير خارج الصندوق لخلق فرص جديدة.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا