لم تقتصر سياسة التعتيم الإعلامي التي يعتمدها النظام العسكري في مصر على المسائل السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان والظروف البائسة للمحاكمات الجائرة ضد معارضيه وضد كل نفس حر في البلاد، بل وصلت إلى قطاع لم يتوقع عاقل أن تبلغه، حيث طالت تلك السياسات مجال الصحة العامة والتي تتطلب توفير الشفافية لتوعية عموم الشعب بمخاطر جائحة الكورونا وآليات مقاومتها.
عمدت سلطات السيسي منذ بداية الجائحة إلى إسدال ستار حديدي على الأخبار المتعلقة بانتشار الوباء واقتصرت البيانات التي تصدرها الجهات المختصة على التقليل من المخاطر والتأكيد على محدودية عدد الإصابات رغم الاعتراف بأن عدد المصابين تجاوز 20 ألفا وأن عدد المتوفين تخطى 800 حالة.
غير أن اللافت للانتباه خروج الرئيس عبد الفتاح السيسي من مربع التعتيم إلى مربع الهجوم والتشهير بالأصوات التي ارتفعت من الأطباء والصحافيين والناشطين الحقوقيين الذين شككوا في الأرقام المصرح بها وطالبوا باعتماد الشفافية، وتوفير وسائل العمل الضرورية للقطاع الطبي الذي يفتقد إلى أبسط المتطلبات التي تمكنهم من القيام بدورهم في مواجهة هذه الجائحة بعد أن تسبب نقص الإحاطة واللامبالاة وضعف وسائل الحماية في وفاة أربعة أطباء مما أجج غضب العاملين في القطاع الصحي ودفع نقابة الأطباء إلى إصدار بيان شديد اللهجة يدين حالة التسيب والفوضى التي تعاني منها المنظومة الصحية.
ورغم الوعود بالنظر في توفير المستلزمات الضرورية إلا أن الذي حصل هو العكس تماما، حيث أقدمت السلطات الأمنية على ملاحقة كل من يقدم على نقد الإجراءات أو فضح الأوضاع المزرية، وكان آخرها اعتقال طبيب العيون هاني بكر الذي تم اقتحام منزله في ساعة متأخرة من الليل والتعامل معه كما لو كان أحد الإرهابيين الخطرين، دون جريمة سوى تجرأه بالتعبير عن امتعاضه من قيام السلطات بإرسال كمامات طبية إلى الصين وإيطاليا في الوقت الذي لم يستطع هو شخصيا الحصول على كمامات لممارسة عمله.
وتقول مصادر حقوقية أن نفس المصير لحق اثنين آخرين من الأطباء ولنفس الأسباب، كما وجهت لهما نفس التهم الروتينية وعلى رأسها الانضمام إلى تنظيمات إرهابية.
ويشعر كثير من المصريين بمخاوف من أن يكون عدد الإصابات بكورونا أكثر مما تعلنه السلطة بكثير إذ تقول منظمة الصحة العالمية وفقا لتقرير صادر يوم 17 ماي / أيار الماضي إن حوالي 11% من المصابين بالفيروس في مصر من العاملين في قطاع الرعاية الصحية، منهم 124 طبيبا، كما قالت نقابة الأطباء أنها سجلت 350 حالة بين الأطباء، منها 19 وفاة، بينما تحدثت وزارة الصحة عن اتخاذ تدابير وقائية وإجراء ما يقارب من 20 ألف فحص للعاملين في القطاع الطبي على مستوى البلاد، منها نحو 9000 مسحة للكشف عن الفيروس. غير أنه ومع انتشار الفيروس أبدى بعض الأطباء في المستشفيات العامة قلقا متزايدا، وقالوا إنهم لم يحصلوا على الوسائل اللازمة لمحاربة الفيروس.
من جانبها قامت وزارة الصحة بإجراء تحقيق في مستشفى المنيرة بالقاهرة حول وفاة الطبيب الشاب وليد يحيى الذي أصيب بالفيروس، وذلك لاحتواء حالة الغضب التي أعقبت وفاته والتي على إثرها هدد زملاؤه بالاستقالة الجماعية بسبب نقص الاستعدادات ووسائل الحماية في المستشفى وانخفاض المرتبات، بالإضافة إلى التهديدات الإدارية والأمنية.
وفي مستشفى منشية البكري بالقاهرة أيضا، قال طبيب أمراض الجهاز الهضمي محمد مقبل إن العاملين في المستشفى طلبوا -دون جدوى- إجراء فحوص لهم عندما جاءت نتائج فحوص 23 زميلا لهم إيجابية بعد أن بدأ المستشفى استقبال الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس في منتصف ماي/أيار الجاري.
وأضاف أنه عندما قرر أطباء المستشفى الامتناع عن العمل لدعم مطالبهم بإجراء الفحص لهم وتوفير وسائل الحماية والتدريب هددت إدارة المستشفى بإبلاغ جهاز الأمن الوطني للتعامل معهم، وقال مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد إن السلطات ألقت القبض على ما لا يقل عن 500 شخص، من بينهم ناشطون ومحامون و11 صحفيا حول هذا الشأن.
لم يعد نظام السيسي يكترث لا للمرضى ولا للأصحاء من الشعب المصري بل قصر اهتمامه على الصورة التي يرسمها عن نفسه فليس لأحد أن ينتقد أو يناقش أو حتى يسأل، وليس المهم لدى النظام مقاومة الأوبئة والأمراض بقدر أهمية ترسيخ سلطته وفرض سطوته ولو على حساب أرواح أبناء شعبه
اضف تعليقا