العدسة – ياسين وجدي :

من آل مبارك إلى الجنرال عبد الفتاح السيسي ، تغيرت الأسماء وبقيت المشاريع والتوجهات وإن باتت بصورة أكثر توحشا اقتصاديا وأمنيا واقتصاديا ، بحسب المراقبين.

ومع عودة مشاهد القنابل المسيلة للدموع في “نزلة السمان” القريبة من منطقة الأهرامات بمصر ، عاد الحديث عن أوجه الشبه بين مشروع جمال نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك المعروف باسم مصر 2020 وبين مشروع الجنرال المعروف باسم مصر2050، وراج اسم الحليف الإماراتي مجددا!

مخطط واحد !

الإجراءات الحالية في مصر تقوم بالأساس على فكرة الاستيلاء على المناطق المميزة مثال على ذلك ما جرى في جزيرة الوراق ثم مثلث ماسبيرو ثم نزلة السمان، كلها كانت ضمن مخطط متكامل بدأ من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتحديدًا عندما أراد جمال مبارك في عام 2008، أن يبدأ مشروع أطلق عليه “القاهرة 2020″، ومن ثم تم تعديله إلى “القاهرة 2030″، وبعد ذلك جاء انقلاب 30 يونيو 2013 ليصبح “القاهرة 2050”.

ينص المشروع بحسب القيادي اليساري كمال خليل على عدة نقاط من ضمنها إخلاء الجزر النيلية مثل جزر “الذهب، ومحمد، والوراق”، كما نص على إخلاء مثلث ماسبيرو، وإزالة أرض المعارض، ومستشفى الأمراض العقلية والنفسية بالعباسية، وأرض مسرح البالون، وأرض حديقة الحيوان، مضيفًا أن محافظة الجيزة بكاملها جزء من مخطط كامل.

هذا المخطط أكده النائب المصري السابق زياد العليمي موضحا أن الذي حدث في نزلة السمان نموذج لما حدث في جزيرة الوراق والقرصاية وغيرهم،  وهو جزء من مشروع جمال مبارك مصر ٢٠٢٠، الذي هو نفسه مشروع النظام الحالي مصر ٢٠٥٠ .

 

وأضاف أن المشروع يشمل مناطق كثيرة ومشروعات مختلفة منها : إخلاء الجزر النيلية، ومثلث ماسبيرو وأرض مطار إمبابة وتطوير شمال الجيزة، وإزالة أرض المعارض، ومستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، وأرض مسرح البالون، وأرض حديقة حيوان الجيزة، وغيرها.

المخطط بحسب معلومات موثقة هو جزء من مشروعات التخطيط العمراني التي وضعتها بيوت خبرة صهيونية لإخلاء مناطق بالقاهرة الكبرى بزعم التطوير وإعادة التخطيط، ويتم تمريرها من خلال هيئة التخطيط العمراني ووزارة الإسكان، والشخص الذي يمرر هذه المشروعات هو الدكتور مصطفى مدبولي منذ أن كان رئيسا لهذه الهيئة قبل ثورة 25 يناير حتى نوفمبر 2011 وشغل منصب المدير الإقليمي للدول العربية بمكتب المستوطنات من نوفمبر 2012 حتى آخر فبراير 2014، قبل أن يتولى وزارة الإسكان ثم رئاسة الوزارة.

كانت البداية وفق المعلومات التي تكشف هذه الرؤية المعادية للشعب المصري مشروع “القاهرة 2050” الذي قدمه الدكتور مدبولي لجمال مبارك فتبناه لكن جاءت الثورة وأوقفته، وظل حبيس الأدراج حتى جاء عبد الفتاح السيسي الذي تبنى هذه المشروعات العمرانية وأصبحت هي محور نشاطه إن لم تكن النشاط الوحيد وسط رفض واسع من الأهالي لازال يتطور.

إحدى الصحف الموالية لنظام السيسي ، أقرت بذلك، وسلطت في تقرير لها صدر في عام 2015 تحت عنوان “أوجه الشبه بين عاصمة السيسي ومخطط القاهرة 2050 لجمال مبارك”. ، التقرير أوضح أن المشروع يتضمن تطوير نزلة السمان بالهرم، وعمل منطقة سياحية كبرى، وهضبة الأهرام بعمل امتداد لمنطقة المتحف الجديد من ميدان الرماية حتى 6 أكتوبر، وكذلك تطوير القاهرة الخديوية والقاهرة الفاطمية، وتطوير شمال الجيزة ومطار إمبابة القديم، ونقل مقابر القاهرة إلى مشارف المدينة وتخصيص هذه المساحة للحدائق والمساحات الخضراء.

المستثمر الإماراتي !

البرلمان المصري بالخارج الناطق باسم النواب الرافضين للانقلاب العسكري اتهم نظام السيسي صراحة بالعمالة للإمارات ، مؤكدا في بيان رسمي حول أحداث نزلة السمان أن ما حدث هو استمرار لدور “العسكر” في القيام بدوره ضد مصلحة المواطن المصري، والتفريط في البلاد لخدمة “أسياده في الإمارات وغيرها”.

الكاتب المعارض سليم عزوز، من جانبه، أكد أن هدم البيوت في نزلة السمان يأتي تمهيداً لبيع المنطقة للمستثمر الإماراتي، موضحا أن تلك السياسة بدأت بمحاولة فاشلة في إخلاء جزيرة الوراق ، والإخلاء الفعلي لمساحة كبيرة في منطقة مثلث ماسبيرو قبل الانتقال إلى نزلة السمان.

المسألة بحسب “عزوز” ترجع إلى تحول نظام السيسي إلى “تاجر أراضي” بعد الفشل في جلب  مزيد من الأموال من الخارج ، متسائلا باستنكار: “فكيف ينعم البسطاء بهذه المنطقة في حضور المستثمر الإماراتي الشره “، موضحا أن ” أهل الحكم” ضبطوا متلبسين بجريمتهم في “الوراق” عندما تبين أن الهدف من عملية الإخلاء هو بناء مشروع سياحي واستثماري تقوم به شركة إماراتية حصريا.

 

ووفق الكاتب المصري عامر عبد المنعم فإن هذا التهجير الظالم لا يجري من أجل مصلحة عامة على النحو الذي حدث مع أهل النوبة عندما شرع الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في بناء السد العالي -مع تجاهل السلطة منذ ذلك الحين لمطالب الذين تم تهجيرهم- أو بسبب ضرورة ملحة لدواعي طارئة متعلقة بالكوارث أو الاستعداد لها، وإنما الهدف من التهجير هو طرد السكان لبيع الأرض للمستثمرين الأجانب والإماراتيين بشكل خاص والذين تحركهم دوائر الاستثمار الموالية للصهيونية العالمية بحسب وصفه.

الحديث ليس حديث المعارضة ، ولكن السلطات تتحدث علنية عن الحضور الإماراتي الأجنبي المتصاعد، ووفق موقع اليوم السابع الموالي للنظام العسكري في مصر، فإن الاستثمارات الإماراتية بمصر هى الأكبر بين الاستثمارات العربية، والتى تتجاوز الـ877 شركة تعمل فى 15قطاعاً اقتصادياً مختلفاً بحوالى الـ 40 مليار درهم ، يتصدرها القطاع العقارى بما قيمته  94 مليار جنيه وهو ما ظهر بوضوح في إقامة مشروعات استثمارية إماراتية فى كل من مدينة العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة، بالإضافة إلى القاهرة وجنوب سيناء وبورسعيد والاسماعيلية وأيضا عدد من المشروعات الترفيهية مثل مول مصر بمدينة السادس من أكتوبر.

فيما يبدو اتساقا مع المخطط المشبوه يظهر الحضور الإماراتي في تصاعد مستمر، حيث اتجه نظام السيسي إلى البحث عن زيادة المستثمرين الإماراتيين وهو ما قد يتحقق فعليا مع فعاليات معرض “عقارات النيل” بأبو ظبي في الإمارات  والذي تم تنظيمه في الفترة بين 24-26 يناير الجاري برعاية مصطفى مدبولي رئيس الحكومة في نظام السيسي .

‎ معرض عقارات النيل الذي رفع شعار ذا دلالة وهو : “مصر بتقرب لك” بحسب المعلومات الرسمية عنه واحد من 9 من أهم الأدوات الترويجية لمصر لتصدير العقار ، ولكنه بالطبع اختار الإمارات في إطار المخطط المشبوه الذي أقرته الوزيرة المصرية السفيرة نبيلة مكرم مؤكدة في تصريحات لها أن المعرض يتماشى مع ترسيخ فكرة تصدير العقار المصري إلى الخارج في إطار استراتيجية التنمية المستدامة 2030 التي تنتهجها مصر، برعاية من “السيسي”.

رفض شعبي!

المظاهرات والتدوين والحملات الإلكترونية والمعارك القانونية ، كانت أبرز أدوات الشعب المصري المناهض لذلك المخطط .

المظاهرات التي خرجت في منطقة نزلة السمان قوبلت بالقنابل المسيلة للدموع، وفضت قوات الأمن مظاهرات الأهالي وألقت القبض على عدد منهم.

 

رواد مواقع التواصل الاجتماعي ، استغلوا إزالات نزلة السمان واستمرو في الحديث عن المستثمر الإماراتي على وسم #لا_لإزالة_نزلة_السمان”  ، وقالت صفحة داعمة للفريق المصري المعتقل سامي عنان ساخرة : ” تهجير أهل رفح لأسباب أمنية، وتهجير أهالي الوراق لأسباب فلوسية، وتهجير مثلث ماسبيرو لأسباب إماراتية ، وأخيرا.تهجير أهالي نزلة السمان لأسباب لا مؤاخذة سياحية”.

وقال صاحب حساب ” عثماني “ على ” تويتر” : ” لعيون الكفيل الإماراتي يتم تهجير الناس من بيوتهم وبيع أرضهم “، وغردت تمارة: “‏تهجير أهالي نزلة السمان عشان عيون الإمارات… إيه يا مصر”، فيما تداول مواطنون بالمنطقة صورا تفضح أكاذيب النظام.

 

الخوف من الاختراق الصهيوني عبر الإمارات كان حاضرا لدى بعض المدونيين ، وقال الناشط السياسي  عمرو السيد في تدوينة له على “فيس بوك” :” أخشى ما أخشاه أن تكون دويلة الإمارات هي الواجهة والوسيط لشراء أماكن حيوية في مصر لصالح الكيان الصهيوني ” جزيرة الوراق ، ومثلث ماسبيرو، ونزلة السمان”.

وبرزت الحملات المناهضة كوسيلة كذلك للمعارضين للحضور الإماراتي الأجنبي ، وآخرها حملات توقيعات إلكترونية تضامنا مع أهالي جزيرة  الوراق ، ورفضا للحصار الحكومي الذي يقمع المواطنين الذين تمسكوا بزراعة أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم منذ مئات السنين.