العدسة – جلال إدريس
قبل 47 عاما، قام الشاه الإيراني عشية الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971 باحتلال جزر إمارتية وهي “طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزء من جزيرة أبو موسى” ثم جاء علي أكبر هاشمي رفسنجاني عام 1992 واستكمل احتلال كامل لجزيرة “أبو موسى” الإماراتية.
ومنذ ذلك التاريخ والجزر الإماراتية الثلاث في قبضة “إيران”، ولا تحرك الإمارات ساكنا لتحريرها من سيطرة الإيرانييين، رغم ادعائها بامتلاك وثائق تثبت تبعية الجزر الثلاث لها.
وبعد حوالي 45 عاما على احتلال الجزر الإماراتية الثلاثة، قررت دولة “الإمارات” شن حرب ضروس، لكن ليس على إيران !، وإنما على دولة “اليمن” العربية الشقيقة، الحرب وقتها جاءت ضمن تحالف قادته السعودية عام 2015، بحجة تخليص “اليمن” من السيطرة الإيرانية المتمثلة في هيمنة “الحوثيين” على صنعاء !، وهو ما أثار الجدل وقتها إذ كان بالأحرى للإمارات أن تشن حربا لتحرير جزرها، لا لهدم ودك مؤسسات ومنشآت دولة عربية شقيقة.
بعدها بعام، قررت “الإمارات” شن حصار ضارٍ على دولة ما ، لكن أيضا هذه الدولة لم تكن “إيران” وإنما كانت دولة “قطر” العربية الخليجية الشقيقة.
الإمارات شاركت ضمن دول الحصار الأربع “مصر والبحرين والسعودية والإمارات” حصارا قاسيا على “قطر”، برا وبحرا وجوا، فضلا عن هجوم إعلام طاغي من قبل وسائل الإعلام الإماراتية.
الحصار والمقاطعة الإماراتية لـ”قطر” أثار جدلا واسعا، وتساؤلات كثيرة أيضا عن جدوى حصار قطر بالنسبة للإمارات، حيث إنه من المفترض أن تقاطع الإمارات “إيران” التي تحتل جذرها، وأن تفرض حصارا عليها، لا على بلد عربي شقيق لها.
كل تلك الأحداث والمجريات، دفعت الكثير من المراقبين لطرح سؤال واحد، طالما أن للإمارات قوة عسكرية، ونفوذ عربي وإقليمي، فلماذا لا تسخدم كل هذا في “تحرير أراضيها” ولماذا تستأسد على أشقائها العرب، في حين أنها تصير كالنعامة أمام “الخصم الفارسي؟!”.
الأهمية الاستراتيجية للجزر
وقبل الدخول في أسباب “صمت” الإمارات على احتلال أراضيها من قبل إيران، وجب التعريف أولا بأهمية الجزر الإماراتية، إذ إنه بالرغم من صغر مساحة الجزر الثلاث فإن أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية كبيرة جدا وهي سبب النزاع عليها، فهي تقع في منطقة حساسة من الخليج العربي وتوجد بالقرب منها الممرات الآمنة للملاحة البحرية فيه.
وتشرف الجزر على مضيق هرمز الذي يمر عبره يوميا حوالي 40% من الإنتاج العالمي من النفط، ويربط بين خليج عُمان والخليج العربي المعبر الرئيسي إلى المحيط الهندي. ومن يتحكم في هذه الجزر يسيطر على حركة المرور المائي في الخليج العربي.
وبحكم هذا الموقع الجغرافي المتميز للجزر فإنها صالحة للاستخدامات العسكرية؛ مما يجعلها مركزا ملائما للرقابة العسكرية على السفن التي تعبر الخليج العربي، أما سواحلها فيمكن استخدامها ملجأ للغواصات وقواعد إنزال آمنة، لكون مياهها عميقة وتصلح لإقامة منشآت عسكرية.
ومن الناحية الاقتصادية فإن هذه الجزر تزخر ببعض الثروات الطبيعية المهمة مثل: البترول، وأكسيد الحديد الأحمر، وكبريتات الحديد، والكبريت.
وفي عام 1972 أعلن حاكم الشارقة آنذاك سلطان بن محمد القاسمي اكتشاف النفط في المياه الإقليمية لجزيرة أبو موسى، وقد منحت حكومة الشارقة إحدى الشركات الأمريكية امتيازات للتنقيب عن النفط في الجزيرة، وصدّرت منها أول شحنة منه عام 1974، ثم تراجعت مستويات الإنتاج لاحقا لكن لا يزال وجود احتياطيات نفطية في المنطقة محتملا.
أسود على العرب ومع إيران نعام
وعلى مدار عقود طويلة من الاحتلال “الإيراني” للجزر الإماراتية، لم يسمع أحد أن احتدت “الإمارات” أو كشرت عن أنيابها لدولة “إيران” لكنها دوما تنتجه “سياسة الصوت الناعم” مع “طهران”، حيث تكتفي دوما بنداءات ودعوات للقيادة الإيرانية للتحلي بالعدالة والاستجابة لمطلب حل الأزمة بالطرق السلمية.
وتارة تقول الإمارات حل “الأزمة” بطرق سلمية، وتارة تسمي المسميات بأوصافها الصحيحة، حيث تعترف باحتلال إيران لجزرها، وتطالب بوقف هذا الاحتلال، لكنها سرعان ما تتراجع وتلتزم الصمت، في مقابل ذلك فإن إيران تقابل الإمارات بتعنت شديد، وبتصريحات نارية، تحذر من احتلال لجذر أخرى في الإمارات.
وفي تصريحات سابقة انتقد وزير الخارجية الإماراتي ما وصفه بـ”موقف إيران المتعنت والرافض لكل مبادرات الإمارات لحل القضية بالتفاوض المباشر أو التحكيم الدولي”، واتهما بعدم السماح بالتواصل مع سكان الجزر أصحاب الأصول الإماراتية، ومنه وصول المساعدات ومواد البناء أو الخدمات الأخرى إليهم، كما ترفض إيران دوماً أي حق للإمارات في الجزر الثلاث، وكذلك اللجوء إلى التحكيم الدولي كما تطلب الإمارات.
أولاد زايد يخشون نووي وأسلحة إيران
يرى مراقبون أن السبب الأول الذي قد يجعل الإمارات بمثابة “النعامة” أمام احتلال “إيران” لأراضيها، هو خشية “الإمارات” من أن تشن “طهران” حربا عليها، في ظل الحديث عن القدرات العسكرية الكبيرة لإيران، فضلا عن تطوير “برنامجها النووي”.
وعلى هذا الأساس، فقد سعت إيران في محافل دولية عدة، أن تفرض مزيدا من العقوبات على “إيران” بسبب ملفها النووي، كما سعت جاهدة، أن توقف الاتفاق النووي الذي توصلت اليه إيران مع الدول الكبرى عام 2015.
وقبل سبعة أعوام، كشفت برقية مسربة عن موقع “ويكيليكس” مصدرها السفارة الأمريكية بالإمارات أن الرجل الثاني بإمارة أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يتوقع نشوب حرب بالمنطقة بسبب إيران.
وذكرت البرقية التي نشرتها يومية “جارديان” البريطانية أن اجتماعاً عُقد يوم 9 فبراير 2010 بين قائد أركان القوات الأمريكية المشتركة الجنرال مايك مولن وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي كان يتولى حقيبة الدفاع بالحكومة الإماراتية.
وقال السفير الأمريكي بأبو ظبي ريتشارد أولسون, في البرقية التي أرسلها إلى وزارة الخارجية الأمريكية: “إن القيادة الإماراتية ترى في إيران التهديد الخارجي الأكبر ذا الطابع الوجودي”، مضيفاً أن “الإمارات مثلها مثل المجتمع الدولي تجد أن فكرة إيران حائزة على سلاح نووي غير مقبولة وهي ستقود إلى سباق تسلح بالشرق الأوسط”.
وأكد أولسون أن محمد بن زايد يرى أن موضوع الحرب مسألة وقت, مشيراً إلى أنه تم تقديم توضيحات لهيئة أركانه وشروحات مختلفة لأسباب التأخير في توريد الأسلحة لكنه لم يقتنع بأننا نتجاوب مع مخاوفه واعتبارها أولوية بالنسبة إلينا.
وفي عام 2012، حذر النائب الأول للرئيس الايراني محمد رضا رحيمي، الحكومة الفرنسية علنا والإمارات تلميحا، من مغبة الانجرار وراء الإرادة الأمريكية في تشديد العقوبات على بلاده. وقال: «اذا ما قطبت إيران أحد حاجبيها فقط أمام العقوبات الأوروبية، فإن جانبا من الاقتصاد الفرنسي سينهار».
كما هدد رحيمي الإمارات، من دون تسميتها، بارجاعها 100 عام الى الوراء، قائلا: «إحدى الدول الصغيرة التي وصلت لما هي عليه الآن بفضل النمو الإيراني ونشاطه، حاولت أخيرا الإخلال باقتصادنا، وإذا ما أردنا أن نتعامل معها خارج إطار المودة فإنها سترجع 100 عام إلى الوراء».
العلاقات الاقتصادية تجبرها على الصمت
وفقا لمراقبين فإن حجم العلاقة الاقتصادية بين “إيران والإمارات” هو أحد الأسباب التي تدفع “الإمارات” لغض الطرف عن قضية احتلال طهران لأراضيها.
فوفقا للأرقام الرسمية بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين ستة عشر مليار دولار العام الماضي حيث صدرت الإمارات لإيران سلعا بقيمة اثني عشر مليار دولار بينما صدرت للإمارات بضائع بقيمة أربعة مليارات دولار.
وتستحوذ الإمارات على نسبة 90 في المائة من حجم التجارة بين إيران ودول الخليج مجتمعة، حيث تجد فارقا كبيرا جدا بين علاقة “الإمارات” التجارية مع إيران وبين باقي الدول الخليجية.
فتجارة إيران مع عمان بلغت ثلاثمائة مليون دولار فقط ومع الكويت قدرت 260 مليون دولار ومع السعودية بلغت سابقا مئتي مليون دولار ومع قطر بلغت مائة مليون دولار أما مع الإمارات فتبلغ 16 مليار دولار.
كما تعد الإمارات ثاني شريك تجاري بعد الصين بالنسبة لطهران وتعتبر إيران الشريك التجاري الرابع بالنسبة للإمارات وقد بلغ التبادل التجاري بين الطرفين ذروته عام 2011 ببلوغه مستوى 23 مليار دولار ثم هبط تدريجيا خلال السنوات اللاحقة بسبب العقوبات الغربية لكنه ظل فوق خمسة عشر مليار دولار.
تخشى الجالية الإيرانية
ويقيم في الإمارات أكثر من نصف مليون إيراني ما يجعلهم أكثر الجاليات المقيمة في البلاد عددا وتنشط هناك عشرة آلاف شركة للإيرانيين تعمل في قطاعات اقتصادية مختلفة مثل تجارة التجزئة والعقار حسب تقديرات مجلس الأعمال الإيراني يمتلك الإيرانيون في الإمارات استثمارات واسعة.
ويشهد قطاع الطيران حركة نشيطة بين البلدين حيث توجد بينهما أكثر من مئتي رحلة طيران أسبوعيا شكلت الإمارات طوق نجاة لإيران إذ كانت منفذا لتجارتها في ظل العقوبات الغربية التي منعت التعامل مع كثير من شركاتها كما جمدت التحويلات المالية إليها مع رفع العقوبات عن طهران بعد اتفاقها النووي مع الغرب .
تعد الإمارات من أكثر الدول استفادة من القرار حيث يتوقع أن ترتفع تجارتها مع إيران بنسب تتجاوز خمسة عشر في المائة سنويا.
كل تلك الأسباب باختصار تجعل إيران تواصل استئسادها على أشقائها العرب، بينما تتعامل كنعامة تدفن رأسها في الرمال حال ذكر احتلال جزرها من قبل إيران.
اضف تعليقا