العدسة – معتز أشرف:

يمضى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخطى واثقة باتجاه فترة رئاسية جديدة تستمر لخمس سنوات من خلال المسار الديمقراطي الذي لا يعرف الزيغ، متخطيا الضغوط والظروف التي وصلت إليها البلاد بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، بينما خصومه في الداخل والخارج يلتفون في ارتباك حول الإرادات الشعبية وينفذون إجراءات غير دستورية من أجل بقاء العروش حتى لو فتحت آلاف التوابيت لمعارضيهم، ما يجعل تركيا في زهو عرس ديمقراطي يسطر مشهدًا جديدًا.

الرد الأول !

كانت تعرف تركيا بأنها دولة تقتات علي الانقلابات العسكرية، وعندما حاول خصوم أردوغان الإطاحة به، لجئوا إلى إليها، فهزمهم بإرادة شعبية سجلتها صناديق الاقتراع، وكانت الجولة الأولى للردّ عقب الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016  لمجموعة من ضباط القوات المسلحة التركية بذهاب أردوغان إلى صناديق الاقتراع بعد الالتفاف الشعبي منقطع النظير، حيث جاء الاستفتاء الدستوري في تركيا لتسجل الصناديق ردًا موجعًا لخصومه بحسب مراقبين؛ حيث نجح حزبالعدالة والتنميةالحاكم في تركيا من خلال استفتاء أجري في البلاد على تعديلات دستورية في منح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صلاحيات أوسع في إدارته للبلاد، والتي أعلن وقتها أنها ستدخل حيز التنفيذ بعد الانتخابات المقررة عام 2019 قبل أن يدعو لانتخابات مبكرة قبل أسبوع بثقة في شعبيته رغم الضغوط.

وبحسب تقدير موقف استراتيجي صادر عن المركز الديمقراطى العربى تحت عنوان “تركيا: من فشل الانقلاب العسكري إلى التعديل الدستوري والتحول نحو النظام الرئاسي”، فإنّ اعتماد أردوغان وقتها علي صناديق الاقتراع للرد بديلًا عن الانقلابات العسكرية التي لجأ لها خصومها افرزت العديد من الايجابيات، ومنها: “ترسيخ تمدين الحكم، والقطيعة مع الانقلابات العسكرية التي تعدّ سمة بارزة في تركيا، وتشكل أهم تهديد لاستقرار النظام السياسي التركي. وبحكم أن دستور 1982 تم وضعه بعد الانقلاب العسكري سنة 1980، فإن مضمونه جاء لحماية مصالح المؤسسة العسكرية وضمان نفوذها عبر تبنّي نظام حكم برلماني غير واضح المعالم، وجعل رئيس الجمهورية ينتخب من طرف نواب البرلمان لكنه يتمتع بصلاحيات معتبرة، في ظل استغلال المؤسسة العسكرية في الكثير من الحالات وجود مجلس الأمن القومي والقضاء العسكري للتدخل في الشأن السياسي أو التأثير في السياسات المنتهجة لاسيما السياسة الخارجية..

ولهذا، فإنّ التحول نحو النظام الرئاسي وإلغاء القضاء العسكري يهدف إلى إعادة الاعتبار إلى مؤسسة الرئاسة من حيث جعل رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من طرف الشعب، وكذلك منحه الصلاحيات الدستورية اللازمة ليكون هو الرئيس الفعلي للدولة في إطار نظام رئاسي واضح، وبحكم أن التعديلات الدستورية تزامنت مع الانقلاب الفاشل، فقد زادت قناعة النخبة الحاكمة بضرورة التحول نحو النظام الرئاسي، لإحداث القطيعة مع ظاهرة الانقلابات العسكرية. وكذلك إعادة بناء علاقات مدنية عسكرية على أسس ديمقراطية، بحيث تصبح المؤسسة العسكرية ملتزمة فقط بصلاحياتها الدستورية في مجال الدفاع والأمن القومي، وتخضع للسلطة المدنية المنتخبة مثلما هو سائد في البلدان الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، بجانب القضاء على إزدواجية صنع القرار التي كانت سائدة في الدستور التركي لسنة 1982 بوجود رأسين للسلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء)، مع العلم أن كل طرف له صلاحيات مهمة، مما أوجد حالة من تضارب الصلاحيات، وبناء الاستقرار المؤسساتي.

الإجراءات المبكرة

أردوغان لم يتوانَ عندما تصاعد الجدل الداخلي ومحاولة خلط الأوراق نتيجة للعمليات العسكرية التي خاضتها تركيا في سوريا والأحداث التي تشهدها المنطقة في التقدم إلى جولة الانتخابات المبكرة، وحسم الموقف سريعًا بقرار شجاع عقب اجتماع مغلق جمعه برئيس حزب الحركة القومية المعارض “دولت بهجه لي” في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة،  معلنًا أنَّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة ستجرى في 24 يونيو المقبل، بدلًا من العام المقبل.

وبرزت المخاوف من استخدام أي أسلحة اقتصادية في وجه تركيا تؤدّي إلى خلخلة الاقتصاد المحلي، فتقدم أردوغان بالحل الديمقراطي بحسب مراقبين عبر تقديم موعد الانتخابات لتحقيق الاستقرار المنشود، وإنهاء حالة الضبابية السائدة بخصوص الوضع الاقتصادي، ووضع القوى الخارجية إزاء الأمر الواقع مع استمرار سلطة الرئيس لخمس سنوات مقبلة على الأقل، وللحصول في سياق متصل علي تأكيد بالالتفاف حول قراراته الأخيرة في سوريا والتعامل مع مختلف الأزمات ومواصلة وتجديد شرعيته بعد الانقلاب العسكري الفاشل؛ حيث من المقرر البدء في منح رئيس الدولة المزيد من السلطات بحسب استفتاء أبريل 2017، كما ستمنح الانتخابات أردوغان فرصة تمديد بقائه في السلطة خمسة أعوام أخرى بعد أن قضى 15 عامًا رئيسًا للوزراء، وبعد ذلك رئيسًا، وعلي خلاف خصومه في الخارج الذين يضعون بلادهم في مهب الريح مقابل البقاء، حيث رفض بحسب المراقبين وضع البلاد في موضع التأهّب أو الشلل، خاصّة أنّ باقي الأحزاب الرئيسية المعارضة في البلاد كانت قد ردّت بشكل إيجابي على دعوة رئيس حزب الحركة القومية بالقول: إنّها مستعدة أيضًا لمثل هذا التحدّي الذي يتضمن خوض انتخابات مبكرة.

قضية المبادلة التي تمّت عبر الاتفاق بين حزبي الشعب الجمهوري والحزب حديث الولادة، حزب “إيي” (الجيد)، الذي أنجز بسرعة غير مسبوقة، كانت من المفترض أن تكون ضربة جديدة للرئيس أردوغان؛ حيث “باع” حزب الشعب الجمهوري 15 نائبًا من نوابه لكي يتمكن حزب “إيي” من تشكيل كتلة برلمانية يستطيع من خلالها تقديم مرشحه للرئاسة، وأثارت ردود فعل كبيرة؛ حيث وصفها كثيرون، على رأسهم  أردوغان، بحادثة ” كونيش موتيل” والبازارات السياسية في سبعينيات القرن الماضي. تلك الحقبة ارتسمت في ذهن المواطن التركي بالصدامات المسلحة في الشوارع، وانعدام الأمن، وفقدان الاستقرار السياسي، ولكن يرى مراقبون أن حزب العدالة والتنمية سوف يستغل حادثة تبدل الهوية السياسية للنواب الخمسة عشر من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب “إيي” بهذه الطريقة الملتبسة، للتدليل على ضرورة التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يحول دون وقوع مثل هذه الحوادث الإشكالية.

تم تداول اسم الرئيس السابق عبد الله غول مرشحًا مشتركًا للمعارضة، نكاية في أردوغان، تخطها الرئيس التركي، بإعلان صريح من الرئيس التركي السابق، عبد الله غُول، بعدم ترشّحه للانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى  تلك النقاشات تطورت بمعزل عنه، وشاركت فيها شخصيات تثق بتجربته السياسية وقدرته على قيادة الدولة، فيما غضّ أردوغان الطرف عن الأمر، مؤكدًا أن الصناديق تسع الجميع.

خصوم فاشلون

في المقابل برز خصوم عديدون للرئيس التركي أردوغان في مربع القمع دومًا خوفًا علي العروش، ففي الوقت الذي تتسع فيه تركيا لمختلف الاراء  فإن الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصل لسدة الحكم في 2014 بعد انقلاب عسكري ضد رئيسه د.محمد مرسي،  قام بانقلاب استباقي  في 2018 حيث اعتقل المرشح الأقوى الفريق سامي عنان ليحول دون دخوله الانتخابات، وهو ما وصفه مراقبون بأنه ليس أقل من انقلاب جديد بحيث يضمن السيسي التمديد لنفسه عمليًا دون منافس باستفتاء على المرشح الأوحد على طريقة كل الأنظمة القمعية، وهو السيناريو الذي جرى.

وفي الإمارات مازالت قصة الرئيس المغيب الشيخ خليفة بن زايد، تتصدر المشهد حينًا بعد حين؛ ففي فبراير الماضي عادت للأضواء، وتحدث كثيرون عن مؤامرة الديكتاتور “محمد بن زايد” الذي جرد أخاه غير الشقيق خليفة بن زايد من كافة صلاحياته وعزله عن محيطه واستغلّ مرضه للقفز علي سدة القرار دون أي إجراء ديمقراطي، ولكن مع ظهور خليفة مجددًا في عزاء والدته يفتح المجال للنقاش مجددًا: لماذا يجلس محمد بن زايد علي كرسي خليفة؟ ولماذا لا يعود خليفة لدوره وتصدر المشهد؟.

وفي السعودية تقف قفزة الأمير الطائش محمد بن سلمان علي سدة ولاية العهد كنموذج صارخ لمناهضة الديمقراطية وعدم القدرة علي تحملها؛ حيث تسرع الشاب المولود في العام  1985، وجمع في قبضته العديد من التوصيفات منذ تولي والده الحكم في يناير 2015 وحتى أبريل 2015، وذلك بعد أن قام بالغدر بابن عمه الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد في السعودية، وأخذ البيعة بالإكراه، فيما مازالت آثار الابتزاز المالي لما يقارب 49 شخصية بارزة في السعودية، بينهم أمراء ووزراء حاليون وسابقون بتهم تتعلق بالفساد، تفسر بحسب موقع بي بي سي عربي بأنها مرحلة من مراحل إخلاء الساحة لولي العهد السعودي، لتولي سدة الحكم في البلاد، ولكي يصبح الملك القادم للسعودية دون منازع.