العدسة_ بسام الظاهر:

كانت السعودية مساء أمس السبت، على موعد مع سلسلة قرارات غريبة تضاف إلى أخرى سابقة، تثير علامات الاستفهام حول أهدافها، خاصة وأنها تتعلق إمام بمسؤولين حاليين أو سابقين.

ولكن بات أمر معتاد في السعودية اتخاذ مثل هذه القرارات المثيرة للغط والشكوك، بعد تحكم ولي العهد محمد بن سلمان في مقاليد الحكم بعد إطاحته بولي العهد السابق ووزير الداخلية محمد بن نايف.

القرارات التي اتخذها ولي العهد تشي بوجود أمر ما كان يرتب في الخفاء، وسعى جاهدا لإفشاله عبر هذه الخطوة التي بدا أنها استباقية لشيء ما.

وبدا أن بن سلمان يتحرك لإفشال مخطط للانقلاب عليه خلال الفترة المقبلة، أو وجود أي شكل من أشكال المعارضة لترتيبات معينة خاصة بنقل الحكم إليه في حياة والده الملك سلمان بن عبد العزيز.

قرارات “مريبة”

البداية كانت مع أمر ملكي صادر عن الملك سلمان أو بالأحرى استصدره أو أصدره ولي العهد باسم والده، بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد، على أن يتولى محمد بن سلمان رئاستها.

الأمر الملكي الصادر مساء السبت، لم يكد يعرف به أحد إلا وأصدر رئيس اللجنة قرارات بإعفاء واعتقال عدد من المسؤولين السابقين ورجال الأعمال وأمراء.

وقت قليل مر على قرار ولي العهد والأمر الملكي، بما يشي بأن الأمور كانت مرتبة تماما قبل إصدار الأمر الملكي، وكانت الأسماء محددة سلفا، وهو ما يثير علامات الاستفهام بشدة حيال الأمر برمته.

وبمراجعة الأمر والقرارات الصادرة من ولي العهد، فإنه يجب الإشارة إلى عدة ملاحظات هامة:

أولا: مادام أن ثمة فسادا منتشرا في المملكة، فلماذا لم يحيل الملك سلمان بنفسه هذه القضايا إلى هيئة التحقيق والإدعاء وهيئة مكافحة الفساد “نزاهة”، دون أن يشكل لجنة عليا برئاسة نجله ولي العهد.

ثانيا: يبدو أن الوقائع المتهم فيها الأسماء التي وردت في بعض التقارير الإخبارية، لم تحدث خلال اليومين الماضيين بل كانت قبل فترة بحيث تصدر قرارات الاعتقال لهم بهذه السرعة وبشكل يؤكد أن هناك تحقيقات كانت تجرى قبل فترة.

ثالثا: يبدو أن قرار تشكيل اللجنة لم يتم بناء على تحقيقات جادة، إذ نص الأمر الملكي على “نظرا لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية”.

رابعا: بحسب بعض التقديرات لوسائل إعلام سعودية، فإن عدد الأمراء الذين تم توقيفهم نحو 18 أميرا إضافة إلى وزراء ومسؤولين حاليين وسابقين، كل هذا العدد ولم يتم كشف فسادهم قبل إصدار الأمر الملكي، بما يعني أن الجهات المسؤولة عن مكافحة الفساد لم تقم بدورها، وعلى الرغم من ذلك لم يقدم الملك سلمان على الإطاحة بهم.

Image result for ‫(الملك سلمان بن عبد العزيز‬‎

 

أبرز الأسماء

وجاءت أبرز أسماء الأمراء والمسؤولين السابقين –بعضهم أعفي من منصبه مساء السبت- ورجال الأعمال كالتالي:

وضمت الأسماء: “فهد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن نائب وزير الدفاع وقائد القوات البحرية السابق بعدة تهم تتعلق بالفساد وخصوصاً بالقوات البحرية، و رجل الأعمال المعروف حسين العمودي بعدة تهم تتعلق بالفساد وتقديم الرشاوي والاحتيال، و خالد الملحم رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية السابق وعدد من الشركات الكبرى بتهم الفساد والاختلاس”.

وشملت القائمة: ” سعود الدويش رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية بتهم الفساد وترسية العقود على شركاته الخاصة واختلاس أموال الشركة، و رجل الأعمال والمقاول المعروف بكر بن لادن بعدة تهم تتعلق بالفساد بمشاريع عديدة وتقديم الرشوة لعدد من المسؤولين في توسعة الحرمين، و رئيس المراسم الملكية السابق محمد الطبيشي بعدة تهم تتعلق بالفساد وسوء استغلال السلطة”.

وتضمنت: ” وزير المالية السابق إبراهيم العساف بتهم الفساد وقبول الرشاوي في عدة مواضيع منها توسعة الحرم، و رجل الأعمال المعروف صالح كامل وابنيه بتهم الفساد وتقديم الرشاوي، وتركي بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض سابقاً بتهم فساد محلية ودولية ومنها قطار الرياض، وعادل فقيه جاء بسبب الفساد والرشاوي وسيول جدة، و رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري بتهمة الفساد والرشوة”.

وكان من أبرز الأسماء: ” الوليد الإبراهيم صاحب مجموعة MBC بعدة تهم تتعلق بالفساد، والملياردير الأمير الوليد بن طلال بتهمة غسيل الأموال، والأمير متعب بن عبدالله بتهمة الفساد في صفقات السلاح في الحرس الوطني، وتركي بن ناصر بن عبدالعزيز بتهمة الفساد في صفقات سلاح وفي مصلحة الأرصاد والبيئة”.

 

 

 

الوليد بن طلال

متعب بن عبد الله

صالح كامل

خالد التويجري

إحباط انقلاب؟

حالة من التشكيك الكبيرة صاحبت هذه القرارات والتي جاءت دفعة واحدة، بما يزيد من علامات الاستفهام حيالها، خاصة في بعض الأطراف التي تضمنتها القائمة، وبالتحديد متعب نجل الملك عبد الله والوليد بن طلال وصالح كامل، وخالد التويجري، هذا بالإضافة إلى نائب وزير الدفاع.

ويبدو أن التحرك إما أنه عفويا للإطاحة بالتكتل المعارض لتوجهات محمد بن سلمان في السيطرة على الحكم وعدم رغبته في وجود أي نوع من المعارضة له خاصة من الأمراء ورجال أعمال نافذين، بما يشكل تهديدا عليه.

ولكن السيناريو الثاني أنه كانت هناك بالفعل نية للإطاحة بمحمد بن سلمان من الحكم ومنع وصوله إلى كرسي الحكم بشكل رسمي، وبالتالي استبق ولي العهد هذه التحركات وقطع الطريق عليهم، من خلال القضاء على هذا المخطط.

ولكن في كل الأحوال فإن هذه التحركات مع وضعها إلى جوار قرارات اعتقال النشطاء والدعاة والشيوخ خلال الأشهر القليلة الماضية، عقب إنشاء رئاسة أمن الدولة، تعطي مؤشرا عن اقتراب تنصيب محمد بن سلمان ملكا، خاصة مع وأن الأنباء كانت تردد عن هذا الأمر قبل فترة.

كما أن هذه القرارات توحي بأن هناك رغبة في “تلميع” ولي العهد باعتباره حاكما يكافح الفساد، إضافة لتشويه صورة أي شخص يمكن أن يعارضه.

وربما وجد محمد بن سلمان مسألة “اتهام الفساد” فرصة لتلميع نفسه شعبيا، مع الإطاحة بهذا العدد الكبير من الأمراء ورجال الأعمال في ضربة واحدة، من دون استبعاد ضم شخيات أخرى خلال الفترة المقبلة، وإلا فكيف كان سيبرر هذه التحرك دون تهم تتعلق بنزاهة هذه الشخصيات؟.

وما يدعم هذا الأمر هو حملة الترويج لولي العهد عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تحت هاشتاج “الملك يحارب الفساد”، ولكن في الحقيقة كانت تمتدح نجله، باعتباره هو من أصدر قرارات الاعتقالات والتوقيف للأمراء والمسؤولين.

ويجب الإشارة إلى أن التويجري ومتعب محسوبين على معسكر محمد بن نايف ولي العهد السابق، وبالتالي أراد بن سلمان الإطاحة بهم تماما من طريقه.

الملفت أن أحد نواب وزير الدفاع وهو محمد بن سلمان ورد اسمه في قائمة المتهمين بالفساد، وهى إدانة لولي العهد نفسه بالتستر على أحد نوابه كل هذه المدة، ولكن إقالة مسؤولين في الوزارة يشير ربما إلى وجود امتدادات للغضب من سياسات محمد بن سلمان داخل “الدفاع”.

 

 

 

مخطط إماراتي

تحت هاشتاج “متعب بن عبد الله” خرجت مئات التغريدات ترفض الإطاحة به واتهامه بالفساد، بل وتمجيد الخدمات التي كانت تقدمها وزارة الحرس الوطني في عهده.

ولكن من بين التغريدات تداول عدد من رواد موقع “تويتر” صورة من تغريدة سابقة للناشط الإماراتي القريب من ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، حمد المزروعي، يقول” وداعا متعب بن عبد الله”.. والمفاجأة أنها ليست بتاريخ أمس السبت، ولكن تعود إلى شهر يوليو الماضي.

وأعيد تداول هذه التغريدة التي كانت بلا مناسبة في هذا التوقيت، كدليل على أن قرارات محمد بن سلمان كانت من الإمارات وفق مخطط لتمكين ولي العهد من السيطرة على الحكم.

بعد آخر تحدث عنه نشطاء أثناء التعليق على تلك التغريدة، وهو ما يتعلق بسياسة الإمارات في دعم حلفائها، فبعد ان كان متعب والتويجري وفريقهما أحد فرسان الرهان بالنسبة للإمارات، إذا بها تتخلى عنهما وتضع كل رهانها على الشاب اليافع الطامح في ملك أبيه.. مما يؤكد البرجماتية الإماراتية في التعامل مع هكذا قضايا..