تظاهرت أمريكا بأنها تمتلك نفوذًا كبيرًا على الحكومة الإسرائيلية لكنها تعرّضت لضربة مزدوجة بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوم الخميس، بأن استكمال مهمة “استئصال حماس” ستستغرق أشهرًا، جاء هذا في وقت كشف تقييم استخباراتي أمريكي مسرّب أن ما يصل إلى 45% من ذخائر جو-أرض التي أسقطتها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، والبالغ عددها 29 ألفًا، كانت عبارة عن “قنابل غبية” غير موجّهة.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت صرّح بذلك خلال لقائه مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي وصل إلى إسرائيل لينقل رسالة مفادها أن “خطة الجيش الإسرائيلي” بحاجة إلى التغيير – وأنه من الأفضل أن يتم وقف الحملة خلال أسابيع، لكن الجانب الإسرائيلي لم يبد أي تعاون مع هذا الطلب، بل أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على أن إسرائيل لن تتوقف حتى النصر الكامل.

بالعودة إلى التقرير المُسرّب فإنه يؤكد تناقض وتضارب تصريحات الإدارة الأمريكية، حيث قالت وزارة الخارجية الأمريكية بأنها ليس لديها أي مخاوف أو تقييم ما إذا كان القصف الإسرائيلي يمكن أن يشكّل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، لكن التقرير الاستخباراتي يكشف عكس ذلك ويشير إلى أن إسرائيل بالفعل متورطة في انتهاك جملة من القوانين والأعراف الدولية.

وعلى نطاق أوسع، هذه الضربة المزدوجة تثير تساؤلات مهمة حول مدى نفوذ أمريكا على الرد السياسي والعسكري الإسرائيلي على هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

حتى أيام قليلة مضت، كانت الرواية المفضلة للبيت الأبيض هي أن هذه الحرب مبررة تماما للدفاع عن النفس ولها هدف يمكن تحقيقه، ورأت الإدارة الأمريكية أن وقوفها بجانب إسرائيل وتبني روايتها ودعمها له أهميته فيما يتعلق بمكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية، بل لطالما حرصت وزارة الخارجية الأمريكية في إحاطاتها الإعلامية المنتظمة على ذكر أمثلة لكيفية استماع إسرائيل للنصيحة الأمريكية والتصرف بناءً عليها، سواء كان ذلك بشأن نقاط وصول المساعدات الإنسانية، أو خلق المناطق الآمنة، أو حملة قصف منظمة، أو خطط لما يأتي بعد ذلك.

لكن هذه النبرة بدأت تتلاشى، مع ظهور خلافات مكبوتة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس فقط حول الأساليب، بل حول الأهداف.

يوم الاثنين الماضي، على سبيل المثال، بعد يومين من تلقي الولايات المتحدة انتقادات دولية لاستخدامها حق النقض ضد دعوة لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تلقى المتحدث باسم وزارة الخارجية المزيد من الضربات بسبب دفاعه المستميت عن إسرائيل.

في المقابل أقر بأن الولايات المتحدة “تجري محادثات” مع إسرائيل بشأن مقتل صحفي رويترز عصام عبد الله، وحول الصور “المزعجة للغاية” للفلسطينيين الذين جردوا من ملابسهم، و”التقارير المثيرة للقلق” حول استخدام الفسفور الأبيض كما جاء في صحيفة واشنطن بوست.

وفي وقت لاحق من يوم الجمعة الماضي، وصف جو بايدن التزامه تجاه إسرائيل بأنه “لا يتزعزع”، لكنه أضاف: “عليهم أن يكونوا حذرين.. إن الرأي العام العالمي كله يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها.. لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك”.

وفي يوم الثلاثاء 12 ديسمبر/كانون الأول، فيما تم تفسيره على أنه بعض تصريحات بايدن الأكثر وضوحا حول سلوك إسرائيل في الحرب، نُقل عنه قوله إن إسرائيل تخاطر بخسارة الدعم الدولي بسبب “قصفها العشوائي” في غزة، كما انتقد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، التي قال إنها “لا تريد أي شيء يقترب ولو من بعيد من حل الدولتين”.

في حالة بايدن، من الصعب معرفة ما إذا كانت هناك استراتيجية اتصالات متعمدة قيد التنفيذ أو ما إذا كان هذا أشبه بدبلوماسية خلط الأوراق، كما وصفه محلل السياسات في معهد الشرق الأوسط بريان كاتوليس، وهو مجرد شيء يخرج عن النهج السياسي قليلاً.

 

وفي كلتا الحالتين، فإن ما يفعله بايدن لا يمكن اعتباره سياسة، بل إنه قد يتعرض للمساءلة لأنه “سمح لإسرائيل بقتل 18 ألف فلسطيني”.. بحسب المحللين والخبراء، فإن إسرائيل لا تستمع إلى بايدن، في الواقع هم يأخذون أسلحته وليس نصيحته.

الخطر بالنسبة لبايدن هو أن يصبح جزءًا من خطة نتنياهو للبقاء في السلطة، وليس مجرد جزء من حرب “للدفاع عن النفس”، بل في واقع الأمر، يدير نتنياهو حملة لإعادة انتخابه ــ والمتوقعة في العام المقبل ــ ولا يوجد شخص أكثر منه تمسكًا بالسلطة في إسرائيل، وإذا لزم الأمر، كما يقول الخبراء، فإنه على استعداد لاستخدام التدخل الأمريكي غير المبرر بحجة حماية أمن إسرائيل كأداة لحملته الانتخابية.

وفي مقطع فيديو قصير نُشر على الإنترنت باللغة العبرية، ادّعى نتنياهو أنه الوحيد القادر على إحباط رغبة واشنطن والدول العربية في إحياء حل الدولتين، قائلًا “أنا لن أسمح بذلك”، وأكد أن الأمر متروك لإسرائيل لعدم تكرار خطأ أوسلو، وأضاف “لن أسمح، بعد التضحيات الجسيمة التي قدّمها مواطنونا ومقاتلونا، لن نضع في السلطة في غزة أشخاصًا يعلمون الإرهاب ويدعمون الإرهاب ويموّلونه… غزة لن تكون لحماس أو فتح”.

وهكذا حاول رئيس الوزراء إحباط خطط الغرب الرامية إلى إعادة إحياء السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح لتتولى المسؤولية في أنحاء غزة والضفة الغربية، والحل الوحيد المتبقي إذًا هو إدارة إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وهو الأمر الذي قالت الولايات المتحدة إنه لا ينبغي أن يحدث.

المعضلة التي يواجهها بايدن هي كيفية التعامل مع نتنياهو وحكومته الآن بعد أن أصبحت الخلافات علنية، فهل من الأفضل اللجوء إلى “الاستثمار” في قادة إسرائيليين آخرين، ومحاولة التوصل إلى نوع من التفاهم مع القادة العرب ثم الضغط على نتنياهو لقبوله؟

  

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا