إبان حملته الانتخابية، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن يجعل حقوق الإنسان أولوية في أجندة سياسته الخارجية ما جعل المحللون والنشطاء يعتقدون أنه سيقود “معركة بين الديموقراطيات وبين الأنظمة الاستبدادية” من أجل أن يُخلق عالم يسوده السلام.
الواقع جاء عكس ذلك تمامًا، بدلًا من حماية حقوق الإنسان، ساعدت إدارة بايدن في زيادة القوة العسكرية لعدد كبير من الدول الاستبدادية، وحسب تقرير صادر عن “ذا انترسبت” فإن الولايات المتحدة باعت أسلحة لحوالي 57٪ من دول العالم الاستبدادية عام 2022 وحده.
منذ نهاية الحرب الباردة بين السعودية وأمريكا، كانت الولايات المتحدة أكبر تاجر أسلحة في العالم، صدرت وحدها حوالي 40٪ من جميع صادرات الأسلحة حول العالم في عام واحد، بشكل عام.
تعتمد الولايات المتحدة في تجارة الأسلحة على آلية محددة: تعمل في البداية كوسيط، إذ تشتري العتاد من شركة أولاً ثم تقوم بتسليم البضائع إلى المستلم الأجنبي، ووفقًا لبيانات وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاغون، اشترت 142 دولة ومنطقة أسلحة من الولايات المتحدة في عام 2022، بإجمالي 85 مليار دولار في المبيعات الثنائية.
وحسب تقارير حقوقية، فإنه من بين 84 دولة تم تصنيفها على أنها أنظمة استبدادية عام 2022، باعت الولايات المتحدة أسلحة لما لا يقل عن 48 دولة، أي حوالي 57٪ منها.
بالنظر إلى الدول التي تتعاون معها الولايات المتحدة وتصدر إليها الأسلحة، نجد تناقضًا كبيرًا مع شعارات بايدن الذي ادعى كثيرًا أنه يسعى لترسيخ الديموقراطية حول العالم وحماية حقوق الإنسان، وجعل مرتكبي الانتهاكات “يدفعون الثمن.
في خطاب ألقاه في وارسو العام الماضي، قال بايدن إن المعركة بين الديمقراطية والاستبداد هي معركة “بين الحرية والقمع” و “بين نظام دولي قائم على القواعد ونظام تحكمه القوة الغاشمة”.
على الرغم من هذا الخطاب، تشير مراجعة البيانات الجديدة أنه بدلاً من التمسك بهذا النهج، فضل بايدن اتباع السياسة التقليدية للرؤساء السابقين، وتعزيز مبيعات الأسلحة للدول الديكتاتورية.
بنى الرئيس السابق دونالد ترامب سياسته الخاصة بمبيعات الأسلحة في المقام الأول على اعتبارات اقتصادية: مصالح الشركات قبل كل شيء، في أول رحلة خارجية له كرئيس، سافر إلى المملكة العربية السعودية وأعلن عن صفقة أسلحة كبيرة مع المملكة القمعية، ولقد أدى نهج ترامب التجاري أولاً إلى ارتفاع كبير في مبيعات الأسلحة خلال فترة إدارته.
ورغم ادعاءات بايدن، نجد أنه في أول سنة مالية كاملة له كرئيس، بلغت مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة إلى دول أخرى 206 مليار دولار، وفقًا للإحصاء السنوي لوزارة الخارجية، كما تجاوز إجمالي العام الأول لبايدن أعلى مستوى في عهد ترامب عند 192 مليار دولار.
لا يمكن التذرع بتسليح أوكرانيا ضد روسيا لتبرير ارتفاع نسبة المبيعات، لم يحدث الغزو الروسي لأوكرانيا إلا بعد خمسة أشهر من السنة المالية 2022، كما أن الكثير من المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة لأوكرانيا كانت على شكل منح وليس مبيعات.
تكشف الأرقام الجديدة أنه مهما اختلفت الإدارة الأمريكية، فإن السعي وراء المصالح الاقتصادية عبر مبيعات الأسلحة سيظل نهجًا متبعًا وسمة أساسية في سياسات تلك الإدارة، جمهورية كانت أو ديموقراطية.
تعهد بايدن في بداية فترته أن سياسة مبيعات الأسلحة الخاصة به ستستند في المقام الأول إلى الاعتبارات الاستراتيجية وحقوق الإنسان، وليس فقط المصالح الاقتصادية، لكنه لم يصمد كثيرًا، وخرج عن هذه السياسة بعد فترة ليست طويلة من توليه منصبه من خلال الموافقة على مبيعات الأسلحة إلى مصر والسعودية والإمارات وغيرهم من الأنظمة السلطوية والاستبدادية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا