كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن استخدام المملكة العربية السعودية لبرنامج التجسس الإسرائيلي الصنع “بيغاسوس” للاضطلاع على محتويات هاتف كامل جندوبي، وهو حقوقي تونسي ووزير سابق عُين في ديسمبر/ كانون الأول 2017 رئيسًا لمحققي الأمم المتحدة بشأن حرب اليمن. 

وقالت لوموند: على مدار أربع سنوات تعرض فريق الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة والمكلف بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، لضغوط من جميع الأنواع: مالية وسياسية ودبلوماسية.

وأوضحت أنه وفقا لتحقيق أجرته حول برنامج التجسس “بيغاسوس” مع ستة عشر صحيفة أخرى، أن فريق التحقيق هذا التابع للأمم المتحدة كان أيضًا ضحية لمؤامرات السعودية.

وأشارت إلى أن اللجنة الدولية الوحيدة المكلفة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع أطراف الحرب، التي عصفت باليمن منذ 2014، تعرضت وحتى إنهاء مهمتها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لحملة ضغط مكثفة من قبل السعودية.

وذكرت اليومية الفرنسية بأن هذا البلد الخليجي قاد تحالف عربي في اليمن بدعوى دعم الحكومة في الحرب التي تخوضها ضد المتمردين الحوثيين.

وأكدت أن في هذا الصراع حاولت السعودية، على الأقل في أغسطس/ آب 2019، اختراق هاتف المدافع عن حقوق الإنسان، كمال الجندوبي باستخدام برنامج بيغاسوس، التابع لشركة NSO الإسرائيلية، لافتة إلى أنه هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إثبات استهداف كيانًا تابعًا للأمم المتحدة بواسطة هذا البرنامج.

وشددت على أن “التحقيق أثبت خلافا لما تدعيه NSO الشركة الإسرائيلية المنتجة لبيغاسوس، أن برنامجها للتجسس الرقمي لم يستخدم لمكافحة الإرهاب والجريمة بل لأغراض سياسية”.

وتابعت يومها كان الجندوبي وفريقه يستعدون لنشر تقريرهم الثاني عن هذا النزاع وقد “حملوا فيه الحكومة اليمينة ودولتي الامارات والسعودية وكذلك الحوثيين مسؤولية جرائم الحرب المرتكبة في اليمن والانتهاكات الأخرى التي تستخف كليا “بآلام المدنيين”.

 

“سلوك دولة مارقة”

وذكرّت “لوموند” أنه تم تعيين كامل الجندوبي على رأس فريق الخبراء في ديسمبر/ كانون أول 2017 من قبل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الذين خلصوا في تقريرهم إلى أن العديد من الانتهاكات “يمكن أن تؤدي إلى إدانة أشخاص بارتكاب جرائم حرب إذا مثلوا أمام محكمة مستقلة ومختصة”، كما طالبوا المجتمع الدولي بالامتناع عن بيع الأسلحة إلى المتحاربين.

ونقلت الصحيفة عن الجندوبي، في إطار تعليقه عن هذا لتجسس خلال اتصال هاتفي، القول: “هذا سلوك دولة مارقة. لا توجد كلمات أخرى، بصفتنا محققين دوليين، من المفترض أن نكون محميين على الأقل. لكنني لست متفاجئًا على الإطلاق”.

وأضاف ” كنت قلقًا من أن يحدث هذا منذ عام 2019. كنا نعلم أنه من المحتمل أن نكون مستهدفين منذ نشر تقريرنا عام 2018. لقد أحدث هذا التقرير صدمة في السعودية والإمارات [وهي أيضًا عضو في التحالف العربي]. لأنهم لم يتوقعوا مثل هذه الاستنتاجات”.

وتساءلت “لوموند” ما الذي كان يبحث عنه المهاجمون عندما اخترقوا هاتف رئيس اللجنة في العام التالي؟ ما هي تفاصيل التقرير القادم، ولماذا كانت استنتاجاته تقلقهم؟ وهل حاولوا التعرف على مصادره ومصادر محققيه؟

وأكدت أن بمرور الوقت، أصبحت تقارير الخبراء الأمميون قاسية بشكل متزايد على المتورطين في الصراع، ففي عام 2020، طالب الخبراء بمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب.

ولفتت إلى أن هذه النتائج كان كثيرة على السعودية، التي، بالإضافة إلى عملية التجسس، استخدمت نفوذها لنسف عمل المحققين من خلال “تأمين” أصوات العديد من الدول الإفريقية والإسلامية أثناء التصويت في مجلس الأمن يوم 7 أكتوبر/ تشرين أول 2021، بجنيف بشأن تمديد عمل اللجنة، ولأول مرة منذ خمسة عشر عاما، تم رفض مثل هذا القرار.

ومن جهتها أدانت أنييس كالامار، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، التجسس على هاتف الجندوبي، وقالت “إن استهداف المحقق الرئيسي في تحقيق الأمم المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان، والمسؤول عن إبلاغ الدول الأعضاء وتقديم المشورة لها، بهذه الطريقة أمر مثير للصدمة وغير مقبول”.

 

ازدراء القانون الدولي

وذكرت اليومية الفرنسية إلى أن المقررة السابقة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كانت أيضا عرضة لهذا الخطر من قبل مسؤول سعودي رفيع المستوى في عام 2020 عندما كانت تحقق في مقتل المعارض الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية الرياض بإسطنبول.

وتعتقد كالامار أن محاولة القرصنة هذه “تشكل دليلًا إضافيًا على ازدراء السلطات السعودية التام للقانون الدولي، واستعدادهم لبذل قصارى جهدهم للحفاظ على إفلاتهم من العقاب، مؤكدة “من المهم أن تدين المفوضة السامية للأمم المتحدة ورئيس مجلس حقوق الإنسان والأمين العام هذا الاستهداف بأقوى العبارات الممكنة”.

ويرى الجندوبي أن “هذه دول ومسؤولون لا يهتمون بالتزاماتهم أو بالحد الأدنى من القوانين الدولية. وهذا يدل على عقليتهم. وهو يعتقد أنهم سيدحضون بلا شك ما يسمونه ادعاءات. لكن يجب على الأمم المتحدة أن تستخلص النتائج”.

وفي رده، قال المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فرحان عزيز حق: “للأسف لم نتفاجأ بالكشف المستمر عن الاستخدام الواسع النطاق لبرامج التجسس بيغاسوس، والتي تؤثر على آلاف الأشخاص في عشرات البلدان في أربع قارات على الأقل”. 

وبينما قال إنه ليس في وضع يسمح له بالتعليق على الحالة الخاصة بكامل الجندوبي، فقد أعرب عن اعتقاده بأنه “حان الوقت لضمان الامتثال لمعايير حقوق الإنسان، إذ يجب على الحكومات فرض حظر على بيع ونقل تقنيات المراقبة”.

أما الوزيرة الأسترالية السابقة ميليسا بارك، عضو فريق خبراء الأمم المتحدة السابق في اليمن، فأعربت عن أملها في “استخدام هذه التكنولوجيا المذهلة لصالح الشعب اليمني، بدلاً من العكس”، ورأت أن الدعوات إلى محاسبة مرتكبي الجرائم في اليمن ستزداد بعد الكشف عن عملية التجسس هذه.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا