أحمد حسين

يبدو أن التحريض الإماراتي آتى أكله، ونجحت مخططات أبو ظبي، ولو بشكل مؤقت، في دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى بدء خطوات لمحاربة حركة مقاطعة إسرائيل.

ورغم أن التحريض الإماراتي الذي مر عليه أكثر من عام كان يهدف بالأساس إلى معاقبة قطر، إلا أن التشريع الأمريكي المرتقب قد تمتد آثاره إلى الدول والكيانات التي تدعم الحركة.

مقاطعو إسرائيل

تأكيدا لدعم إسرائيل، دفع مجلس الشيوخ الأمريكي بتشريع جديد يتضمن إجراءات لمحاربة حركة تدعو لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين.

يتضمن مشروع القانون بندا خاصا بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، واتهم بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونجرس الديمقراطيين بتأييد حركة المقاطعة التي يعتبرونها “معادية للسامية”.

الديمقراطيون من جانبهم ردوا الاتهامات للجمهوريين بمحاولة استغلال الإجراء الخاص بحركة المقاطعة في بث الانقسام بين الديمقراطيين المعتدلين والليبراليين.

يُنظر إلى هذه البنود على أنها مساع لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترمب فجأة الشهر الماضي عن عزمه سحب القوات الأمريكية من سوريا سريعا.

(الدعم الأمريكي للاحتلال بلغ ذروته في عهد ترامب)

كان الديمقراطيون قد عرقلوا التشريع في المجلس أثناء الإغلاق الجزئي للحكومة والذي استمر 35 يوما، قائلين إنه يتعين على مجلس الشيوخ أن ينظر أولا في تشريع لإعادة تشغيل الإدارات الحكومية.

لكن بعد الاتفاق يوم الجمعة على إنهاء الإغلاق حتى 15 فبراير المقبل على الأقل، انضم معظم الديمقراطيين إلى الجمهوريين في تأييد بدء النظر في مشروع القانون.

ولا يزال أمام الإجراء عدة خطوات كي يصبح قانونا، وإذا أقره مجلس الشيوخ فيجب أن يوافق عليه أيضا مجلس النواب الذي يسيطر الديمقراطيون على غالبية مقاعده.

تحريض إماراتي

المثير في التحرك الأمريكي الجديد، أنه يعيد إلى الأذهان الحديث عن تحركات إماراتية في السياق ذاته، قبل أكثر من عام.

أحد تسريبات  سفير أبو ظبي في واشنطن “يوسف العتيبة”، والذي أميط اللثام عنه في نوفمبر 2017 وكشفه موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني، فضح سعي “العتيبة” في مباحثاته مع المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط “دينيس روس” لمعاقبة قطر، بسبب دعمها لحركة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم “بي دي إس”.

(العتيبة عراب التطبيع الإماراتي مع إسرائيل)

وأشار الموقع إلى أن الرسائل المسربة من البريد الإلكتروني للعتيبة تكشف الخيارات التي تدارسها الرجلان لمعاقبة قطر، في مقدمها نقل القاعدة الأمريكية من العديد بغية “إجبار قطر على تغيير سلوكها”.

وأكد التقرير أن المراسلات بين العتيبة وروس تكشف عن رغبة إماراتية في تطبيع سريع مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لمصلحة تل أبيب في واشنطن.

وأشار التسريب إلى إعراب الرجلين عن قلقهما إزاء بعض النشاطات القطرية التي تسعى لإدانة إسرائيل في مراكز البحث والتفكير على مستوى العالم.

ما هي (BDS)؟

حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) تُعرف نفسها بأنها “حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد” تسعى لمقاومة الاحتلال من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.

وتقول عبر موقعها الرسمي أنها “نجحت في بداية عزل النظام الإسرائيلي أكاديميًا وثقافيًا وسياسيًا، وإلى درجة ما اقتصاديًا كذلك، حتى بات هذا النظام يعتبر الحركة اليوم من أكبر الأخطار الاستراتيجية المحدقة بها”.

تسمية الحركة بهذه الأحرف الثلاثة (BDS) يرجع إلى اختصار أهدافها المعلنة في مواجهة الاحتلال كالتالي: مقاطعة (Boycott)، سحب الاستثمارات (Divestment)، وفرض العقوبات (Sanctions).

(فعاليات عالمية تنظمها الحركة التي رُشحت لجائزة نوبل للسلام)

شرارة الحركة انطلقت عام 2005، حيث شارك أكثر من 170 كيانًا من اتحادات شعبية ونقابات وأحزاب ولجان شعبية ومؤسسات أهلية فلسطينية في إطلاق النداء لمناشدة أحرار وشعوب العالم بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.

أما المطالب فهي تتلخص في: إنهاء الاحتلال وتفكيك جدار العزل، إنهاء كافة أشكال التمييز العنصري ضد فلسطينيي 1948، حق اللاجئين في العودة لديارهم واستعادة ممتلكاتهم.

وتتصاعد الضغوط داخل الولايات المتحدة الأمريكية على نشطاء الحركة بسبب ما تشعر به إسرائيل من قلق وخوف عبر عنهما سفيرها لدى الأمم المتحدة “داني دانون” الذي اعتبر أن الحركة تشكل تهديدًا لوجود إسرائيل.

وفي سياق تلك الضغوط أصدر حاكم ولاية نيويورك “أندرو كومو” في يوليو الماضي، أمرًا تنفيذيًا يفرض عقوبات على حركة مقاطعة البضائع والاستثمارات الإسرائيلية، وهو القرار الذي أثار جدلًا بين الأمريكيين.

في السر والعلن

لكن الحقيقة أن هذا التسريب مجرد حلقة في سلسلة كشفتها تسريبات سابقة من البريد الإلكتروني للعتيبة، تفضح خبايا العلاقات السرية والعلنية بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي.

وسلط التقرير الإعلامي المنشور 31 يوليو الماضي بعنوان “رمال متصهينة” الضوء على القصة الكاملة للعلاقات الإسرائيلية الإماراتية.

تقارير إعلامية أخرى نقلت عن وثائق لموقع ويكيليكس، أن تنسيقًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا يجري بشكل متسارع بين الإمارات وإسرائيل، وتُظهر الدور الذي يقوم به العتيبة في الدفع بالتطبيع في اتجاه مراحل غير مسبوقة، كما تظهر أن أبوظبي لم تتحول إلى مرتع للمصالح الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية فحسب، بل أصبحت قاطرة تحاول جذب العالم العربي إلى السير في ركاب المنظور الإسرائيلي للمنطقة وقضاياها، وفي صدارتها القضية الفلسطينية.

وفي أغسطس الماضي، كشف موقع “ميديل إيست آي” البريطاني، أن العتيبة تواصل مع “عراب” القبة الحديدية الإسرائيلية، والقائد في جيش الاحتلال، عوزي روبين، بعد شهر واحد من العدوان على غزة عام 2012، ومع أهم مؤسسات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا.

(ما كان سرا قبل سنوات أصبح علنيا)

كما تكشف الوثائق أنه في عام 2010 استقبلت الإمارات فريق الجودو الإسرائيلي بالتزامن مع اغتيال القيادي في حركة حماس “محمود المبحوح” في دبي بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).

وبحسب الوثائق أيضًا، فإن الإمارات تعاقدت مع شركة “إيه جي تي” الأمنية الإسرائيلية لتأمين مرافق النفط والغاز، وكذلك إقامة شبكة مراقبة مدنية في أبوظبي، كما شاركت الإمارات نهاية العام الماضي في مناورات العلم الأحمر في اليونان إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة.

وفي مراسلات أخرى طلب المحلل البارز في واشنطن، وأحد أهم مفكري اللوبي الإسرائيلي هناك، “روبرت ساتلوف” من العتيبة في فبراير 2012، استضافة عشاء خاص لمجلس إدارة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمناصر للاحتلال، ورد العتيبة بالإيجاب، وقال: “إن هذه فكرة عظيمة. سعيد باستضافة هذه المجموعة القوية”.