العدسة – ياسين وجدي:
حمل الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما في صورة شهيرة نسخة من كتاب “عالم ما بعد نهاية امريكا” في يده ، ولم يكن يتوقع أكثر المتشائمين أن نهاية امريكا تقترب سريعا بعد صعود مثير لرجل الأعمال المؤمن بالروايات الصهيونية المسيحية عن نهاية العالم دونالد ترامب.
“العدسة” يعيد قراءة الكتاب مجددا ، في ظل تواتر التحذيرات من أن ترامب سيكون بداية نهاية أمريكا ومع المستجدات الأخيرة التي دفعت كثيرون لترقب مستقبل امريكا.
“عالم ما بعد نهاية امريكا”
منذ ظهوره وصداه لا يتوقف انه كتاب “عالم ما بعد نهاية امريكا”، للمنظر الديمقراطى فريد زكريا رئيس تحرير «نيوزويك» السابق، والذي اكتسب شعبية جارفة بين قراء العالم، وفاز بلقب أكثر كتاب تحليلى مبيعا حول العالم فى تصنيف «نيويورك تايمز».
بدأ فريد زكريا كتابه بعنوان «لماذا تفشل الأمم؟» أوضح تحت لافتاته سيناريوهات سقوط الأمم، كيف تبدأ ومتى تنتهى؟ وذهب إلى أن فشل الإمبراطوريات -كفشل أى أمة- له أيضاً سيناريو من خطوات محددة تمر بها الإمبراطورية فى طريقها إلى الغرق، حيث يبدأ سيناريو هبوط الإمبراطورية «بالاطمئنان»، حيث تقنع القيادة السياسية بأن دولتها تربعت على عرش العالم وأن العالم استوعب ذلك وقبِله، وهو ذلك الشعور الذى عاشته فرنسا نابليون وألمانيا بسمارك وبريطانيا باكس- بريطانيكا، والاتحاد السوفيتى ما بين ستالين وخروشوف، وتعيشه القيادة السياسية فى الولايات المتحدة منذ عهد ريجان وحتى يومنا هذا وفق الكاتب.
ونتيجة لانعدام الرؤية عند القادة الذين مكثوا فى وهم “الاطمئنان”، وشعور الشعب بالغربة عن بقية العالم نتيجة “الانعزالية”، مع ظهور سخط العالم الخارجى على الإمبراطورية وتحديه لقواعدها الدولية، تدخل الإمبراطورية مرحلة “التصعيد ضد العالم”، حيث يرى “زكريا” أن هذه المرحلة غالبا ما يقودها “أحمق” ضعيف الإمكانات يداعب شعب إمبراطوريته وشعوره بالاستثنائية من خلال تأليبه على العالم، وهو ما يتوافق مع توصيفات كثيرة للمراقبيين بشأن دونالد ترامب .
مرحلة التصعيد بحسب “زكريا” هذه تؤدى إلى صدام، وبما أن الكل دائما أقوى من الفرد، يكتب هذا الصدام سطر نهاية الإمبراطورية العظمى، وفى هذا الصدد يلمح الكاتب بأن نهاية الولايات المتحدة قد تكون “الحرب على الإرهاب”.
وتوقع فريد زكريا سقوط امريكي على شاكلة الاتحاد السوفيتي بقوله :” إذا افترضنا أن قوة الولايات المتحدة تضاهى عسكريا وأمنيا واقتصاديا قوة العالم كله مجتمعا، فإن السقوط قد يحدث بسبب عدم قدرة الولايات المتحدة أن تجمع قواها بسبب الحرب الباردة بالداخل، فيحدث لها “ضمور ذاتى” على طريقة الاتحاد السوفيتى فى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات”.
وتعمد الكاتب في الفصل السادس من الكتاب إلى تذكير أمريكا بمصير الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب الشمس عن ممتلكاتها وسط البحار وفيما وراء البحار، ويحاول جاهدا التنبيه إلى ما آل إليه مصيرها، ويعقد مقارنات توازي بين مصير القوتين العظميين، ويخلص إلى نتيجة فحواها أن القوة العسكرية ليست سبب المكانة الوحيدة لأميركا بل هي نتيجة لهذه المكانة التي تستمد وقودها من القاعدة الاقتصادية والتكنولوجية التي تنفرد بها.
كما يرى “زكريا” أن صعود الصين والهند لن يقلق الولايات المتحدة إلا على مستوى القوة التقليدية، فإذا دخلت الولايات المتحدة سباقا للتسلح مع هذه القوى الجديدة سيخسر الكل، أما إذا توجهت لاستثمار برامجها التعليمية وجامعاتها وفرص الهجرة إليها ستحافظ الولايات المتحدة على قوتها التنافسية من خلال الإحلال والتجديد الصناعى للسكان ، أو بمعنى أوضح استقطاب مواهب العالم بما فيه الصين والهند وأى قوى أخرى تصعد وفق الكاتب.
ويؤكد “زكريا” أن الولايات المتحدة لم تعد الآن في وضع تحسد عليه ، فصحيح أنها ما زالت القوة العظمى عالميا إلا أنها قوة عظمى متهالكة القوى نجد أن مشاكلها الاقتصادية واضحة،سمعتها وصورتها أصبحت سلبية في نظر قطاعات عديدة من عالمها وعصرها ومشاعر العداء لأميركا في كل مكان ما بين بريطانيا نفسها في أوروبا إلى ماليزيا في جنوب الشرق الآسيوي.
لقطة اوباما !
ما زاد من قيمة الكتاب فى الأوساط السياسية والثقافية هو الصورة التى التقطها أحد الصحفيين الجمهوريين للرئيس أوباما وهو يحمل هذا الكتاب، ونشرها على موقع «تويتر» وعلق عليها متهماً الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما وفريد زكريا بالتخطيط لإسقاط الولايات المتحدة.
الصحفي الامريكي من جريدة نيويورك تايمز، يدعى مايكل مولنر، التقط بكاميرا بعيدة المدى، اوباما يغادرالطائرة، يحمل كتاب “عالم ما بعد نهاية امريكا” ، واثار تعليقات واسعة وقتها ذهبت الى وجود مخاوف حقيقة لدى الادارة الامريكية من انهيار الامبراطورية بعد عقود من الصعود، مؤكدة أن أسلوب كتابة زكريا كان ذكي وحاد، ومع ذلك كان أسلوب مفهوم وفي متناول الجمهور العام.
تحذيرات متواترة!
عمليا ، بعد هذه السنوات من نشر الكتاب ، سيطرت روحه مجددا على البيت الأبيض ، ليأتي كتاب “نار وغضب”، للكاتب الصحفى الشهير، مايكل وولف، منابر ليؤكد ما سبق وأن نشره كتاب “عالم ما بعد نهاية أمريكا” ، حيث رجح بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية على يد “ترامب”، فالرئيس الامريكي حارق لذاته وسياساته تقطع الخيط الأخير مع فلسطين وتحطم إنجاز نادر بالملف الإيرانى ، وبحسب مراقبين فإنه يقدم للعالم خدمة، إذ تفرض على العالم إعادة التفكير فى نظام دولى بدون الولايات المتحدة الأمريكية.
المراقبون يرون أن الأزمة ليست في التحليلات المتقاربة مع الوضع الحالي أو التوقعات المتشابهة إلى حد كبير مع الواقع فحسب، حيث يرون أن تفكير ترامب ذاته يميل إلى الروايات الصهيونية المسيحية ، ومعركة نهاية العالم “هرمجدون” ، وهو ما أشارت اليه صحيفة الإندبندنت البريطانية في تقرير حديث لها قالت فيه :” إن السبب الحقيقي الذي دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة، هو نبوءة “نهاية الأيام”، التي تؤمن بها الحركة الإنجيلية المسيحية ، والتي تقول إن اليهود سيسيطرون على القدس بأكملها، ما يتسبب في نشوب حرب بين الحضارات، ويضطر اليهود إلى الاختيار ما بين اعتناق المسيحية، أو أن يحِل عليهم غضب الله”.
ووفق صحيفة “ديلي اكسبرس” البريطانية فإن تحقق نبوءة المنجم الفرنسي “نوستراداموس” بفوز الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، دليلا على اقتراب نهاية العالم والامبراطورية الامريكية ، كما توقعت العرافة البلغارية العمياء، المعروفة بـ”بابا فانجا”، قرب نهاية الامبراطورية الامريكية بعد الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما.
الأمر لم يتوقف عند هذا ، بل أثار كارتون أمريكي تنبأ بقرب نهاية أمريكا بعد فوز ترامب.. جدلا واسعا ، حيث تنبأ بظهور دولة عظمى بعد انهيار الولايات المتحدة الامريكية وذلك من العام 2000، وهو ما يعني أن كثيرين باتوا ينتظرون نهاية الامبراطورية الأمريكية كما حذر فريد زكريا في كتابه “عالم ما بعد نهاية أمريكا”.
اضف تعليقا