العدسة – جلال إدريس
بتفاؤل كبير استقبل عشرات الآلاف من سكان دولة الكويت، المعروفون باسم “البدون”، موافقة مجلس الأمة الكويتي على مشروع قانون بشأن قبول غير الكويتيين في وظائف بالجيش البلادي.
القرار جاء بمثابة خيط الأمل الذي تعلق به “البدون”، الذين لا تعترف دولة بهم كمواطنين، غير أنهم يعيشون في الكويت ويعانون معاناة صعبة بسبب رفض الدولة التعامل معهم كمواطنين، وفي نفس الوقت لا تسمح بتعيينهم في المناصب الحكومية.
“البدون”، نظروا إلى موافقة البرلمان الكويتي على تعيين “الأجانب” في وظائف بالجيش، بداية الطريق للموافقة على تعيينهم في باقي مؤسسات الدولة، وربما يكون بداية فعلية للاعتراف بهم كمواطنين كويتيين.
(العدسة) ومن خلال هذا التقرير تسلط الضوء على أزمة “البدون” ومشكلاتهم المتراكمة، وعلاقاتهم بقرار تعيين الأجانب في الجيش، والسر من وراء إصدار مثل هذا القرار في هذا التوقيت بدولة الكويت؟!.
أولا من هم “البدون”؟
«البدون»، هو تعبير يطلق على فئة سكانية تعيش في الكويت، ولا تحمل جنسية البلد، وبينما يؤكد البدون أن عددهم يبلغ ما بين 96 و120 ألف شخص، تؤكد السلطات الكويتية أن البدون بلا جنسية هم 34 ألفا فقط، بينما الباقون هم من جنسيات أخرى.
وبدأت أزمة «البدون» في الكويت بالظهور عقب استقلال البلاد عام 1961، إذ لم يتمكن «البدون» الذين كانوا يسكنون الصحراء من الحصول على الجنسية الكويتية، لكنهم خدموا في الجيش والشرطة وساهموا في تأسيس أجهزة الدولة، من دون حصولهم على ورقة الجنسية.
وبعد الغزو العراقي للبلاد عام 1991، قررت الحكومة الكويتية منعهم من العمل في الجيش والشرطة، واتهمتهم بإخفاء أوراق ثبوتية تعود للدول المجاورة (العراق والسعودية)، طمعا في الحصول على الجنسية الكويتية، رغم أنهم سُجلوا في أول إحصاء سكاني أجرته الدولة عام 1965، كمواطنين كويتيين.
ماهي مطالبهم؟
ويطالب «البدون» بشكل متواصل، بمنحهم الجنسية الكويتية، فيما تقول حكومة البلاد إن غالبية هذه الفئة يحملون جنسيات عراقية أو سعودية أو سورية، لكنهم أخفوها للحصول على الجنسية الكويتية.
وأنشأت الحكومة «الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية»، وهو جهاز تابع لرئاسة مجلس الوزراء، يتولى التعامل مع “البدون” كحكومة مصغرة لـ150 ألف نسمة، بما في ذلك ملف توظيف وزواج وطلاق واستخراج الأوراق الثبوتية لهم، فيما منعت الجهات الحكومية والشركات الخاصة من توظيف «البدون» أو التعامل معهم، إلا بإذن من سلطات الجهاز المركزي؛ ما أدى إلى تظاهرهم للمرة الأولى عام 2011، متأثرين بموجات الربيع العربي قبل أن تخفف الحكومة بعض القيود المفروضة عليهم.
وعادت الأزمة من جديد عقب قيام رئيس الجهاز المركزي، «صالح الفضالة»، منتصف العام الماضي، بتشديد القيود عليهم مرة أخرى، لكن بشكل قاس هذه المرة، حسب ما يقول مراقبون.
ورغم أن البرلمان أيد أكثر من مرة مشاريع حكومية لمنحهم الجنسية، لكن تنفيذ هذا الإجراء يواجه بطئا شديدًا حتى الآن.
الدولة تمارس العنصرية
ويعتقد بعض نشطاء حقوق الإنسان أن الكويت تمارس نوعا من “العنصرية الطائفية” إزاء “البدون” لأن بعضهم يتبع المذهب الشيعي، وهو أمر يفزع الحكومات الخليجية بشكل عام، ولعل التطورات التي تشهدها البحرين خير دليل على ذلك.
وفرضت “سياسة التضييق” التي تمارسها الحكومة الكويتية ضد “البدون”، إلى اتباعهم أساليب جديدة للتحايل والالتفاف على ما تتضمنه تلك السياسة من إجراءات وممارسات
وكنتيجة لسياسة التضييق، لم يكن بإمكان أبناء البدون الحصول على حقهم في التعليم، حتى أصبح هناك جيل كامل من غير المتعلمين، بدءًا من عام 1986 حتى عام 2003، عندما تداركت الحكومة المشكلة، وقامت بإنشاء “صندوق التعليم”، الذي يساهم في تكاليف تعليم البدون في المدارس الخاصة، دون السماح لهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية.
إلا أن الأمر الأسوأ، بحسب عدد من أبناء “البدون”، تمثل في حرمانهم من شهادات الميلاد ووثائق الزواج، الأمر الذي دفعهم إلى اللجوء لما وصفوها بـ “أساليب قانونية”، للتحايل على ذلك الواقع المرير الذي فرضته الحكومة على حياتهم.
فعلى سبيل المثال، عندما كان شاب وفتاة من “البدون” يرغبان في الزواج، كانا يقومان بعقد القران وإتمام الزواج “شرعًا” أمام أحد شيوخ المساجد، بحضور أسرتيهما، إلا أنهما لم يكن بإمكانهما الحصول على وثيقة رسمية تفيد بزواجهما، وفي حالة الإنجاب لم يكن باستطاعتهما أيضًا الحصول على شهادة ميلاد لطفلهما، فكان أحد الزوجين أو كلاهما يقوم برفع دعوى “زنا” ضد الآخر، أمام المحكمة، التي كانت في العادة تصدر أحكامها بتزويجهما، وبالتالي، يحصلان على وثيقة رسمية تثبت زواجهما، أما بالنسبة للأطفال، فكانا يسلكان نفس الطريق، عن طريق رفع دعوى “إثبات نسب”، للحصول على حكم قضائي بنسبهم إليهما.
أما في حالة إذا ما أقدم أحد أبناء “البدون” على الزواج من فتاة كويتية، فإن حياتهما الزوجية ستظل على الدوام “مهددة”، حيث إن القوانين المعمول بها في الدولة النفطية الخليجية، تمنع أبناءهما من الحصول على الجنسية الكويتية، إلا في حالة إذا ما وقع الطلاق بينهما، بل ويجب أن يكون الطلاق “بائنًا لا رجعة فيه”.
وكانت بعض الأسر الكويتية تشجع بناتها المتزوجات من أزواج من “البدون”، على الطلاق من زوجها لـ “ضمان مستقبل أبنائها”، فيما كانت أخريات تتفق مع أزواجهن على أن يتم الطلاق بينهما “بشكل صوري”، على أن يعودا لمواصلة حياتهما معًا “بصورة غير قانونية”.
ويعتقد بعض نشطاء حقوق الإنسان، أن الكويت تمارس نوعًا من “العنصرية الطائفية” إزاء “البدون” لأن بعضهم يتبع المذهب الشيعي، وهو أمر يفزع الحكومات الخليجية بشكل عام.
إلا أن هذا الواقع قد تغير عام 2011، عندما قررت الحكومة الاستجابة لمطالب “البدون”، الذين بدءوا في النزول إلى الشوارع، في احتجاجات غير مسبوقة في الكويت، حيث تم منحهم 11 ميزة، من بينها الحق في الحصول على شهادات ووثائق ثبوتية رسمية.
انفراجة وأمل
جاءت موافقة مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، على مشروع قانون يقضي بقبول غير الكويتيين في وظائف جيش البلاد، بمثابة أمل وانفراجه جديدة للبدون، حيث يعد خطوة أولى في الحصول على حقوقهم.
وأظهرت نتيجة التصويت في البرلمان الكويتي موافقة 44 عضوًا فيما عارضه 5 آخرون، وامتنع عضو واحد عن التصويت، من إجمالي الأعضاء الحاضرين الـ50، حسب وكالة الأنباء الكويتية «كونا»، وهو ما لاقى ترحيبا نيابيًّا.
وبحسب مراقبين، فإن القرار يفتح لـ«البدون»، أبواب الالتحاق بالجيش، لاسيما أن هناك نحو 30 ألف شاب منهم تقدموا بطلباتهم.
وهذا هو الإجراء الثاني الذي يتخذه مجلس الأمة، بعد أشهر من إقرار لجنة تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع بالمجلس، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعديلا بشأن قانون الجيش الكويتي، يتيح قبول فئة المقيمين بصورة غير قانونية «البدون» بالسلك العسكري كمتطوعين أفراد.
والتعديل يشترط قبول تلك الفئة وفقا «للشروط الموضوعة التي يصدر بها مرسوم خلال ثلاثة أشهر، ويجوز عند الحاجة قبول تطوع غير الكويتيين في وظائف الجيش كخبراء أو ضباط صف».
وحسب التعديلات، فـ«يجوز قبول غير الكويتيين ضباطا اختصاصيين أو خبراء في الجيش مؤقتا، عن طريق الإعارة أو التعاقد».
ويعامل، حسب نص القانون، المتطوعون من مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية العاملون بالجيش، معاملة الكويتيين.
لماذا القرار الآن؟
بحسب مصادر لصحيفة «العربي الجديد»، فإن قبول «البدون» في الجيش، بالرغم من التضييق الحاصل عليهم في بقية إدارات ومؤسسات الدولة، يأتي في إطار رغبة السلطات الكويتية في «زيادة أعداد القوات الكويتية المشاركة بقوات درع الجزيرة، وتحديث قوتها القتالية»، حسب مصادر تحدثت سابقا.
وأضافت المصادر: «جاء القرار توافقا مع السياسة الإقليمية الخليجية في المنطقة، خاصة بعدما سجل الإقبال على الجيش الكويتي من قبل المواطنين أعلى درجات الانخفاض في السنوات العشر الأخيرة».
ولفتت إلى أن «عدد المستقيلين أخيرا كان كبيرا جدا»، متابعة: «ولهذا اضطرت القيادة العسكرية معها إلى الإذعان والموافقة على قبول البدون».
يشار إلى أن أكثر من 30 ألف متطوع من «البدون» سجلوا في الكشوفات، رغم أن العدد المطلوب لا يتجاوز 2000 جندي.
اضف تعليقا