العدسة – معتز أشرف
براءات جديدة أضيفت إلى سجل قيادات الإخوان المسلمين في مصر عقب إعلان محكمة للجنايات برئاسة المستشار سامح سليمان تبرئة 109 متهمين في القضية المعروفة إعلاميا بفض اعتصام النهضة بينهم قيادات بارزة تحتل مواقع للقرار داخل الجماعة وبرلمانيون قبل الأزمة السياسية في عام 2013 ، مع أحكام متنوعة وصلت للمؤبد بحق 275 متهما بينهم قيادات صغرى وشباب محسوبون علي الإخوان والمتحالفين معها ومواطنون بسطاء، بعد شهور قلائل من براءات طالت قيادات بمكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للجماعة، وذلك ضمن أحكام قضائية نهائية في القضية المعروفة إعلاميا بغرفة عمليات رابعة العدوية.
جاءت هذه الأحكام كذلك بعد أيام من تنفيذ أحكام إعدام وجهت برفض حقوقي على شباب معارض للنظام الحالي بعضهم محسوب على جماعات عنف وبعضهم محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، فيما عرف بإعدامات “استاد كفر الشيخ ” و”أحداث العريش”، وهو ما يفتح جدلا معتبرا حول مغزى البراءات، خاصة أن القضاء المصري، كما هو معروف من الواقع بالضرورة بمعظم دول العالم الثالث، قضاء مسيس، ويتحرك بتعليمات، تحدث عنها كثيرون منذ بدء الأزمة السياسية في مصر والإطاحة العسكرية بالدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب للبلاد.
لعبة السيناريوهات
ثلاثة سيناريوهات وراء الأحكام الأخيرة، يتصدرها السيناريو المتكرر مع كل حدث، وهو سيناريو أن تكون تلك الأحكام رسائل خفية من الدولة العميقة في مصر للإخوان في ظل الحديث الدائر عن الاتصالات السرية الدائرة خلف الستار لأحداث ما يسمي بالمصالحة أو التسوية السياسية، والتي ينفيها كثيرا الخطاب الإعلامي الرسمي والمحسوب علي الإخوان المسلمين بينما تظل أحاديثها مستمرة بتفاصيل متواترة عن اتصالات حقيقة وإجراءات لم تكتمل .
الكاتب الصحفي والباحث الأكاديمي المتخصص في العلوم السياسية وحل النزاعات، د.هشام جعفر المحبوس خارج إطار القانون في سجن العقرب بجوار أبرز قيادات الإخوان المسلمين كشف في رسالة مسربة نشرها في موقع مؤسسته الإعلامية ” مدى مصر ” في شهر ديسمبر الماضي أنه صمم عملية حوار وتفاوض بين الإخوان والحكومة المصرية، في 2014، لم تكتمل وفق مصادر خاصة أخرى بسبب اختيار الفريق – وقتها – عبد الفتاح السيسي للترشح للانتخابات الرئاسية وغلق أي مسار بدأ في الحوار مع الإخوان المسلمين بناء على توصيات أمنية .
المصادر أكدت لـ”العدسة” أن النظام قدم عبر أطراف عديدة وشخصيات وسيطة رسائل لبدء حوار، لم تمكن على مستوى الحدث بحسب وصف المصادر، وقدم عروضا أقل من طلبات قيادات الإخوان المسلمين، أو الوسطاء الذين تدخلوا خلال السنوات الأربع لحل الأزمة السياسية، وفي هذا الإطار يمكن فهم تصريحات تأتي من هنا وهناك منها في عام 2015 تصريحات للأمين العام للجماعة في الخارج إبراهيم منير الذي يتحدث دائما عن دور للحكماء ودور قيادات الإخوان في السجون في أي حل، وكذلك تصريحات مفوض العلاقات الخارجية الأسبق للإخوان المهندس يوسف نداء بدعوته لمبادرة تسوية للأزمة، وتصريحات الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في 2016 و2017 ، حول أن الشعب هو من يحدد الموافقة على المصالحة مع الإخوان من عدمه وقبول من لم تتلوث يده بالدماء ! في ذات الوقت الذي تتحدث فيه تقارير إعلامية نقلا عن مصادر حكومية مصرية عن وجود اختلاف داخل الأجهزة الأمنية للدولة المصرية حول التسوية مع الإخوان .
مساومة مرفوضة
قيادات الإخوان في السجون والمتحالفون معهم خرجوا في جلسة 20 مايو 2017 الماضي، وكشفوا عن ضغوط من النظام الحالي الذي وصفوه بالانقلابي للتسوية مع “السيسي” لوقف التعذيب في السجون بحسب ما قالوا، كما قدم المحامي البارز عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط المصري، مذكرة كشف فيها عن حضور قيادة أمنية كبيرة تساومه على حقوقه مقابل إصدار بيان أو تصريح تأييد للرئيس الحالي وهو ما رفضه سلطان في مذكرته بينما كشف الدكتور أحمد عارف، المتحدث باسم جماعة «الإخوان المسلمين»، في أكثر من كلمة له في الجلسات الخاصة بالقضية التي يحاكم فيها المعروفة إعلاميا باسم ” فض رابعة العدوية” عن وجود مساومات سياسية من أجل دعم النظام الانقلابي، معلنا رفضه والجماعة لأي ابتزاز سياسي، أما الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة المعتقل بسجن العقرب كذلك دعا في مقال مسرب من السجن نشره موقع “عربي 21” القوات المسلحة الي قراءة المشهد جيدا، متوقعا عدم استمرار الوضع على ما هو عليه وهو ما فسر وقتها بأنها رسالة مقصودة من الإخوان للجيش.
تصنيف أمني
ومن جهة أخري، فإن تكرار البراءات للقيادات في قضيتين بارزتين كفض اعتصام النهضة وغرفة عمليات رابعة العدوية – اللذين كان يعتبران في وقت سابق أبرز القضايا قبل ظهور قضايا العنف – بينما الإصرار على تنفيذ الأحكام في قضايا العنف التي أخذت بعدا إعلاميا مقصودا من قبل جهات حكومية إعلامية، يفسر بحسب مراقبين، قسوة الأحكام خاصة ضد القضايا التي دشنت بعد عام 2015 بالتزامن مع اتهام النظام المصري بصورة واضحة للإخوان بتشكيل جناح عسكري بقيادة الدكتور محمد كمال والمهندس عبد الفتاح ابراهيم السيسي، وبدء موجة التصفيات الجسدية، على عكس القضايا التي صنعت بعد الأزمة السياسية مباشرة في عام 2013 ويصنف من وضع فيها بتصينفات غير خشنة بالنسبة للنظام، وهو ما يظهر مع طبيعية القيادات التي حصلت على براءات فمنهم أطباء وأساتذة جامعات وبرلمانيون ومهندسون لهم حضور نقابي وجماهيري يوصف بالطيب في أوساطهم منهم د.عصام حشيش أستاذ بكلية الهندسة بجامعة القاهرة الذي حصل على براءة بجانب قيادات بارزة مثل سيد نزيلي وجمال عشري والبرلماني أحمد عبده شابون وعبد السلام بشندي ورزق حواس ود.عبد الرحمن الشواف.
التفخيخ محتمل
البعض في سيناريو ثالث يتحدث عن غرض ثالث من البراءات وهو تفخيخ العلاقات بين أسر القيادات وغيرهم من القيادات الصغري والشباب، خاصة أن عددا كبيرا حصل في القضية على أحكام بالسجن المؤبد، وقد حدثت مثل هذه المشاحنات بحسب بعض الأهالي في سجن العقرب شديد الحراسة عندما كانت مصلحة السجون تتعمد في بعض الأوقات غلق الزيارة على السجن وفتحها لعنبر القيادات فقط !.
المحامي مصطفى السيد عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين في مصر أكد لـ”العدسة” أن المحتمل أن تكون البراءات عملية تفخيخ بين الأهالي والشباب والقيادات خصوصا في ظل الخلاف الحالي بين الشيوخ والشباب داخل الجماعة، والتي لا أستبعد أن تكون للجهات الأمنية يد طولى فيها. بحسب رأيه .
وأضاف أن معظم الدعاوى القضائية التي تمت في مصر عقب الأزمة السياسية في 2013 ، عديمة الصلة بالقانون، ومحكمة النقض – أعلى محكمة بمصر – قضت في أحكامها الثابتة أن أي محاكمات تنشأ بعد نشوء صراع لا يعتد بها، وبالتالي فمن الناحية القانونية البراءة أو الإدانة في معظم القضايا سواء لا يعتد بها، لأنها تتناقض مع الأصول القضائية الثابتة والقواعد القانونية والإجرائية السليمة.
عضو هيئة الدفاع يرى كذلك أن الحديث عن الرسائل السياسية مستبعد في ظل عدم رغبة النظام الحالي في أي فتح للأفق السياسي المغلق، وإصراره على المضي قدما في حملات القمع المستمرة في البلاد منذ أربع سنوات، مضيفا أن “الكيد السياسي والخصومة واضحة وثابتة بين الإخوان وبين الجهات الأمنية”.
اضف تعليقا