في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، تجمع آلاف السعوديين في شوارع الرياض للاحتفال بانتصار جريء لحاكمهم محمد بن سلمان بعد فوز السعودية على إيطاليا وكوريا الجنوبية واختيارها لاستضافة معرض إكسبو العالمي 2030، أكبر معرض اقتصادي عالمي.

كان القرار بمثابة الخطوة الأكبر لولي العهد في محاولته إعادة تشكيل الصورة العالمية للمملكة العربية السعودية كجزء من مشروعه رؤية 2030، الذي يقول إنه يهدف لتنويع مصادر دخل المملكة بعيدًا عن النفط، والعمل على أن تصبح السعودية مركزًا عالميًا للتكنولوجيا.

قبل ست سنوات فقط، كان المشهد مختلف تمامًا، إذ كانت الوحشية الاستبدادية لمحمد بن سلمان، وليس صورته كمصلح، هي محور التركيز العالمي، حيث واجه محمد بن سلمان عزلة عالمية في أعقاب اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وهي جريمة قالت وكالة المخابرات المركزية إنها ارتكبت على الأرجح بناءً على أوامر من بن سلمان المباشرة.

وإبان حملته الانتخابية عام 2020، قال جو بايدن إنه سيجعل ولي العهد محمد “منبوذا” بسبب جريمة القتل، في حين وصفه السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام بأنه “قاتل مختل”.

لكن الأمر اختلف تمامًا الآن، وحسب محللين، فإن محمد بن سلمان استغل اقتصاد المملكة العربية السعودية وتحالفاتها الجيوسياسية وثرواتها النفطية لاستعادة مكانته العالمية.

في تصريح خاص، قال جورجيو كافييرو، الخبير في شؤون الشرق الأوسط: “مع مرور الوقت، أصبح تركيز المسؤولين في الغرب أقل على قضية مقتل خاشقجي، واختاروا التركيز أكثر على كون المملكة العربية السعودية لاعباً عالمياً مهماً يتعين على الدول العمل معه من أجل تعزيز مصالحها الوطنية”.

وقال غريغوري غوس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تكساس إيه آند إم “إن سلطة ولي العهد على أسواق النفط العالمية كانت عاملًا أساسيًا في مساعدته على تحمل تداعيات مقتل خاشقجي وإعادة بناء سلطته”، مشيرًا إلى أنه في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا، شهدت أسواق النفط اضطرابًا ملحوظًا مما جعل العالم يحتاج “حرفيًا” إلى محمد بن سلمان.

وأضاف غوس “مركزية المملكة العربية السعودية في سوق النفط العالمية هي محور النفوذ العالمي السعودي… الحرب في أوكرانيا، التي عطلت أسواق الطاقة ودفعت الأسعار إلى الارتفاع في عام 2022، زادت من أهمية الرياض بالنسبة لدول مثل الولايات المتحدة التي نأت بنفسها عن محمد بن سلمان… لأنه بطبيعة الحال إذا كنت تريد التعامل مع المملكة العربية السعودية، فأنت بحاجة إلى التعامل مع ولي العهد”.

وتابع غوس: “في حين أن حرب أوكرانيا هي التي دفعت إدارة بايدن للتعامل مع محمد بن سلمان، فإن معظم الدول الأخرى، بما في ذلك روسيا والصين، كانت تتعامل بالفعل مع الرياض دون أي مشاكل أو انقطاع، ولم تشكل انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة أي عائقًا أمام العلاقات مع السعودية”.

 

التطبيع مع إسرائيل

لم يستخدم ولي العهد الأمير محمد القوة الاقتصادية للمملكة العربية السعودية فحسب، بل استخدم الدبلوماسية لاستعادة نفوذه العالمي، ظهر ذلك بشكل جلي خلال الأشهر الأخيرة، حين دخلت المملكة العربية السعودية في مفاوضات بوساطة الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتي توقفت -ظاهريًا- بسبب الحرب الحالية في غزة.

كما انخرطت السلطات السعودية في مناقشات بوساطة الصين لتخفيف التوترات مع إيران، عدوها الإقليمي اللدود، والتراجع عن الصراع في اليمن، حيث ينخرط وكلاء السعودية والمدعومين من إيران في حرب وحشية وطويلة الأمد تسببت في أكبر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.

وحسب غوس فإنه عندما تنتهي الحرب الحالية في غزة، أو تهدأ الأوضاع، فمن المرجح أن تستأنف السعودية عملية محاولة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خاصة وأن العوامل التي دفعت السعودية وإسرائيل في التفكير في تطبيع العلاقات ستعود للواجهة من جديد، والتي أبرزها المخاوف السعودية والإسرائيلية المشتركة بشأن إيران، والرغبة السعودية في الحصول على ضمانة أمنية مقننة من الولايات المتحدة.

ولا يقتصر عمل ولي العهد على كسب القادة السياسيين ورجال الأعمال الأجانب وحسب، ولكنه يسعى إلى إعادة تأهيل صورة المملكة العربية السعودية في الغرب على نطاق واسع بينما يسعى للاستثمار وتشجيع السياحة.

 

الغسيل الرياضي

وسعياً لتحقيق ذلك، تعمل المملكة العربية السعودية على تحويل نفسها إلى قوة رياضية عظمى عالمية كجزء مما يسمى بإستراتيجية “الغسيل الرياضي”، إذ تلجأ الديكتاتوريات حول العالم إلى الاستثمار في مجال الرياضة من أجل تحسين سمعتها الملوثة بفعل سجلها السيء ضد حقوق الإنسان.

صندوق الثروة السيادية السعودي استثمر المليارات في بطولة الجولف، واستضافة بطولات الملاكمة للوزن الثقيل، وجلب بعض أشهر لاعبي كرة القدم في العالم للمنافسة في الدوري المحلي، من بينهم كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما ونيمار.

لكن لا تزال هناك عقبات أمام ولي العهد في سعيه لتعزيز وتوسيع نفوذه العالمي، وليس أقلها تصميمه المستمر على سحق المعارضة، خاصة أنه في الأشهر الأخيرة، أطلق حملة لمعاقبة منتقدي مشروع مدينة نيوم الضخمة، وحسب تقرير سابق فإن السلطات السعودية أصدرت أحكامًا بالسجن لمدة وصلت إلى 30 عامًا ضد عدد كبير من عقاباً لهم على التشكيك في قرار السلطات السعودية التهجير القسري للأشخاص الذين يعيشون على الأرض التي ستُبنى عليها المدينة.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا